نتنياهو بين خطتي “النعمة و اللعنة”.. فرصة التحالف الإقليمي على المحك
كشف رئيس جهاز الموساد السابق تمير بردو ونمرود نوفيك، العضو في “منتدى السياسة الإسرائيلية” وكبير مستشاري السياسة الخارجية لرئيس الوزراء السابق شيمون بيريز عن خطة نتنياهو من توغله البري في الجنوب اللبناني.
وفي مقال نشر في صحيفة هآرتس العبرية، قال إن خطاب بنيامين نتنياهو في الجمعية العمومية في الأسبوع الماضي هو خطاب يرتبط بالواقع الأمني بشكل أكبر مما يظهر، وهو لا يبشر بالخير، على خلفية الإنجازات المدهشة للجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات في الساحة الدولية وعلى خلفية المعاني الكبيرة لهذه الإنجازات، يبرز غياب رؤية استراتيجية يمكن ترجمتها إلى تغيير إيجابي صارخ في المحيط القريب والبعيد. الأخطر من ذلك هو أنه في الوقت الذي فيه رئيس الحكومة في الخطاب كان دقيقا في عرض الفرص، فإنه في سياسته يضمن تفويتها.
كالعادة، استعان نتنياهو بوسائل مساعدة بصرية، خارطتين تمت الإشارة فيهما إلى الخيارات التي توجد أمام إسرائيل والمنطقة. الخارطة الأولى باللون الفاتح عرضت ما أطلق عليه “خطة النعمة”، التي أساسها التعاون بين الدول التي تعمل على التقدم والاستقرار، ومن بينها بالطبع إسرائيل. الخارطة الثانية باللون القاتم عرضت إيران ووكلاءها، جميع الذين يسعون إلى الشر من حولنا. هم يشكلون “خطة اللعنة”. عرض الواقع صحيح، لكن الاستنتاج غير صحيح. خارطة الشرق الأوسط وبحق تعكس جاهزية معسكرين متعاديين، لكن في سياسته اختار نتنياهو، بشكل متعمد، الابتعاد عن الاندماج في معسكر “النعمة”، والحكم علينا بمواجهة مستمرة مع الذين “يلعنون”.
المعسكر الأول برئاسة إيران يعمل بطرق عنيفة لتقويض الاستقرار واستغلال عدم الاستقرار لتوسيع دائرة نفوذ نظام آيات الله الظلامي. المعسكر الآخر الذي يشمل الدول التي وقعت على اتفاقات سلام مع إسرائيل، مصر والأردن، والدول التي وقعت على اتفاقات أبراهام، والسعودية ودول أخرى في الخليج، هو معسكر موحد، سواء من الخوف من تهديد إيران، أو التزامه بالاستقرار الإقليمي الذي يعتبر أمرا حيويا لحلم النمو الاقتصادي بروحية برنامج “رؤيا 2030” لولي العهد السعودي وبعض جيرانه.
منذ سنوات ومعسكر “النعمة” يطلب من إسرائيل الانضمام إلى صفوفه، سواء في إطار تحالف إقليمي يهدف إلى صد إيران ووكلائها، أو من أجل دمج القدرات الاقتصادية، التكنولوجية وغيرها، من أجل رفاه الجميع. هذا الاندماج يشمل أيضا تطبيع العلاقات مع السعودية ودول عربية وإسلامية أخرى تنتظر قرارها.
على الأقل خمس دول من دول التحالف الإقليمي، مصر والأردن واتحاد الإمارات والمغرب والسعودية، تعادي حماس وحركة الإخوان المسلمين التي هي الأم. هذه الدول استجابت لدعوة واشنطن، الانضمام إلى ما يسمى “مبادرة بايدن”، التي في إطارها يتم تنسيق النشاطات أمام إيران، كما تجسد في ليلة هجوم إيران في نيسان الماضي، لكنها أيضا ستتحمل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة، بما في ذلك وضع قوات برية.
