نعم.. نحن شعب الجبّارين
الإعلامي أحمد حازم
يقول التاريخ إنه في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، بدأت الهجرة اليهودية إليها فاستطاع اليهود تكوين دولة داخل دولة، وكانت الحكومة البريطانية تحميهم، وتتعامل معهم بكل التسامح، في الوقت الذي تتعامل فيه مع الفلسطينيين بكل شدَّة. ولمّا فشلت بريطانيا بتحقيق أماني اليهود أحالت الأمر إلى الأمم المتحدة، والتي تتزعمها الولايات المتحدة، التي بدورها استلمت الدور البريطاني في المنطقة، فأرسلت الأمم المتحدة لجانها إلى فلسطين، ثمّ قررت هذه اللجان تقسيم فلسطين بتخطيط يهودي وضغط أمريكي، فأُعلن قرار التقسيم لفلسطين في 29/11/1947، فقررت الحكومة البريطانية بعدها الانسحاب من فلسطين. وفي 15 مايو عام (1948) تمّ الإعلان عن تأسيس هذه الدولة اليهودية التي قامت فيما بعد بشن عدَّة حروب ضد العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، ولا تزال حرب أكتوبر الحالية شاهدة عليهم لما تركته من ويلات للفلسطينيين منذ 11 شهرا ولا يزال الفلسطيني صامدا في غزة.
الشعب الفلسطيني هو أول شعب في العالم يتعرض للتهجير والطرد من بلاده، من أجل تقديم الوطن الفلسطيني بقوة السلاح إلى مهاجرين يهود، بعث بهم الغرب إلى أرض فلسطين، لتكون لهم وطنا لهم أطلقوا عليه اسم إسرائيل. هؤلاء المهاجرون وتنظيماتهم الإرهابية مثل (الهاغاناه) و (شتيرن) و(الأرجون) عاثوا في الأرض الفلسطينية فسادا، فقتلوا وارتكبوا المجازر وهجروا ودمروا، واستولوا على الوطن، وعيون الامم المتحدة والعالم تنظر إليهم بعطف، على اعتبار أنهم (ضحايا النازية). ولم يأبه العالم ولم يكترث بالضحايا الجدد، ولم يهتم بما سيحصل للفلسطينيين من مآس وآلام وتشريد، وكأن العالم لم يعد له عيون.
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان محقًا وصائبا في قوله المشهور “نحن شعب الجبارين”. نعم نحن كذلك. فالنكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني عام 1948، كان الهدف منها أيضا تفتيت الشعب الفلسطيني وتذويبه في المجتمعات العربية في أماكن اللجوء، ونسيان اسم فلسطين كليا على اعتبار “أنّ الكبار يموتون والصغار ينسون” كما اعتقد قادة الصهاينة في ذلك الوقت. لكن كل توقعات الصهاينة باءت بالفشل.
صحيح أن المواطنين الكبار من الفلسطينيين قد رحلوا، لكنهم قبل رحيلهم زرعوا اسم فلسطين وتاريخها وجغرافيتها في عقول الأبناء، والامهات الفلسطينيات أرضعن أطفالهن حليب عدم نسيان فلسطين والتمسك بالأرض وحليب العودة، فكبر الطفل الفلسطيني وفي عقله وقلبه فلسطين، وترعرع وهو يحفظ عن ظهر قلب تاريخ فلسطين، تاريخ القدس والأقصى وكنيسة القيامة والحرم الابراهيمي، وتاريخ يافا وبحرها وبيارات البرتقال فيها وتاريخ حيفا وكرملها وشواطئها، وتاريخ الناصرة وكنائسها، ومساجدها وتاريخ القسطل والمناضل الراحل عبد القادر الحسيني، وتاريخ عكا وأبطالها الثلاثة محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، وتاريخ كل التراب الفلسطيني.
صدق الراحل أبو عمار، فنحن شعب الجبارين الذين صمدوا في وجه كل محاولات الإبادة، بما فيها محاولات عربية، والذين صمدوا ودافعوا عن الكرامة الفلسطينية في كافة أماكن تواجدهم.
صمدوا في مخيم تل الزعتر بالقرب من بيروت عام 1976، رغم إبادة بيوت المخيم على أيدي القتلة المتآمرين، وصمدوا في مخيم صبرا وشاتيلا الملاصق للعاصمة اللبنانية، وبقوا فيه رغم المجزرة الفظيعة التي تعرض لها سكان المخيم في العام 1982، على أيدي عناصر يمينية فاشية وبدعم جنود إسرائيليين، حتى أن المؤرخين ذكروا أن مجزرة صبرا وشاتيلا هي إحدى أفظع المجازر التي تم ارتكابها بحق الشعوب.
وفي العراق الذي تتحكم به الميليشيات الشيعية بعد سقوط نظام صدام حسين، صمد الفلسطينيون رغم طردهم من بيوتهم في بغداد، ورميهم في الشوارع من قبل ميليشيات شيعية طائفية. وصمد الفلسطينيون في مخيم نهر البارد شمالي لبنان في العام 2007 رغم تدمير بيوت المخيم من قبل الجيش اللبناني. ولم يسلم مخيم اليرموك من عمليات القتل والتدمير من عناصر إرهابية، فقتلوا وعذبوا وشردوا ونهبوا. ولا يزال هذا المخيم يشهد يوميا حالات قتل لسكانه وذنبهم انهم فلسطينيون. والحديث يطول ويطول عن فلسطينيي غزة ونضالهم وصمودهم.
فرغم حروب الإبادة التي تعرضت لها غزة، لكنها لم تستسلم ولم تخضع.
ورغم كل هذه المآسي التي يمر بها الفلسطيني، فإنه يحاول قدر الإمكان ان يعيش حياة طبيعية، وهذا يذكرني، بما قاله الراحل أبو عمار: “إننا شعب الجبارين”.