كنيسة قبر مريم.. مزار يقدسه المسيحيون والمسلمون ويهدده المستوطنون
كنيسة قبر مريم، تقع في منحدر وادي قدرون بمدينة القدس، أقيمت على موقع القبر الخالي من الجثمان الذي صعدت به الملائكة إلى السماء بعد 3 أيام من وفاة مريم، وفق الاعتقاد المسيحي.
يعود تاريخ بناء الكنيسة إلى القرن الخامس الميلادي، وتعرضت للهدم وإعادة البناء أكثر من مرة، وترتبط بـ”احتفالات عيد الانتقال” منتصف شهر أغسطس/آب من كل عام، كما تتخَذ هذه الذكرى عيدا رسميا في عدد من الدول من بينها فرنسا وإيطاليا ولبنان وسوريا.
الموقع
تقع كنيسة قبر مريم في منحدر وادي قدرون أسفل السفح الغربي لجبل الزيتون في مدينة القدس، ويعود أصل البناء إلى مغارة طبيعية تم توسيعها وترميمها. ويشمل مقرها صخورا أصلية وبناء مستحدثا.
وعبر عدة درجات ينزل الزائرون إلى ساحة مربعة يقابلها مدخل الكنيسة المؤدي إلى قَبْوٍ يقود إلى كتلة صخرية (موضع القبر) حفرت في الأرضية وتتوسط القسم الشرقي من المغارة، وتنخفض عن مستوى المدخل بحوالي 12 مترا.
وإلى جانبي القبر مذبحان أحدهما لطائفة الأرمن والثاني لطائفة الأرثوذكس، إضافة إلى محراب يشير إلى اتجاه مكة قبلة المسلمين.
كما يوجد داخل الكنيسة قبر للملكة الصليبية مليسندا، ومقامات مكرسة لوالدي مريم يواقيم وحنّة ويوسف النجار الذين تُجهل أماكن دفنهم.
التاريخ
تعتبر التقاليد المسيحية كنيسة قبر مريم موقعا لدفنها، ولكنه فارغ من الجثمان ويعد فقط مزارا تكريميا، وبحسب المعتقد المسيحي فقد رفعت الملائكة جسد مريم من قبرها إلى السماء بعد 3 أيام من وفاتها.
ومع أن الأناجيل الأربعة لم تتحدث عن موت مريم أو مكان دفنها، فإن جوفينال، أسقف أورشليم (عاش بين 380 و458م) حدد خلال القرن الخامس الميلادي مكان القبر في سفح جبل الزيتون، حيث كهوف الدفن المحفورة في الصخر منذ القرن الميلادي الأول.
أما تاريخ بناء الكنيسة على القبر فيعود إلى القرن الخامس الميلادي حين تم توسيع المغارة المحفورة في الصخر إلى كنيسة على شكل صليب، ويتوسطها القبر المحاط بقبو كبير هو كل ما تبقى من المبنى الأول.
وخضعت الكنيسة لأعمال ترميم عدة بعد تعرضها للهدم الكلي والجزئي؛ ففي القرن السادس أعيد بناؤها على شكل مثمن ثم دمرت في الحروب الرومية الفارسية عام 614م.
كما أعيد بناؤها عام 1130م خلال عهد ملك القدس الإفرنجي بولدوين الثاني، لكن أجزاء منها تعرضت للهدم خلال الحروب الصليبية، ثم بنى الآباء الفرنسيسكان (حراس الأراضي المقدسة) الكنيسة بشكلها الحالي في القرن الـ14 وظلت تحت عنايتهم طيلة 3 قرون.
وابتداء من عام 1757م أصبحت الكنيسة بيد طائفة الروم الأرثوذكس بمساعدة الأتراك العثمانيين، ثم أصبحت مشتركة مع الأرمن الأرثوذكس، وبموجب اتفاقية بينهما (اتفاقية الوضع الراهن) أصبح لكل من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية حقوق للصلاة فيها خلال أوقات ثابتة.
احتفالات عيد الانتقال
كنيسة قبر مريم واحدة من أهم المعالم المسيحية المقدسة في فلسطين، وترتبط بـ”احتفالات عيد الانتقال” منتصف شهر أغسطس/آب من كل عام، باعتباره ذكرى انتقال السيدة مريم عليها السلام جسدا إلى السماء وفق التقاليد المسيحية.
وتشمل الاحتفالات صلاة الغروب الثانية في الكنيسة وقراءة مقاطع من الأناجيل وحمل تمثال مريم في موكب مهيب محاطا بالمشاعل وترافقه ألحان الترانيم المريمية.
وعلى غرار الاحتفالات المقامة في كنيسة قبر مريم تقام احتفالات في العديد من الكنائس حول العالم احتفاء بذكرى عيد الانتقال منتصف شهر أغسطس/آب كل عام.
كما يتخذ هذا اليوم عطلة رسمية في عدد من دول العالم، من بينها فرنسا وإيطاليا ولبنان وسوريا.
مرويات وآثار إسلامية
يروى في كتب فضائل بيت المقدس أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى بيت المقدس رأى نورين ساطعين عن يمين المسجد الأقصى وعن يساره، فسأل جبريل: ما هذان النوران؟ فأجابه: “أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود، وأما هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم”.
ويروى أن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلى ركعتين بكنيسة مريم عندما زار القدس بعد فتحها عام 638م، مما جعل المقدسيين وزوار المسجد الأقصى يحرصون على تقليده.
كما أن وجود محراب يتجه نحو الكعبة داخل الكنيسة يجعلها أحد المواقع الدينية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين.
وفي الدين الإسلامي مكانة خاصة للسيدة مريم عليها السلام، فقد روى القرآن الكريم قصتها في سورة خاصة حملت اسمها، وجعلها في مواضع أخرى رمزا للطهارة والاصطفاء، كما يقول تعالى في الآية 42 من سورة آل عمران: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ).
اعتداءات المستوطنين
في 19 مارس/آذار 2023 اقتحم مستوطنان إسرائيليان مبنى كنيسة الجسمانية المجاورة لكنيسة قبر مريم وحاولا تخريب محتوياتها، لكن شابا فلسطينيا يدعى حمزة عجاج استطاع التصدي لهما، فتم القبض على أحدهما ولاذ الآخر بالفرار، وسط إدانة دولية للحادث.
لم تكن محاولة الاعتداء هذه سوى حلقة في سلسلة اعتداءات تعرضت لها كنائس وأماكن عبادة ورجال دين مسيحيون في القدس، شملت تكسير الصلبان وتخريب المحتويات وكتابة العبارات العنصرية على الجدران ومحاولات إضرام النيران في المباني، فضلا عن البصق على رجال الدين ونعتهم بأوصاف نابية.