ليلة مرعبة في غزة.. هكذا أنقذت الأم ابنتها بجسدها
في بداية هذه الحرب، تعرضنا للقصف وأخرجنا من منزلنا الجميل الذي دمر في مدينة غزة، ومنذ ذلك الحين، نزحنا إلى منازل مختلفة وملاجئ مؤقتة وحتى خيام في خان يونس ورفح ودير البلح والبريج.
بهذا المقدمة البسيطة تروي لجين (14 عاما) وهي فتاة من غزة لموقع “ذا نيشن” الأميركي كيف نجت في هذه السن من العديد من الحروب في غزة، وكيف تعيش أسوأ حرب مرت بها، وكيف اضطرت هي وعائلتها إلى مغادرة المكان الذي كانوا يعيشون فيه بعد أن هددت قوات الاحتلال بغزو رفح.
تحدثت لجين عن خروجهم للمرة التاسعة منذ أكتوبر/تشرين الأول بحثا عن مكان أكثر أمانا، مما يسمى بالمناطق الآمنة التي أحرق فيها جيش الاحتلال الأطفال أحياء في الخيام، فكان منزل صغير في البريج أفضل ما وجدوه، رغم تكرار القصف.
سردت لجين قصتها كما يلي:
كان يوما مليئا بالقصف والدمار. في المساء التالي سمعنا الدبابات تقترب من الشرق. ورغم أن قوات الاحتلال كانت هنا في وقت سابق، فإنها دخلت مرة أخرى.
مساء مرعب
بعد الثالث من يونيو/حزيران المليء بالدمار، سمعنا الدبابات تقترب قادمة من الشرق، كان المساء مرعبا، وكانت السماء مليئة بالطائرات، وارتجت الأرض تحت الدبابات. حاولنا الابتعاد عن النوافذ والاحتماء بالجدران. جعلتني والدتي آكل بعض الذرة المعلبة ولم تأكل هي أي شيء. عرفت أنها كانت تدخر الطعام لي. توسلت إليها أن تأكل قليلا لكنها رفضت.
استلقينا على الأرض. جعلتني أمي بجانب الحائط، واستلقت على الجانب المكشوف، وأحاطت رأسي بالوسائد. غفوت قليلا لأستيقظ على صوت الرصاص المتطاير في الشارع والقنابل والشظايا التي تضرب الجدران والنوافذ. حمتني أمي بجسدها المنهك وابتسمت لي وقالت “نحن بخير لا تخافي”.
كتف أمي حماية لرأسي
استمر ذلك لعدة دقائق، ثم شعرت بشيء دافئ على يدي. لم أستطع أن أرى ما هو في الظلام. ثم أدركت أنه دم. لقد اخترقت قطعة من الشظايا كتف أمي التي كانت تستخدمها لحماية رأسي، ولم تصدر أي صوت. لم أستطع أن أسألها إن كانت لا تزال على قيد الحياة. أصابني الخوف بالشلل، وتساءلت إن كان الموت قد أخذها. واصلت البحث بيدي عن نبض قلبها. أذهلني صوتها الخافت “هل أنت بخير؟” فأخبرتها أنها مصابة، فأجابت بهدوء “لا شيء. لا تقلقي”.
بقينا على هذا الحال مع القصف من حولنا حتى بزغ فجر الخامس من يونيو/حزيران ونحن على قيد الحياة. حاولت أمي علاج نفسها، وساعدتها في إزالة الشظايا الملعونة من كتفها التي ظلت تنزف. لم تتمكن أي سيارة إسعاف من الوصول إلينا في مثل هذه الظروف.
الموت يتربص بنا في كل مكان
لم أكن أعلم أنني أستطيع تحمل رؤية الكثير من الدماء، لكنني فعلت ذلك من أجل أمي. بدون جسدها كانت الشظايا ستضرب رأسي. بدلا من ذلك استقرت في كتف أمي التي لم تتعافَ بعد من الضرر الذي أحدثته.
إنه شعور غريب أن تعلم أن الموت يتربص بك في كل مكان. لم تكن لدي أي أخبار عن والدي الذي كان يحتمي في مكان آخر في غزة، ولا عن أصدقائي. كل واحد منا يواجه الموت الذي يحيط بنا. كنت أعلم أن علي أن أخبر عمي عن أمي، وهذا ما فعلته.
وختمت الفتاة بأنها تكتب هذه السطور والقصف مستمر، وقد لا تتمكن من إنهاء قصتها، في وقت تتواصل فيه مناقشة مقترحات وقف إطلاق النار دون اهتمام بدمائهم، متسائلة هل سيأتي ذلك اليوم الذي لا نسمع فيه صوت الرصاص والقنابل والصواريخ؟