الفقه والواقع المعاصر
أد. مشهور فواز- رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء
حقيقة العقد البراني أو ما يسمّى الاملاك الشرعي
العقد البراني أو ما يسمّى الاملاك الشرعي لدى النّاس هو عبارة عن عقد شرعي تترتب عليه كافة الآثار الشّرعية كالعقد الرّسمي تماما طالما أنّ العقد مستوف للأركان والشروط المطلوبة من حيث الصّيغة وهي الايجاب والقبول بألفاظ مخصوصة ووجود الوليّ والشّهود، والفرق بينه وبين العقد الرّسمي هو من حيث التسجيل الرّسمي وعدمه فقط، ويمكن تصديق العقد البراني في المحكمة الشرعية واعتماده لكن هناك حاجه لإثباته أمام المحكمة حتى يصادق عليه.
محاذير العقد البراني
النّاس يقدمون على هذا العقد ولا يعرفون حقيقته ولا تبعاته وآثاره الشّرعية، وإنّما يعتبرونه فقط غطاءً شرعيًا للعلاقة بين الشاب والفتاة أشبه بـ “تسليكة حال” كما عبّر عنه بعضهم، لذلك لا يقفون عند حدوده الشّرعية إمّا جهلًا وإمّا تعنتًا.
هل يلزم الطّلاق في حالة العقد البراني؟
وهل يشترط أن يكون أمام الفتاة المعقود عليها؟
العقد البراني المنتشر بين النّاس هو عقد شرعي تترتب عليه كامل الآثار الشّرعية إن كان تام الأركان والشروط، وليس كما يتصوره عامة النّاس ويتعاملون معه على أساس أنّه خطبة، لذا من الخطأ شرعًا أن يقال للعاقد “خاطب” وللمعقود عليها “مخطوبة” كما جرى فيه العرف، وإنّما يقال لهما شرعًا “عاقدان” سواءً أكان العقد رسميًا أم غير رسميّ (براني).
لذا وبناءً عليه في حالة الانفصال لا بدّ من التلفظ بالطّلاق بإجماع العلماء، وهذا ما يغفل عنه كثير من النّاس للأسف حيث تمّ الافتراق في حالات عديدة بين الشاب العاقد والفتاة المعقود عليها بموجب هذا العقد الذّي يسمّى بالعقد البراني في عرف النّاس ولم يتلفظ الشاب بلفظ الطلاق، ثمّ تزوجت الفتاة من شاب آخر وتمّ الدّخول بينهما وهي ما زالت على ذمة الأول من النّاحية الشرعية، بل في بعض الحالات قد تمّ الانجاب وهي على ذمة الأول شرعًا!!
لذا لا بدّ في حالات الافتراق بين الشّاب العاقد والمعقود عليها من التلفظ بالطّلاق وهذا الحكم سواءً كان العقد مسجلًا في الدوائر الرسمية أم كان العقد شفويًا فلا فرق بينهما من حيث ترتب الآثار الشّرعية كما سبق.
هذا ولا يشترط بالتلفظ بالطلاق أن يوقعه العاقد أمام المعقود عليها وإنّما يستطيع أن يوقعه بينه وبين نفسه دون سماع أحد ولكن يستحب أن يوقعه أمام شاهدين من أجل الطمأنينة والاستيثاق من ايقاعه الطّلاق خصوصًا في ظلّ هذا الزّمن الذّي فسدت فيه الذّمم بحيث قد يدّعي العاقد تلفظه بالطلاق وبعد فترة يُكتشف كذبه وقد عرضت علينا بعض هذه المسائل، فليتنبّه لذلك!!
ونوصي الأخوة المأذونين لتفادي هذه المحاذير والمخاطر الشرعية المتكررة بأن يسألوا الفتاة قبل اجراء عقد رسميّ لها إن كانت مخطوبة من قبل لشاب آخر فإن كانت مخطوبة فليسألها المأذون إن كان قد عقد عليها ذلك الشّاب عقدًا شرعيًا -الاملاك- أم لا؟ فإن كان قد عقد عليها فليسألها المأذون إن كان قد تلفظ العاقد الأول بالطلاق أم لا؟ فإن أجابت بنعم وهي متيقنة بذلك أجرى لها عقدًا رسميًا فإن شكت أو كان تجهل، فليتوقف وليراجع ذلك العاقد الأول فورًا، وليطلب منه التّلفظ بالطلاق إن لم يكن قد تلفظ به ثمّ يعقد عليها للخاطب الجديد وفي هذه الحالة لا عدة عليها بعد طلاق الأول إن لم يتمّ دخول ولا خلوة صحيحة بينهما بمعنى أنّه يجوز أن يعقد عليها للثاني بمجرد تطليق الأول طالما أنّه لم يحصل دخول ولا خلوة صحيحة،
وبهذه الطريقة ننجو وننجي النّاس المحاذير الشّرعية التّي سبق ذكرها فيا ليت أخواني المأذونين أن يأخذوا بنصحي ويبلّغوا عنّي وحبذا لو أنّ المحكمة الشّرعية تعقد اجتماعًا أو ندوة للمأذونين وتقدّم لهم هذه التّوصيات لإنقاذ النّاس من دياجير وظلمات الجهل، فالأمر ليس بالهيّن كما يتصوره البعض!!