أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (219) حجارة الشطرنج والموقف من محرقة غزة وماذا مع “اليوم التالي”؟

حامد اغبارية

لا تسأل! لا تغضب! لا تلتفت!

لا تسأل عن موقف الأنظمة العربية من هولوكوست غزة. فهم لا يستأهلون شرف الدفاع عن شرف الأمة!

ولا تغضب من هوان هذا الأنظمة، لأن غضب الشرفاء إنما يكون على شريف تخلّفَ، أو ذي مروءة نكصَ، أو ذي عقيدة خذلته نفسه.

أما هؤلاء فلا شرف ولا مروءة ولا عقيدة.. فهم ليسوا إلا حجارة شطرنج على رقعةٍ يتحكم بها لاعبان: تل أبيب وواشنطن، يحركان الحجارة حسبما تقتضي مصلحة اللاعب، وحسبما يراه وسيلته للفوز في اللعبة الدامية.
ولا تلتفت إلى جلوس الأنظمة على منصة المتفرجين، فكثرة الالتفات ستشغلك عن الطريق.

كلّما وجد ذلك الفصيل الأصيل من الأمة نفسه داخل أزمة، وأعني الشعب الفلسطيني، تتطاير الأسئلة في كل اتجاه كالفراش المبثوث: أين العرب؟! النجدة النجدة أيها العرب! لماذا لا تفعلون شيئا؟! أين أموالكم؟ أين سلاحكم؟! أين نفطكم وبترولكم؟

ثم يخيم الصمت القاتل…. ذلك أنك “لقد أسمعت لو أسمعت حيًّا ولكن حياة لمن تنادي”. فهل يسمع الموتى الدعاء والنداء؟ هل يسمع الموتى صراخ الأطفال وأنين الرجال ونحيب النساء؟
وهل يمكن لعاقل أن يتوقع نُصرةً من أسير مكبّل أو من عميل منتفع؟

إن الأنظمة العربية -كلها دون استثناء- ليست سوى مواليد غير شرعيين لحملٍ من سِفاح. فقد صنعتها أيدي الاستعمار الحديث لتخدم مصالحه وتنوب عنه في تمزيق جسد الأمة. هي أنظمة وظيفية، لخّص دورها فيصل الأول، ابن الحسين بن علي الذي هو رأس الحرب التي طعنت الأمة في قلبها. وفيصل الأول كانت بريطانيا قد عينته أميرا على شرق الأردن ثم “رفعت” درجته وعينته ملكا على العراق. قال: “ماذا يمكنني أن أفعل؟ إنما أنا موظف لدى حكومة التاج البريطاني برتبة ملك”!

وما تزال هذه المقولة تلخص وصمة عارٍ وسُبّةً أبد الدهر على جباه الموظفين لدى واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس برتبة ملك وأمير ورئيس.

هي أنظمة عبيد دموية تحظى بحماية أسيادها. وهي بذلك أشبه ما تكون بالمؤسسة الإسرائيلية من حيث أنها تعتمد في بقائها واستمرارها على الدعم الدولي، حتى إذا جاءت لحظة ورُفع عنها ذلك الدعم أصبحت هباء منثورا. ولقد قالها دونالد ترامب في رئاسته السابقة يوم راح يبتز ابن سلمان ويهدده بسحب الحماية قائلا: لو رفعت أمريكا يدها عن حمايتكم لما استطعتم البقاء أكثر من أسبوع.

هي أنظمة قمعية فاقدة للشرعية، تحاول من خلال القمع والبطش بشعوبها أن تحصل على شرعية لا تستحقها، بأدوات بطش لا تليق إلا بالطواغيت.

هي أنظمة تقول في العلن وفي المؤتمرات الصحافية وعلى مسمع الناس كلاما مزينا بألفاظ تجعلك تظن أن الدنيا بخير وأن غدا لناظره قريب، وأنه ويل لأعداء الأمة من صناديد الأمة، بينما يقولون في الغرف المغلقة ما تخجل من قوله المومسات.

