كيف نفهم الموقف الأمريكي (1)
الشيخ رائد صلاح
حتى نفهم الموقف الأمريكي اليوم نحتاج إلى أكثر من مقالة، ولذلك سأكتب سلسلة مقالات حول هذا الموضوع، وأبدأها باقتباس مجموعة فقرات هامة وردت في مقدمة بقلم: (محمد السماك) لكتاب: (الصهيونيون المسيحيون على الطريق إلى هرمجدون) للمؤلف: (ستيفن سايزر)، وهاكم مجموعة هذه الفقرات الهامة من هذه المقدمة، وأرجو قراءتها بتدبر:
1. (ليست الصهيونية في الولايات المتحدة مجرد حركة سياسية يقوم بها متنفذون يهود، هؤلاء يقومون بالتأكيد بدور كبير في خدمة إسرائيل وأهدافها، ولكن هناك صهيونية أوسع انتشارا وأقوى نفوذًا، يحمل لواءها مسيحيون انجيليون أطلقوا هم على حركتهم أسم: (الصهيونية المسيحية).
2. (ويتحتم وضع هذا الاسم -الصهيونية المسيحية- بين مزدوجين): أولًا: لأن المسيحية في قيمها ومثلها وأخلاقها تتناقض كليًا مع الصهيونية (المسيحية) ومع أهدافها وتطلعاتها وكذلك مع الكيفية التي تعتمدها لتحقيق هذه الأهداف والتطلعات.
ثانيًا: لأن هذه الحركة الصهيونية (المسيحية) لا تُمثل الكنائس الإنجيلية المُتعددة في الولايات المتحدة وخارجها، بل إن معظم الكنائس الإنجيلية الكبرى تُعارضها بشدة، وتعتبرها خارجة عن التعاليم المسيحية.
3. (ليست الصهيونية المسيحية) حركة جديدة، إنها أقدم من إسرائيل عام (1948)، بل إنها أقدم من الصهيونية، وتعود بدايتها إلى مطالع القرن السابع عشر (1649) مما يعني أنها أقدم من الولايات المتحدة نفسها.
4. ويمكن تلمُّس هذا الفكر الجديد في المجتمع الأمريكي الأول من خلال الوقائع التالية:
– أول دكتوراة منحتها جامعة هارفرد في عام 1642، كان عنوانها: (العبرية هي اللغة الأم).
– أول كتاب طبع في الولايات المتحدة كان سفر المزامير.
– أول مجلة صدرت كانت تحمل أسم: (اليهودي).
– حتى أنّ الرئيس جيفرسون اقترح رمزًا لأمريكا يصور أبناء إسرائيل تظلهم غمامة في النهار وعمود من نور في الليل، سفر الخروج بدلًا من شعار النسر.
5. وقد يكون أشهر كتاب ديني في أمريكا هو الذي وضعه القس سايروس سكوفيلد والذي استمد تعاليمه من نظريات القس جون نلسون داربي الإيرلندي، ومن نظرياته تلك: (إن لله برنامجين وشعبين، إسرائيل وهي مملكة الله على الأرض والشعب اليهودي، والكنيسة وهي مملكة الله في السماء والشعب المسيحي)، ولقد نشرت أول طبعة من كتابه ويحمل إسم إنجيل سكوفيلد في عام 1909.
6. كذلك وضع أحد كبار قساوسة هذه الحركة “هول ليندسي” كتابًا عنوانه: “The Last Great Planet Earth” في عام 1970، وطُبِع منه أكثر من 20 مليون نسخة، في هذا الكتاب يرسم “ليندسي” سيناريو نهاية الزمن، ووفقًا لهذا السيناريو، فإن تسلسل الأحداث يتم على النحو التالي:
– قيام إسرائيل.
– عودة اليهود من الشتات إلى أرض الميعاد.
– إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى.
– تعرض إسرائيل إلى هجوم كبير من الكفار (من المسلمين وأنصارهم).
– قيام ديكتاتور يكون أسوأ من هتلر أو ستالين أو ماوتسي تونغ يتزعم القوات المهاجمة.
– خضوع مناطق واسعة من العالم لسيطرة هذا الديكتاتور الذي يُعادي اليهود.
