سياسة تجويع غزة والسماح بإيصال المعونات.. ما هذا التناقض؟
الإعلامي احمد حازم
نحن في الداخل الفلسطيني، ورغم ما يعيشه مجتمعنا من قوانين عنصرية رسمية في شتى مجالات الحياة، وبغض النظر عن تفشي العنف وحالات القتل المنتشرة بيننا، لكننا نسارع فورا إلى تلبية واجب الدعم والإغاثة، وخصوصا ازاء أبناء شعبنا في غزة والضفة الغربية. ليس لإخواننا الفلسطينيين فقط، بل وحتى قمنا بواجب الدعم الى ما وراء حدود الوطن. فقد قمنا بجمع التبرعات والمعونات الكثيرة جدا بمختلف أنواعها لإخواننا السوريين عندما تعرضوا لزلزال عنيف وجراء ما تعرضوا له من تهجير، وكذلك قدّمنا المساعدات المتنوعة لإخواننا الأتراك عندما ضربهم زلزال قوي.
نحن في الداخل الفلسطيني، شعب معطاء وجاهز دائما لتقديم المساعدة والدعم عندما تدعو الحاجة لذلك. فما بالك اذا كان الأمر يتعلق ببني جلدتنا في الوطن أو خارجه. تاريخنا يشهد على اننا لم نترك اهل غزة وحدهم في معاناتهم وكافة الحروب التي شهدها قطاع غزة خلال الـ 18 سنة الأخيرة، فقد قام مجتمعنا العربي بعد انتهاء هذه الحروب بواجبه الإنساني لأهل القطاع.
كنّا نعرف دائما أنّ التبرعات تصل إلى محتاجيها بسرعة. ولكن ما جرى في الأيام الأخيرة من هبّة تطوعية تستدعي التوقف والتساؤل. الشيخ الدكتور محمد سلامة حسن “أبو علي” خاطب في بيان له على الفيسبوك أبناء الداخل الفلسطيني، بالقول: “علينا أن نعي جيّدًا أنّ سياسة حكومة نتنياهو سموتريتش وبن غفير تقوم على تجويع غزة وهذا ما صرّح به سموتريتش! فهل غيّرت الحكومة سياستها من تجويع غزة إلى سياسة فتح المعابر وإغاثة غزة؟ لم نسمع بهذا”.
ويضيف الدكتور محمد سلامة في بيانه: “بلغنا أنَّ السلطات تُلزم الجهة الرسمية الفلانية القائمة على إدخال المساعدات مثلا بتصوير الحافلات قبل إدخالها إلى غزة وإصدار بيان إعلامي بذلك، وبعد إصدار البيان المذكور، تقوم السلطات الإسرائيلية بالاعتماد عليه لتسويق إنسانيتها أمام العالم، فتسمح بإدخال شاحنة أو اثنتين وتمنع إدخال سائر الشاحنات إلى غزة! وبذلك تنجح السلطات بتسويق روايتها المضللة، وتواصل سياسة تجويع غزة”.
نحن لا نشك بمصداقية من يجمعون التبرعات وبنواياهم تجاه أهل غزة. ولكن كما يقول المثل الشعبي “مجنون يحكي وعاقل يسمع”، فكيف يمكن لدولة تفرض حصارا على قطاع غزة ولو كان الأمر يعود لها لمنعت حتى إيصال الهواء لغزة، كيف يمكن أن تسمح بدخول شاحنات إغاثة كتبرعات قامت بها جهات معينة في الداخل الفلسطيني؟
نحن نؤمن بالمنطق الذي يقول إن جمعيات ومؤسسات عالمية عجزت عن إيصال معونات الإغاثة الدولية الى قطاع غزة، فكيف يمكن لجمعية محلية تحقيق ذلك؟ أنا شخصيا مع الدكتور محمد سلامة بقوله “هناك مؤسسات إنسانية دولية ورسمية وازنة تُعنى بالصحة وحقوق الإنسان منعتها إسرائيل من إدخال اللقاح الخاص بشلل الأطفال، وهذا اللقاح ليس أقل أهمية من الطعام نفسه! فهل يُعقل أن تمنع إسرائيل اللقاح والدواء وتسمح بإدخال الطعام والغذاء”. سؤال موجّه لمن ادخلوا بعض الشاحنات إلى غزة كما يدّعون. وعلى فكرة، تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أنّ غزة بحاجة إلى دخول 600 شاحنة يوميا للوفاء باحتياجات السكان.
وحتى لا يحاول البعض الاصطياد في المياه العكرة اقول: نحن مع كل حملة إغاثة لغزة ومع كل دعم انساني يقدم لأهلنا في القطاع من أية جهة إنسانية، ولكن تعالوا نضع النقاط على الحروف: سياسيا، فإنّ المجتمع العربي داخل إسرائيل، دولة “قانون القومية” العنصري، له عنوان سياسي دائم منذ 42 سنة وهو “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل”، وهي كيان سياسي لا حزبي أقيم عام 1982 بهدف تركيز العمل السياسي للعرب الفلسطينيين في البلاد، وتضم لجنة المتابعة رؤساء السطات المحلية وأعضاء الكنيست العرب من الأحزاب العربية التي تمثل القضايا العربية، وأحزاب وتنظيمات عربية غير برلمانية.
هذه اللجنة هي الممثل الوحيد لمجتمعنا العربي بشكل عام، وكثيرا ما حاول رئيسها محمد بركة وبالتشاور مع مسؤولين في اللجنة إيجاد طريقة لكيفية إيصال معونات إلى غزة، لكن السلطات الرسمية رفضت ذلك.