حجارة شطرنج وصلت إلى سدة الحكم بانقلابات عسكرية مدعومة من واشنطن وتل أبيب وسائر المشاركين في لعبة الأمم، أو حجارة شطرنج عميلة في أصلها، تسري العمالة الرغاليّة في عروقها، زرعتها قوى الاستعمار وجعلت منها ملوكا وأمراء ورؤساء، وعلّقت على صدورها نياشين بطولة لم تمارسها في حياتها إلى على الشعوب وعلى شرفاء الأمة.

حجارة شطرنج اصطفّت إلى جانب واشنطن وإلى جانب المشروع الصهيوني وعملت، وما تزال، على حمايته والتمكين له.

ولقد سجل التاريخ جانبا من “مروءة العرب وشهامتهم وكرمهم الحاتمي”، مثل تلك الرقعة التي وقع عليها عبد العزيز بن سعود بطلب من ولي أمره: (أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود: أقرّ وأعترف ألف مرة للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى عندي، أعطي فلسطين لليهود المساكين، كما تراه بريطانيا، التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة).

كما اصطفت تلك الأنظمة إلى جانب واشنطن وتل أبيب في موضوع النووي الإيراني، وتحويل إيران إلى عدو بديل للمشروع الصهيوني الذي زحفت تلك الأنظمة على أربع للتطبيع معه.

كيف لعاقل، إذًا، أن ينتظر أو حتى يفكر في أن ينتظر نصرة لفلسطين ولغزة وللقدس وللأقصى من تلك الأنظمة؟

كيف لعاقل أن يهدر وقته الثمين في انتظار المستحيل؟

كيف لعاقل أن يخطر له أن الذي أدمن العمالة، وخان عهد الله ورسوله، وحارب من يحفظون بيعتهم لله ولرسوله، يمكن أن يُشفى من مرضه الخبيث هذا فجأة، وهو يعلم يقينا أن الأمراض الخبيثة لا دواء لها ولا شفاء منها؟!!

هل أصبت بلوثة في عقلك إذ تظن أن الذين شاركوا في التمكين للمشروع الصهيوني من قبل وعد بلفور المشؤوم، يمكن أن يغيروا جلودهم؟ ولو أرادوا ذلك، فرضا، فهل تظن أن من وظفوهم سيبقونهم في وظيفتهم دقيقة واحدة؟

هل فقدت صوابك إذ تفكر للحظة أن الذين “سلّموا الجمل بما حمل لتاجر البندقية” يمكن أن تحرك مشاعرهم الميتة أشلاءُ طفل متناثرة وجسد امرأة ممزق وجثة شيخ مشوهة وجبال من الأنقاض التي تخفي تحتها آلاف الحكايات؟!!

هل أصبت بفقدان الذاكرة إذ تعتقد أن الذين وقَّعوا على كل وثيقةِ عار أنْ يدركهم الشرف أو يدركوه؟

هل جننت إذ تتخيل أن الذين حاصروك وجوّعوك وحرموك من الماء والغذاء والدواء والهواء يمكن أن يمدوا لك طوق النجاة؟

لقد كان للمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف واحد… واحد فقط، لا ألف موقف، يوم رفضوا الخروج مع المؤمنين في غزوة تبوك، فحرمهم الله من أن يشاركوا المسلمين ويخرجوا معهم في أية غزوة بعد ذلك، وذلك في قوله سبحانه: {وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ. لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ} (التوبة: 46-47). وفي قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} (التوبة: 81-83).

لقد كره الله انبعاث المنافقين فقعدوا مع القاعدين، لأنهم لا يستأهلون شرف المشاركة في نصرة الله ورسوله. ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: “لن تخرجوا معي أبدا… إنكم رضيتم بالقعود أول مرة”.. فهي
مرة واحدة كانت تكفي لفضحهم، فكيف بالذين تآمروا وتخلفوا وقعدوا مئات المرات وطوال عقود؟

وكما كانت المنافقون يتآمرون على رسول الله والعصبة المؤمنة في الغرف المغلقة المظلمة، لهدم مشروع نهضتهم وبناء دولتهم، فإن مشهد اليوم إنما هو نسخة طبق الأصل عن ذلك المشهد. تُظهر الأنظمة المؤازرة والنصرة ودعم الحق الفلسطيني، بينما هي في الحقيقة تحفر الحفر وتنصب الفخاخ والكمائن وتتحول تارة من شقيق مزعوم إلى وسيط مشؤوم، وتارة أخرى من داعم دبلوماسي في المحافل الدولية إلى مساهم في دبّ المآسي وصبّها فوق رؤوس الفلسطينيين.