– وقوع معركة هرمجيدون النووية التي تتسبب في كارثة بيئية ضخمة.
– ارتفاع المؤمنين بالولادة الثانية للمسيح وحدهم، وبالجسد وبمعجزة إلهية فوق أرض المعركة ونجاتهم من الكارثة، بينما تذوب أجسام بقية البشر في الحديد المنصهر.
– حدوث كل ذلك في غفلة عين.
– نزول المسيح بعد سبعة أيام إلى الأرض وحوله جميع المؤمنين به.
– تحول 144 ألف يهودي إلى المسيحية الإنجيلية بحيث يصبح كل واحد منهم مثل “بيلي غراهام” (القس الإنجيلي الأمريكي المعروف)، ينتشرون في العالم لتحويل بقية الشعوب إلى الديانة الإنجيلية.
– يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام بعدل وسلام حتى تقوم الساعة (الألفية).
7. تحمل لواء هذه الحركة الدينية مجموعة من القساوسة تتمتع بشعبية واسعة وبنفوذ معنوي كبير ومن أبرز الشخصيات الدينية المعاصرة في هذه المجموعة : “بات روبرتسون وجيري فولويل”، وهما من أقرب المقربين اليوم إلى الرئيس جورج بوش، وهؤلاء يُشرفون على محطات تلفزيونية تُغطي الولايات المتحدة من المحيط إلى المحيط، كما يُديرون مؤسسات إعلامية إذاعية ومطبوعة واسعة الانتشار.
8. ومن أتباع هذه الحركة الكنسية شخصيات أمريكية سياسية ودبلوماسية وإعلامية وعسكرية تتبوأ مراكز قيادية بارزة، كان منهم مثلًا الرئيس السابق “رونالد ريغان”.
9. ففي عهده أصبح تقليديًا دعوة شخصية دينية أو أكثر من هذه الحركة الدينية إلى البيت الأبيض في كل مرة يجد الرئيس الأمريكي نفسه مدعوًا لاتخاذ قرار جوهري يتعلق بالشرق الأوسط، وكان القس “بات روبرتسون” تلك الشخصية في ذلك الوقت. أهمية المشاركة الدينية هي العمل على توجيه القرار السياسي الأمريكي بحيث يتوافق مع إرادة الله، ومنذ حادث 11 أيلول 2001 يلعب القس “جيري فولويل” هذا الدور في إدارة الرئيس “بوش”.
10. إن العلاقة بين العمل السياسي – العسكري الأمريكي والإيمان الديني بهذه النبوءات هي علاقة مباشرة، ذلك أن هذه الحركة الدينية تعلم أبناءها أن واجب الإنسان المؤمن أن يوظف كل إمكاناته وقدراته لتحقيق إرادة الله، ولذلك كان الرئيس الأسبق “ريغان” يقول إنه يتمنى أن يمنّ الله عليه بشرف كبس الزر النووي لتحقيق إرادة الله في وقوع هرمجيدون ومن ثم بعودة المسيح.
11. ويعكس الموقف الذي اتخذه يوم الثلاثاء 24 تشرين الأول عام 1995 الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وبنقل مقر السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، مدى قدرة هذه الحركة الدينية الأصولية على التأثير في صناعة القرار الأمريكي.
12. وفي المؤتمر السنوي الذي عقدته هذه الحركة في واشنطن في تشرين الثاني من عام 2003، قال أحد قساوستها “بات روبرستون”: (إن الفلسطينيين ليسوا سوى مجموعة من العرب قدمت إلى إسرائيل منذ عدة عقود فقط، وإن ادعاءهم بالأرض هو ادعاء حديث، بينما ادّعاء اليهود يعود إلى ثلاثة آلاف عام، وإن جبل الهيكل هو لإسرائيل وليس للفلسطينيين).
13. فقرار الكونغرس بشأن القدس، ثم قرار الحرب على العراق لم تمله مصالح أمريكية، وهو لا يقع في إطار حركة المصالح السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط، ولكن أملته معتقدات دينية أصولية فرضت على السياسة الأمريكية التكيف معها، كما فرضت عليها إعادة النظر في سلوكها وفقًا لمقتضيات الالتزام به كمعطى إلهي مُقدس… يتبع.