ماذا يعني بناء حي استيطاني مكان أونروا بالقدس؟
بدأ استهداف ومحاولة إنهاء وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عام 2017 عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن القدس بشطريها الغربي والشرقي عاصمة موحدة لإسرائيل، لكن حملة التحريض الإسرائيلية على الوكالة الدولية تكثفت منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووصل الحال الآن إلى مصادقة لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، قبل أيام، على مشروع قانون قطع العلاقات بين إسرائيل وأونروا، وعلى اتخاذ “سلطة أراضي إسرائيل” خطوة ببناء 1440 وحدة سكنية مكان مقر الوكالة في حي الشيخ جرّاح بالقدس، وفق ما أعلنته وسائل إعلام عبرية الخميس الماضي.
وقالت الوكالة تعقيبا على قرار الاستيلاء على مقرها والأرض المقام عليها، إنها سمعت عن القرار من وسائل الإعلام.
في حين قد بادر إلى قانون قطع العلاقة مجموعة من أعضاء الكنيست وهم يوليا مالينوفسكي من حزب “يسرائيل بيتينو” ودان إيلوز وحانوخ ميليبتزكي من حزب “الليكود”، ورون كاتس من حزب “هناك مستقبل”.
وبمجرد المصادقة على القانون بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست فإن إسرائيل ستلغي الوضع الدبلوماسي للوكالة وموظفيها وهذا سيلغي بدوره الحصانة والمزايا الضريبية، كما سيقطع قنوات التواصل بين مسؤولي أونروا والمسؤولين الإسرائيليين.
محو خط الهدنة
ويقع مقر أونروا الرئيسي والذي من المقرر إقامة مستوطنة مكانه في حي الشيخ جراح المقدسي، وبُني على أرض تقدر مساحتها بعدة دونمات (الدونم يساوي ألف متر مربع).
ويتبع الوكالة الدولية في محافظة القدس مخيمان للاجئين هما مخيم شعفاط شرقي المدينة وتأسس عام 1965 ويضم ما يقارب 16 ألفا و419 لاجئا مسجلا في سجلات الوكالة، ومخيم قلنديا للاجئين شمالي المدينة والذي تأسس عام 1949، ويضم نحو 16 ألفا و344 لاجئا مسجلا وفقا لبيانات موقع أونروا الإلكتروني.
كما يدرس نحو 1800 طالب مقدسي على مقاعد 6 مدارس تتبع أونروا في المدينة المقدسة، بالإضافة إلى أن عددا كبيرا من اللاجئين المسجلين يتلقون الخدمات الطبية المجانية في عيادة الوكالة في البلدة القديمة بالقدس.
خبير الخرائط والاستيطان خليل التفكجي قال في تصريحات صحفية إن مقر الوكالة في الشيخ جرّاح يقع مباشرة على خط الهدنة المعروف بالخط الأخضر الفاصل بين حدود عامي 1948 و1967.
وأوضح أن الأرض صودرت إبان الانتداب البريطاني من عائلة الجاعوني “للمصلحة العامة”، واستخدمت كمركز للشرطة آنذاك، وعندما أصبحت المنطقة تحت السيادة الأردنية ظلّت مصنفة كأملاك دولة وتديرها خزينة المملكة الهاشمية، وتسلمتها أونروا عام 1950.
مرافق مهددة
وحول خطوة بناء 1440 وحدة استيطانية مكان المقر الواقع في الشيخ جراح، قال التفكجي إن ذلك يندرج ضمن سياسة إسرائيلية واضحة لحسم الديمغرافيا في القدس بحيث تصبح مدينة ذات أغلبية يهودية وأقلية عربية.
“الاستيلاء على الأرض وبناء مستوطنة هو استكمال للمستوطنات القريبة الموجودة أصلا بدءا من معالوت دفنا مرورا برامات أشكول وليس انتهاء بجفعات همفتار” يضيف التفكجي.
ومن أهداف البناء الاستيطاني على خط الهدنة -وفقا للخبير المقدسي- هو إنهاء هذا الخط بهدف الدمج بين شطري المدينة الغربي والشرقي باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهكذا تصبح إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية من المستحيلات.
لكن التفكجي يرى أن الأخطر من ذلك كلّه هو إنهاء قضية اللاجئين وحق العودة بشكل كامل من خلال إنهاء وجود الأونروا كوكالة دولية أُنشئت من أجل ملايين اللاجئين، فهي الجهة التي تُعلم وتعالج وتُشغل ومسؤولة عن كل ما يتعلق بحياة اللاجئين داخل فلسطين وخارجها.
“ضرب الأونروا يعني ضرب أساس القضية الفلسطينية من خلال وصمها بالإرهاب وشطب وجودها الذي لا يختلف على أهميته أحد”، ولا بد من الالتفات إلى أن شبح الاستيطان لا يلاحق المقر الرئيسي في الشيخ جراح، بل يطال أيضا مركز التدريب المهني التابع لأونروا والمقام على أراضي بلدة قلنديا شمال القدس.
وفي الرابع عشر من شهر يناير/كانون الثاني الماضي طلب من أونروا دفع دَين بأثر رجعي بقيمة 17 مليون شيكل (نحو 4.5 ملايين دولار) بادعاء إنشاء مبان واستخدامها دون تصريح أو موافقة من سلطة أراضي إسرائيل.
خدمات متنوعة
وقال مصدر في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن كلية تدريب قلنديا هي أول كلية أنشأتها أونروا في فلسطين وكان ذلك عام 1953، على مساحة 88 دونما.
وتقع الكلية شمال القدس مقابل مخيم قلنديا للاجئين، ويقدر عدد طلبتها حاليا بـ270 طالبا، يتوزعون على 14 تخصصا، وتقدم لهم خدمات إضافية كالسكن الداخلي والتمريض والإرشاد والتوعية، وتضم الكلية قسم توجيه وإرشاد مهني لتوجيه الطلبة ومساعدتهم في مجالي التدريب وسوق العمل، ويتراوح عدد الخريجين سنويا بين 250 و300 خريج في كافة التخصصات.
ويعتبر نائب رئيس بلدية الاحتلال أرييه كينغ من أبرز المحرضين على مقر أونروا وموظفيها في القدس، ووصف المقر بـ”قنبلة موقوتة في القدس”، وبمجرد المصادقة قبل أيام على مشروع القانون ضد الوكالة كتب على صفحته في فيسبوك “قريبا حي سكني بدلا من المقر النازي للعدو أونروا”.
يذكر أن عشرات المظاهرات نظمها مستوطنون منذ اندلاع الحرب على غزة أمام مقر أونروا في حي الشيخ جراح، كما شاركوا في الاعتداء على هذا المقر من خلال إشعال الحرائق أمامه ومحاولة خلع بوابته الخارجية، وبإطلاق هتافات ورفع لافتات تحريضية.