فكيف يمكن أن تثق بهم، وتتوقع منهم خيرا؟
إن الأنظمة العربية لها دور تؤديه. وهذا الدور لا علاقة له بنصرتك. فلست أنت الذي تدفع لها الرواتب…

اليوم التالي

بدأ الحديث عن “اليوم التالي” للحرب الإسرائيلية على غزة منذ الأيام الأولى للحرب المجنونة. فما قصة “اليوم التالي”؟ ولمَ يكثر الحديث عنها، بينما الحرب طالت واستطالت ولمَّا تنته بعدُ؟

إنها جزء من خطة التضليل الإعلامي الذي تمارسه تل أبيب وواشنطن ودول الغرب الداعمة لتل أبيب في حربها على غزة، لإيهام الجمهور بأن المسألة محسومة وأن المسألة مسألة وقت فقط، وأنه في نهاية الأمر سيكون هناك “اليوم التالي” لغزة.

إن تأثير هذا المصطلح على شرائح عريضة من الجمهور كبير جدا، إلى درجة أن كثيرين باتوا يؤمنون فعلا أن الاحتلال سيحقق ما يريد، وأنه سيكون لغزة “يوم تال”، لا يشبه ما كانت عليه غزة قبل السابع من تشرين الأول.
حرب نفسية لا تؤثر إلا على المهزوم في أعماق نفسه، وعلى الذين باتت لديهم قناعة أن هزيمة الاحتلال من المستحيلات. وهؤلاء كثيرون للأسف، أو حتى دون أسف.

فهل هذا الغثاء له علاقة بالحقيقة؟

لو كان حقيقة لما قالوه ولما رددوه صباح مساء. بل هو يعكس ما يخفونه في قرارة أنفسهم ولا يصرحون به، رغم أن سلوكهم يفضحهم.

فلينظر كل واحد إلى “اليوم التالي” الخاص به، قبل أن يفكر بـ “اليوم التالي” للآخرين. فكل شيء بقدر. وقدر الله غالب. هذا يقين لا يتزعزع.

لقد اجتمعت الدنيا كلها، بعجمها وعربها، على غزة وقد وضعت خريطة طريق “لليوم التالي”، وهي لا تدري أن الله سبحانه خير الماكرين.

بالمناسبة: راجع معي تاريخ المسلمين في مواجهاتهم مع مشاريع الاجتثاث. لم أجد بين هذه المواجهات أن المسلمين غَلَبوا من كثرة. بل إنهم غُلبوا لما غرّتهم كثرتهم وقالوا: لن نُغلب اليوم من قلة. في أغلب معاركهم كانوا هم القلة، لكن يقينهم وثباتهم رجَّح كفتهم في كل مرة. هذه سُنّة لا تتغير ولا تتبدل..

عندما نزلت الآيات الألى من سورة “الروم”: {الم ( 1 ) غلبت الروم ( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ( 4 ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ( 5 ) وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (6)، سخر مشركو قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آيات الله تعالى. وكان المشركون يحبون أن تغلب فارس، لأن الفرس عباد أوثان مثلهم،” بينما أحب المسلمون أن تغلب الروم لأنهم أهل كتاب، في تلك المعركة التي استمرت نحو 100 سنة. فذُكر ذلك لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ” أما إنهم سيَغلبون” فذكره أبو بكر لمشركي قريش، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا. فجعل أجلًا خمس سنين، فلم تظهر الروم، أي لم ينتصروا على الفرس، فذكر ذلك أبو
بكر للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: “ألا جعلتها إلى دون العشر” أي إلى تسع سنين”. ثم ظهرت الروم بعدُ.

فهل تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاله وما بشّر به، أم تصدق مشركي قريش؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى