غزيون يلجؤون لتبادل الأدوية المفقودة بسبب الحرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي
لا يتوقف الصيدلي أنس أبو كرش طيلة الوقت عن تفقّد حسابه في تطبيق “واتساب” على هاتفه، حيث يدير مجموعة خاصة بتوفير الأدوية المفقودة في قطاع غزة، ويتلقى فيها مئات الطلبات من المواطنين الباحثين عن أدوية نفدت من الصيدليات الخاصة والعامة، ويعمل على شرائها لهم من خلال علاقاته الواسعة بالصيادلة ومستودعات الأدوية.
ويوضح أن فكرة المجموعة والتي تحمل اسم “أدوية غزة” جاءت من حاجة الناس الشديدة للعلاج، ومن خلال خبرته الشخصية وعلاقاته، “والحمد لله، وجدت قبولا واسعا وكبيرا” حسب قوله.
ورغم الطابع التجاري لعمله، يعتبر الصيدلي الفلسطيني نفسه في “مهمة إنسانية”، لكنه يبدي أسفه لعدم تمكنه من توفير الدواء لجميع المحتاجين له، ويقول “هناك نقص شديد، بل نفاد كامل للكثير من الأدوية”. وتوجد العديد من المجموعات الطبية المتخصصة في البحث عن الأدوية غير التي يديرها أبو كرش.
ومنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تفرض إسرائيل حصارا شبه كامل، يشمل كافة مناحي الحياة، بما في ذلك قطاع الأدوية والعلاج، وبحسب مصادر طبية، فإن العديد من المرضى فقدوا حياتهم جراء نقص الأدوية.
معاناة إيجاد دواء
يقول أبو كرش إنه ينجح يوميا بشراء نحو 300 قطعة دواء للمواطنين عبر المجموعة الإلكترونية التي يديرها، ومن ثمّ يتواصل معهم لتحديد آلية تسليمها لهم، لكنّه في المقابل، يقول إنه يفشل في توفير الكثير من أنواع الأدوية، لعدم توفرها بشكل كامل، وبسبب “الطلب المرعب والعرض القليل”.
ومن الأمثلة على ذلك كان تلقيه طلبا من مواطن يبحث عن الدواء الخاص بعلاج الغدة الدرقية لابنته الصغيرة، مبديًا استعداده لدفع “أي مبلغ” مقابله، كما يتلقى أبو كرش اتصالات عديدة من مرضى يعانون من حصى الكلى والمثانة، لكنه لا يستطيع مساعدتهم على توفير الدواء، ولا حتى المسكنات لتلطيف الألم الشديد الذي يعانون منه.
ويقف الشاب الفلسطيني عاجزا كذلك أمام أهالي الأطفال الذين يبحثون عن “حليب علاجي” لأطفالهم، والذين ينتظرون “الموت” فعليا إذا استمر انقطاعه، كما يذكر أن أحد أقاربه يعاني من تضخم البروستاتا، ولا يتمكن من الذهاب للمرحاض لعدم توفر الدواء.
ويقول المُبادر الفلسطيني إنه لا يتمكن من توفير أي نوع من المراهم وخاصة المضادات الحيوية منها، فهي مفقودة بشكل كامل، رغم انتشار الأمراض الجلدية بشكل كبير وخاصة في مراكز الإيواء، مقدما اعتذاره الشديد لمن يبعثون له برسائلهم.
أما جرحى العدوان الإسرائيلي فإن “مأساتهم مضاعفة” بحسب أبو كرش، حيث لا تتوفر المضادات الحيوية اللازمة لعلاج جروحهم، ولا حتى مسكنات الآلام أو خافضات الحرارة التقليدية كـ”الباراسيتامول” و”الأيبوبروفين”، والتي باتت الطلبات عليها مؤخرا لا تتوقف، حيث إنها نفدت من الأسواق مع اشتداد الحصار الإسرائيلي.
ولا يُخفي الصيدلي الفلسطيني وجود إشكاليات تتعلق بسوء تخزين الأدوية، والتي قد تتسبب بضعف فعاليتها العلاجية، ومنها على سبيل المثال “الأنسولين” لمرضى السكر وأمبولات الحُقن، كونها تحتاج إلى ثلاجات للحفاظ على جودتها.
