أكتوبر (السيوف الحديدية) وتشرين (طوفان الأقصى)
الإعلامي أحمد حازم
وافق الإثنين الماضي (السابع من أكتوبر/تشرين الأول) الذكرى الأولى للهجوم المفاجئ الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل تحت اسم (طوفان الأقصى) حيث هاجمت مستوطنات إسرائيلية ما أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر نحو 240 آخرين. وردّت إسرائيل على الهجوم بعملية أطلقت عليها (السيوف الحديدية) أي بدأت بشن حرب مستمرة لغاية الآن على غزة والتي اسفرت حتى هذا الوقت عن مقتل حوالي 42 ألفا، وفق وزارة الصحة بقطاع غزة.
لم يكن لدى الاستخبارات الأمريكية ما تقوله عن الذكرى السنوية الأولى ليوم السابع من أكتوبر غير تخويف الناس والتحذير من أمور لا تحمد عقباها. فقبل أيام قليلة من الذكرى حذّرت وكالة الاستخبارات الأمريكية من أن ذكرى هجوم “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الجاري، قد تدفع بعض الأشخاص إلى ارتكاب أعمال عنف في الولايات المتحدة. أمّا البيت الأبيض فقد سارع الى التملق كعادته لإسرائيل في القول إنّ الذكرى الأولى لهجوم 7 أكتوبر على إسرائيل سيكون “يوما أليما” على حد وصفه.
لكن هناك صورة أمريكية شعبية تعبر عن الذكرى مختلفة تمامًا عن الموقف الرسمي، فقد قام صحفي أمريكي بإضرام النار في ذراعه خارج البيت الأبيض خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، احتجاجا على الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، مضحيا بها من أجل عشرة آلاف طفل في غزة فقدوا أطرافهم، حسب قوله.
ليست أمريكا وحدها التي هبت للدفاع عن إسرائيل في ذكرى السابع من أكتوبر، بل سمعنا أصواتًا أخرى قادمة من الغرب، ففي ألمانيا، حذّر توماس هالدنفانغ رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني، من أنَّ الذكرى السنوية لهجوم “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، قد تكون حدثا مثيرا للاضطرابات. لكن ذلك لم يحصل. وقال هالدنفانغ إن الاضطرابات في الشرق الأوسط تميل إلى إثارة ردود فعل في ألمانيا، محذرا مما وصفه مظاهر “معاداة السامية والعداء لإسرائيل واحتمال كبير للتعاطف والاستقطاب” في الذكرى.
تصوروا هذا الموقف من مسؤول ألماني منحاز كليًا لإسرائيل، فقد اعتبر من خلال تصريحه أنّ أي رد احتجاجي وإدانة للحرب على غزة هي معاداة للسامية. ولا أدري إذا كان هذا الجاسوس الألماني يفهم معنى السامية أو مرَّ عليها خلال دراسته، وأنا أشك في ذلك. فكيف يمكن لسياسي عاقل أن يربط بين الاحتجاج على شنّ حرب وبين معاداة السامية؟
أمّا المملكة الإسبانية، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فلها موقف رسمي مغاير تماما، حتى على الصعيد الشعبي، اسمعوا ما جرى في المدن الاسبانية، ويا ليت المدن العربية تقوم بما قامت به المدن الإسبانية. فقد شاركت أكثر من 40 مدينة في إسبانيا، منذ يوم السبت 5 أكتوبر وحتى يوم الاثنين 7 أكتوبر، في مظاهرات من أجل دعم فلسطين وغزة تحت شعار “دعونا نوقف الإبادة الجماعية في فلسطين، وننهي تجارة الأسلحة والعلاقات مع إسرائيل”.
ليس هذا فحسب، فقد طالب آلاف الأشخاص في عدد من المدن الإسبانية، الحكومة بالضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في الشرق الأوسط، وخرجوا في مظاهرات جديدة لدعم غزة مطالبين بفرض عقوبات على إسرائيل “لعدم امتثالها للقانون الدولي”، فهل سمعنا عن حجم تضامن عربي مع غزة مثل هذا الحجم في المدن الإسبانية؟
هناك حالة استثنائية، وكما يقول المثل الشعبي “إن خليت بليت”. فالشعب المغربي لا يؤمن بالاتفاقيات والتطبيع مع إسرائيل كما فعل النظام المغربي. الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة (غير حكومية) نظمت مظاهرات بمناسبة الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر. وقالت في بيان لها إن “الشعب المغربي خرج في أكثر من 100 مظاهرة في 58 مدينة مغربية داعمة لغزة والضفة الغربية ولبنان في إطار فعاليات جمعة طوفان الأقصى”، تحت شعار: “وفاء للدماء النازفة في فلسطين ولبنان”.
أمّا في بريطانيا، بلد وعد بلفور، فقد قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في بيان صدر في الذكرى الأولى لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر: “علينا أن ندعم بشكل لا لبس فيه المجتمع اليهودي”. ووصف ستارمر السابع من تشرين الأول/أكتوبر بأنه “أحلك يوم في التاريخ اليهودي منذ الهولوكوست”. رئيس الوزراء البريطاني لم يخجل من نفسه بعدم تطرقه إلى الفلسطينيين في بيانه، لأن السابع من أكتوبر حدث إسرائيلي وفلسطيني، ولذلك كان على ستارمر على الأقل من الناحية الأخلاقية المساواة في التصريحات.
جامعة هارفارد، أشهر جامعة أمريكية محليا، وأعرقها عالميا، نشرت دراسة في أيام الذكرى الأولى للحرب على غزة، جاء فيها أن نتنياهو، “أسوأ قائد في العصر الحديث وهو قائد فاشل وكاذب معروف ويمتلك مزيجًا فريدًا من الصفات مثل الاعتلال النفسي، الشر، الجبن، وانعدام القيادة”، ونظرًا لأهمية الدراسة تمّ نشرها حديثا في قناة “فوكس نيوز” وصحيفة “نيويورك تايمز”. ليس مستغربا عدم اكتراث نتنياهو بما ورد في الدراسة ورفضه التعليق عليها، بمعنى انه تهرّب من الرد على الصحفيين الذين تواصلوا معه بشأن الدراسة، واكتفى بالقول: “أشكر زوجتي العزيزة”. واضح أنَّ هذا الردّ هو استخفاف بالصحفيين، فلا سبب لهذا الشكر النفاقي، بل هو في حقيقة الأمر عدم احترام للصحفيين. هذا هو نتنياهو.