أزمة “إنتل” توجع الاقتصاد الإسرائيلي
يسيطر الخوف على قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، والاقتصاد بشكل عام، من تداعيات الأزمة الحادة التي تتعرض لها شركة إنتل العالمية، التي لديها أنشطة واسعة في إسرائيل، إذ يتحسب القطاع تأثيرات إغلاق الشركة مصانع ووقف استثمارات ضخمة، ما يلقي بظلال قاتمة على العديد من الأنشطة في دولة الاحتلال، ويزيد أوجاع الاقتصاد الذي يعاني من الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ولطالما احتفى الإسرائيليون بوجود شركة التكنولوجيا في إسرائيل منذ نحو نصف قرن، حيث تساهم “إنتل إسرائيل” بحوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي و6% من إجمالي صادرات التكنولوجيا الإسرائيلية، لكن هذه الحفاوة تتبدل حالياً، مع النظر إلى الشركة على أنها باتت “مصدر خطر” للاقتصاد الإسرائيلي بسبب المشاكل التي تتعرض لها الشركة الأم في الولايات المتحدة، التي كشفت نهاية الأسبوع الماضي، عن خطط لخفض النفقات بقيمة عشرة مليارات دولار، تشمل إغلاق مصانع، ووقف استثمارات، وتقسيم العمليات الأساسية، وتسريح نحو 15 ألف موظف، حيث يشكّل الإسرائيليون نحو 10% من إجمالي العمالة في الشركة العالمية.
وتعد “إنتل” أكبر جهة توظيف خاصة في إسرائيل، وفق تحليل مطول نشره موقع كالكاليست الاقتصادي الإسرائيلي، أمس، مشيراً إلى أن الأزمة التي تطاول الاقتصاد الإسرائيلي أعمق بكثير من التسريح الوشيك لألف من موظفي “إنتل إسرائيل” البالغ عددهم 11700 موظف. وأشار إلى أن ثمة تساؤلات حول الشكل الذي ستبدو عليه التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية والاقتصاد بأكمله بعد تنفيذ خطط الشركة العالمية للتعافي من أزمتها الحالية والتي تتضمن تقسيم أنشطة الشركة.
وكان نشاط “إنتل” في إسرائيل مسؤولاً عما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2022. وبلغت صادرات الشركة من إسرائيل ذروتها بنحو 9 مليارات دولار، أي حوالي 6% من إجمالي صادرات التكنولوجيا الفائقة، وبجانب الوظائف المباشرة، يستفيد نحو 42 ألف شخص بشكل غير مباشر من أنشطة الشركة، كما أنها اشترت خدمات وبضائع من شركات محلية بقيمة 3.5 مليارات دولار في ذلك العام.
وسيكون لتسريح آلاف الموظفين تداعيات عميقة في إسرائيل، وفق التحليل، موضحاً أنه من الصعب تصديق أن “إنتل” ستكتفي فقط بإنهاء خدمات 15 ألف موظف من إجمالي قوتها العاملة البالغة 130 ألف موظف، لا سيما أن الشركة تجمع بين أنشطة التطوير والإنتاج، على عكس شركات التكنولوجيا العالمية التي تنشط إما في أعمال التطوير أو الإنتاج.
وإذا دخل أكثر من ألف عامل في مجال التكنولوجيا الفائقة سوق الباحثين عن عمل في الواقع الحالي في إسرائيل، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض متوسط الراتب في الصناعة، ناهيك عن الضرر الذي يلحق بدخل الاقتصاد من الضرائب، حيث إن هؤلاء موظفون يتقاضون أجوراً مرتفعة. كما أن تخفيض العمالة إلى هذه الدرجة، إلى جانب انخفاض الصادرات، يمكن أن يدفع إلى إضعاف الشيكل، الذي يعاني بالفعل من انخفاض قيمته في ضوء زيادة المخاطر في الاقتصاد، وفق التحليل.
وأشار إلى أنه كان من الممكن رؤية عمق تأثير “إنتل” في الاقتصاد الإسرائيلي، عندما أعلنت في يونيو/حزيران الماضي عن تجميد بناء مصنعها الجديد في مستوطنة كريات جات في الجنوب، حيث كان من المقرر أن تضخ استثمارات بقيمة 15 مليار دولار في المشروع. وانعكس هذا القرار بشكل سلبي على العديد من شركات المقاولات الإسرائيلية، حيث اضطرت شركة مقاولات كبرى لإبلاغ البورصة بتأثر نتائج أعمالها نتيجة تجميد الشركة بناء المصنع، إذ لديها تعاقد مع “إنتل” بقيمة تزيد عن 100 مليون شيكل (26.7 مليون دولار). كما أن هناك مقاولين من الباطن في إسرائيل تمثل شركة إنتل 100% من نشاطهم.
وبجانب تضرر الأعمال المرتبطة بشكل مباشر والوظائف المباشرة من تقليص إنتل أنشطتها، فإن الأضرار تنتقل إلى خدمات النقل والأمن والمطاعم في “كريات جات”، حيث يخلق مصنع الشركة هناك فرص عمل في العديد من الأنشطة. ويعمل 3900 موظف في نشاط إنتاج “إنتل” في “كريات جات”، في حين أن 7800 موظف آخرين يعملون في أنشطة التطوير في المركز العملاق للشركة في حيفا شمالاً، والمركز الأصغر في مستوطنة بتاح تكفا شرق تل أبيب.
وقال مسؤول كبير في صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية: “رغم أن احتمال خروج إنتل بالكامل من الإنتاج في إسرائيل هو صفر، فإنه يجب على الحكومة أن تفهم أن ما يحدث في إنتل هو حدث كبير، يمكن أن يحدث أيضاً في سيسكو وسامسونغ”، مشيراً إلى اتساع أزمة الصناعة في إسرائيل، وتسارع عمليات تسريح الموظفين.
ويشير التحليل إلى تأثير الشركات الكبرى باقتصادات الدول، لافتاً إلى شركة نوكيا التي كانت مسؤولة في التسعينيات عن 4% من الناتج المحلي الإجمالي لفنلندا، وتساهم بنحو ربع النمو الاقتصادي بين عامي 1998 و2007، لكن بعد انهيار الشركة دخلت فنلندا أطول ركود في تاريخها. لذلك يعد هذا الأمر بمثابة “دعوة للحكومة الإسرائيلية للاستيقاظ.. نحن بحاجة إلى النظر والتخطيط للمستقبل”، وفق عضو مجلس إدارة معهد أهارون للسياسة الاقتصادية، بجامعة رايخمان، في هرتسيليا، شمال تل أبيب، رونان نير.