حل أم بديل؟
بعد أن عجز باسل عبد الباري عن إيجاد علاج لوالده عبد السلام (73 عاما) في الصيدليات الخاصة والعامة، حيث يعاني من أمراض بالقلب ويتناول 8 أنواع من الأدوية، لجأ إلى طلبه عبر شبكة الإنترنت، ونشر صورا للأدوية على مجموعات طبية على تطبيق “واتساب”، “البحث عبر الإنترنت مفيد”، حيث يجد بعض أنواع الدواء في بعض المجموعات، “لكن بسعر مرتفع”.
وبالأسلوب ذاته، نشرت هبة جوادة في مجموعات طبية طالبة بعض أنواع الدواء المفقودة، وتقول إن “غالبية الأدوية التي أبحث عنها ليست لي أو لأطفالي، بل لمساعدة الناس الذين يسألونني بحكم تخصصي الطبي”.
وتضيف جوادة الحاصلة على بكالوريوس في الصيدلة وتعمل في مجال التغذية، أن نسبة كبيرة من المواطنين يبحثون عن مراهم المضادات الحيوية المفقودة بشكل كامل، أو عن أدوية السرطان، أو علاجات مرض السكر، وعن المكملات الغذائية والفيتامينات.
ورغبة منه في مساعدة مرضاه، يطلب أحمد النبريص، طبيب الأمراض الباطنية في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، العديد من أنواع الأدوية المفقودة عبر شبكة الإنترنت والمجموعات الإلكترونية، ويقول للجزيرة نت “أبحث عبر الإنترنت عن أدوية لمرضاي الذين أعالجهم، هذه طريقة جيدة، وأحيانا أجد بعض أنواع الأدوية”.
ويضيف “وجدت فائدة من البحث، لأن المجموعات في تطبيقات الإنترنت تضم صيادلة وأطباء منتشرين في أكثر من محافظة، ونتشارك في البحث عن بعض الأدوية المفقودة”.
لكن، ورغم إيجابيات طريقة البحث عبر الإنترنت، “إلا أنها ليست حلا” بحسب الطبيب النبريص، نظرا للكم الهائل من الأدوية المفقودة، موضحا “كل شيء مفقود، لا نتحدث عن الأدوية النادرة، بل عن البسيطة والشائعة منها”.
ويعاني عبد الرحيم خضر من سكان شمالي القطاع من مرض السكر من الدرجة الأولى، حيث يعتمد كليا على حُقن الأنسولين، وبسبب الحرب والحصار، وجد صعوبة كبيرة في الحصول على نوع العلاج الذي اعتاد أن يستخدمه.
واضطر خضر، الذي يعمل صحفيا حرا، إلى استخدام نوع آخر من الأنسولين، لكنه تسبب بإصابته بغيبوبة سكر وجرى نقله للمستشفى، وبعد أن نشر طلبا عبر مجموعتين في “واتساب”، نجح في الحصول على كمية من دوائه تكفيه لمدة شهر، ويقول “لست أنا وحدي من يعاني من انقطاع الدواء، كل سكان شمال القطاع يعانون من نقص الأدوية”.
نقص هائل
يُقسّم مدير مستودعات الأدوية في وزارة الصحة الدكتور كفاح طومان، الأدوية في القطاع إلى نوعين:
– الأول هو الدواء التجاري الخاص الذي تشتريه الصيدليات.
– والثاني وهو الذي يصل للمستشفيات من خلال المساعدات الخارجية.
وذكر في حديثه أن النوع الأول نفد بشكل شبه كامل، لتوقف إدخاله منذ بداية الحرب، أما الثاني فتوقف منذ بداية مايو/أيار الماضي عقب احتلال جيش الاحتلال لمعبر رفح.
وقال طومان إن نسبة نقص الدواء لدى وزارة الصحة تبلغ 60% أما المستهلكات الطبية فتصل نسبة العجز فيها 80%، وذكر أن نقص الأدوية الكبير يؤثر على خدمات وزارة الصحة ويهدد بعض خدماتها بالتوقف، وخاصة غسيل الكلى وعلاج مرضى السرطان، ويضيف “الخدمة المُقدمة حاليا تلطيفية فقط”.
كما يؤثر نقص الدواء-بحسب طومان- على صحة المرأة والطفل، والأمراض المزمنة والتطعيم، والقدرة على الحد من الأوبئة والأمراض المعدية.