أخبار وتقاريردين ودنيامقالات

أهل السماح ملاح التسامح من وجهة نظر نفسية (4)

ليلى غليون

سامح أنت الرابح

لا شك أن ثمار التسامح كثيرة ولا يمكن حصرها، فمن جهة يرسخ العلاقات الإيجابية ويبني المجتمعات ويحافظ على تماسكها، ويؤلف بين قلوب الأفراد ويغذيها بالمحبة والإخاء، وينبذ العنف والكراهية وينزع صفحات الماضي المؤلمة ويستبدلها بصفحات جديدة مضيئة كما بينا في المقالات السابقة، ومن جهة ثانية فإن للتسامح مفعولًا إيجابيًا وفوائد عديدة على صحة المتسامح النفسية والجسدية والعقلية، فهو يعتبر كما يقول المتخصصون النفسيون وعلماء الصحة النفسية وكما أشارت العديد من الدراسات، أن التسامح يعتبر من أقوى الأساليب العلاجية لما يسمى بالأمراض “النفسجسمية” وهي أمراض جسمية ناتجة عن مسببات وأعراض نفسية، فقد أكد هؤلاء المتخصصون، النفسيون، بأن التسامح ليس أسلوبًا علاجيًا ناجعًا فقط، بل هو حجر الأساس للصحة الجسمية، فالعديد من الأمراض العضوية حسب أقوالهم، تعود لأسباب نفسية، وقيمة التسامح تولد في النفس مشاعر إيجابية من الراحة والسعادة والهدوء النفسي، وذلك حتمًا سينعكس إيجابًا على السلامة الجسدية وأقلها تقوية الجهاز المناعي عند الشخص المتسامح.

فماذا يقول علماء النفس عن التسامح؟

فيما يلي نعرض بعض الآراء والأقوال لأصحاب الشأن في المجال النفسي والتي اطلعت عليها خلال إعداد هذا المقال وحسبما ورد في موقع “الجزيرة نت”:

أصدر البروفيسور “ايفريت ورثينجتون”،أستاذ علم النفس في جامعة فرجينيا بالاشتراك مع البروفيسور “لورين توسان” أستاذ علم النفس بجامعة لوثر بولاية آيوا الأمريكية كتابًا بعنوان التسامح والصحة “forgiveness and health” شمل دراسة حول فوائد التسامح وتأثيره الإيجابي على السلامة النفسية والجسدية للشخص المتسامح، ومما ورد في هذا الكتاب:

– التسامح من أجل صحة ومعنويات أفضل، لولا التسامح لعاش المجتمع في عداء مستمر، يجب التخلص من الشر والغضب، ويجب التخلي عن الرغبة في الانتقام وفي إيذاء الآخرين، لأن هذه الأحاسيس تعمي أبصارنا، السجن الحقيقي في عقولنا عندما تمتلئ بالغضب، والطريقة الوحيدة للحرية هي بالتحرر من هذه المشاعر المدمرة.

– عندما تسامح، فإن هذه المسامحة أمر تهديه لنفسك في المقام الأول، وإنك وأنت تسامح، فإنك تتخلى عن مشاعر المرارة والاستياء والرغبة في الانتقام، إن التسامح أمر حيوي لصحتك العقلية والجسدية ورفاهيتك النفسية، وإن زيادة التوتر وانخفاض مستويات التسامح تعرض الشخص لمتاعب صحية بدنية ومعنوية، وبالمقابل فإن تطوير أسلوب مواجهة أكثر تسامحًا ربما يساعد في تقليل الاضطرابات المرتبطة بالاجهاد.

– وجد أنه عندما ارتفع التسامح، قل التوتر، وقد أدى انخفاض التوتر بدوره إلى انخفاض أعراض مشكلات الصحة العقلية والجسدية مثل الضغط العصبي والشد العضلي والمشكلات القلبية وانخفاض وظيفة المناعة.

– وجد أن التسامح بين الزملاء في العمل، يقلل الشعور بالإجهاد خلال ساعات الدوام، وأن التسامح ونسيان الإساءة بين الزملاء ترتبط بمزيد من الانتاجية وانخفاض مشاكل الصحة النفسية والبدنية.