من أجل تحقق هذه النوايا فإن دول “خطة النعمة” تحتاج إلى إجراء ثلاثة تغييرات على الصعيد الفلسطيني. التغيير الأول هو وقف القتال في الجنوب الذي سيمكن هذه الدول من نشر قواتها بالتنسيق مع القوات الإسرائيلية التي ستنسحب. التغيير الثاني، كي لا تظهر كقوة احتلال فإنه يمكنها التدخل فقط كرد على دعوة الجهة المعترف بها في العالم كممثلة للشعب الفلسطيني، أي السلطة الفلسطينية. عندها يمكن الدخول إلى القطاع بالتنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية وكرد مؤقت، حتى لو كان لفترة طويلة، على عدم قدرتها على القيام بمهمة إدارة القطاع بقوتها الذاتية. التغيير الثالث المطلوب، من أجل تقليص خطر احتراق الاستثمارات بالمليارات في القطاع بواسطة جولة عنف أخرى، هو التزام إسرائيل بإعطاء أفق سياسي حقيقي للفلسطينيين، حتى لو كان تطبيقه يحتاج إلى سنوات كثيرة. بحسب ادعاءاتها فإن هذا الأفق سيكون بديلا يحمل الأمل لإيديولوجيا اليأس والدمار والخراب لحماس، وكابحا أمام تجند الجيل الفلسطيني الشاب في صفوف التنظيمات الإرهابية.
إذا كانت هناك حاجة لأثبات آخر للمكانة الرئيسية للقضية الفلسطينية في نظر هذه الدول فقد حصلنا عليه في موازاة خطاب نتنياهو، عندما أعلن وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، في الأمم المتحدة عن إقامة “تحالف دولي للدفع قدما بحل الدولتين”. وبحسب قوله فإن “تطبيق حل الدولتين هو الطريقة الأفضل لتحطيم دائرة الصراع والمعاناة، وخلق واقع جديد فيه كل المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، تحظى بالأمن والتعايش.
إذا عملت حكومة إسرائيل على إقناع الدول العربية المعتدلة (والجمهور في إسرائيل) بأنه لا توجد أي صلة بين إقامة علاقات مع هذه الدول وبين القضية الفلسطينية، فإن الذين قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل توصلوا إلى الاستنتاج المعاكس. الدليل على ذلك هو تجميد مشاريع مشتركة مع دولة الإمارات وتقليص الاتصالات بين الحكومتين، والمبادرة السعودية الجديدة. يتبين أن صدمة 7 تشرين الأول/ أكتوبر والحرب المستمرة منذ ذلك الحين أثبتت وأظهرت لدول كثيرة في المنطقة وخارجها الضرر الذي يتسبب به النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين وعدم الاستقرار الذي يتسبب به لمصالحها الحيوية. هكذا، رغم أن الحديث يدور عن صراع أصيل لدينا، وأن إقامة حدود بيننا وبين الفلسطينيين هو أمر حيوي لمستقبلنا كدولة يهودية وديمقراطية، حتى الآن عندنا لم يتم اتخاذ القرار، في حين أنه عندها انتقل الالتزام بحل الدولتين من مجرد أقوال إلى موجه للسياسة. أو كما وصف ذلك بوضوح ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان: “لن تتم إقامة علاقات مع إسرائيل قبل التقدم في إقامة الدولة الفلسطينية”.
إن رفض رئيس الحكومة الاستجابة لهذه التوقعات يحرم إسرائيل من فرصة تاريخية للاندماج في تحالف إقليمي وتطبيع العلاقات مع السعودية ودول أخرى. وهو أيضا يمنع إمكانية تحقيق الهدف السامي، إعادة المخطوفين إلى بيوتهم، والخروج من القطاع وإحباط استئناف تهديد حماس. إضافة إلى ذلك فإن رفض تنفيذ المطلوب من اجل الاندماج في “خطة النعمة” يحكم على إسرائيل مواجهة محور “اللعنة” بشروط أكثر قسوة. ضمن ذلك الاحتلال المتواصل والنازف للقطاع وتدهور الضفة إلى وضع غزة واستجابة دول السلام، القريبة والبعيدة، للضغوط الداخلية والخارجية من اجل الابتعاد عن إسرائيل وزيادة عزلتها الدولية، وفرض العقوبات من قبل مؤسسات دولية، بما في ذلك المحاكم في لاهاي، ولا يقل عن ذلك خطورة هو إمكانية العزلة في المواجهة مع إيران ووكلائها.
سواء كان رفض نتنياهو ينبع من الاعتماد على الشركاء المسيحيين في الائتلاف، أو أنه يعكس رؤية تفضل مخاطر عدم الاستقرار في إدارة النزاع، الذي تسبب به 7 تشرين الأول، على تحدي التقدم بحذر نحو حله، فإن سياسته تشير إلى خطة خطيرة. هذا بالذات في الوقت الذي فيه جهاز الأمن، بإنجازاته، قدم له شروط مثالية لتغيير الاتجاه وإبداء مبادرة وتجند المنطقة معنا.
الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الأخرى نهضت من إخفاقات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهي تثبت ذلك في كل يوم. لقد حان الوقت لاستيقاظ المستوى السياسي وترك الاستراتيجية التي أنزلت علينا أسوأ كارثة منذ قيام الدولة.