التسامح يجنب صاحبه الأحلام المزعجة والقلق

أما بوب إنرايت، عالم نفس في جامعة ويسكونس – ماديسون الأميريكية فيقول:

– المسامحة الحقيقية تذهب إلى أبعد من التخلي عن المشاعر السلبية، حيث تقدم شيئًا إيجابيًا، وهو الشعور بالتعاطف والرحمة والتفاهم تجاه الشخص الذي آذاك، مما يجعل التسامح فضيلة عظمى، عندما تنجح في ذلك، فإنك تتجنب استمرار الشعور بالغضب والمرارة والكراهية، وحين لا تحرر من هذه المشاعر وتتخلى عنها، فإنها تظل حبيسة بداخلك، ويمكنها أن تسبب أمراضًا جسدية مثل آلام المعدة وارتفاع ضغط الدم، وممكن أن تزيد من سوء بعض الاضطرابات العقلية مثل الاكتئاب والقلق”.

– أن الذي تعود على التسامح يكتسب مناعة مع مرور الزمن، فلا يحدث له أي توتر نفسي، أو ارتفاع في السكري، أو ضغط الدم، كما أن العفو والتسامح يجنبان صاحبهما الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يسببه التفكير المستمر في الرد على الإساءة.

أفضل منهج لتربية الطفل السوي.. التسامح معه

أما علماء البرمجة اللغوية العصبية، فقد وجدوا أن أفضل منهج لتربية الطفل السوي، هو التسامح معه، فكل تسامح هو رسالة إيجابية يتلقاها الطفل، وبتكرارها يعوّد نفسه على ممارسة التسامح وهو ما يبعد عنه روح الانتقام المدمرة التي يعاني منها الكثيرون خاصة هذه الأيام.

– التسامح يخرجك من وضع الضحية ويسمح لك بكسر الروابط التي كانت تربطك سلبًا بشخص آخر، فعندما تخرج من وضع الضحية، فهذا يعني أن المشاعر السلبية لم تعد تتحكم فيك، يمكنك حينها التركيز على أن تصبح أقوى، وأن تعيد بناء شخصيتك بحيث لا تسمح لنفسك أبدًا بآن تقع في موقف يمكن أن يؤذيك أو يؤلمك فيه أحد”.

التسامح يحرر من آلام الماضي

أما جيرالد جامبونسكي صاحب كتاب “التسامح أعظم علاج على الإطلاق” فيقول:

– عدم التسامح الذي يسبب التمسك بالغضب والخوف والألم والذي لديه تأثير قوي على أجسامنا ويسبب ذلك التوتر الذي يؤثر على أنظمتنا النفسية والتي نعتمد عليها من أجل صحتنا، فهو يؤثر على دورة الدم في أجسامنا، وعلى كفاءة الأجهزة المناعية، ويمثل ضغطًا على قلوبنا وعقولنا وعلى كل عضو من أجسامنا.

– أنا مقتنع تمامًا بأننا لكي نكون سعداء حقًا، ينبغي أن نتعلم قيم التسامح وحب أنفسنا والآخرين فنحظى بالسعادة والسلام، فيمكن لأجهزتنا المناعية أن تقوى عندما نتسامح لأنه يحررنا من آلام الماضي ويخمد معاركنا الداخلية مع أنفسنا ويمنحنا إحساسًا بالحرية الشخصية والأمل والطمأنينة والسعادة.

وبعد، فالحديث عن التسامح لا يٌمل ذكره، فالكلمة نفسها “التسامح” تبث في النفس الشعور بالراحة والسلام الداخلي الذي يبحث عنه معظم الناس اليوم والقليل من ظفر به، وهو شجرة مثمرة دائمة الخضرة، وهو جسر يوصل بإذن الله إلى الجنة.

تسامحُ النفس معنى من مروءتها، بل المروءة في أسمى معانيها
تَخلّق الصفحَ تسعد في الحياة به فالنفس يسعدها خلق ويشقيها. فسامح أنت الرابح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى