التهجير في غزة… أداة ضغط إسرائيلية على الأهالي
تزايدت وتيرة عمليات التهجير في غزة التي يدعو جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان القطاع إليها، مقارنة مع الشهور الماضية من حرب الإبادة المتواصلة للشهر الحادي عشر على التوالي، وسط الفشل حتى اليوم في الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.
وخلال نحو 10 أيام من شهر أغسطس/آب الحالي، طلب الاحتلال من سكان شرق خانيونس ودير البلح والمغازي والزوايدة وسط وجنوب القطاع، وبيت لاهيا وأجزاء من بيت حانون شمالاً، إخلاء مناطق سكنهم المدمرة بالأساس بفعل القصف الإسرائيلي.
ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي ذريعة إطلاق المقاومة الفلسطينية الصواريخ من هذه المناطق لتبرير عمليات الإخلاء القسري التي يدعو السكان إلى القيام بها نحو المجهول في ظل تقلص المناطق الإنسانية، غير أنّ وقائع كثيرة على الأرض تنفي هذه المزاعم، ويقول الفلسطينيون إنها أداة ضغط، إذ لم تحصل من بعض المناطق المطلوب منها الإخلاء أي عمليات مقاومة أو إطلاق صواريخ.
وخلال عمليات التهجير في غزة التي يدعو الاحتلال السكان إلى القيام بها يتعمد استهداف المناطق التي دعاهم إلى الانتقال إليها لتعزيز حالة الضغط النفسي على السكان وإبقائهم تحت ضغط المجهول وصعوبة تقدير الموقف.
تكرار عمليات التهجير في غزة
ومع تكرار عمليات التهجير في غزة بشكل واضح خلال الأيام الماضية من شهر أغسطس الحالي، فإنه لم يمر يوم تقريباً من دون أن يتخلله دعوات صادرة عن جيش الاحتلال للسكان للنزوح من أماكن سكنهم نحو مناطق أخرى. ووفقاً للدعوات الأخيرة، فإن غالبية مناطق القطاع قد طاولتها طلبات الإخلاء، باستثناء المناطق الغربية من المنطقة الوسطى للقطاع، ما تسبب في تكدس السكان بلا مأوى أو خيام.
وعادة ما يقوم الاحتلال باستهداف المناطق التي يدعو السكان إلى إخلائها عبر القصف الجوي أو دخول قواته البرية، فيعمل على تدمير ما تبقى من بنية تحتية لم يطاولها القصف الإسرائيلي في المرة الأولى، ويعمل فيها لعدة أيام ثم ينسحب منها، لكنه لا يسمح بالعودة لها في كثير من الأوقات إذا كانت قريبة من مناطق عملياته العسكرية الكبيرة.
ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، فقد تم وضع حوالي 305 كيلومترات مربعة، أو ما يقرب من 84% من قطاع غزة، تحت أوامر الإخلاء الصادرة عن الجيش الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية.
ضغط على الحاضنة الشعبية
ورأى مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الطناني، أن الاحتلال يعمد في كل جولة من جولات المفاوضات إلى الضغط على الحاضنة الشعبية وأهالي القطاع وتكون هناك إعلانات جديدة للإخلاء.
وقال الطناني، في تصريحات صحفية، إن ما يجري من عمليات جديدة في خانيونس والمنطقة الفاصلة بينها وبين دير البلح يندرج في إطار المرحلة الثالثة من الحرب، ومن جانب آخر محاولة التجهيز لعمليات في المنطقة الوسطى.
وأضاف أن الاحتلال يريد استكمال الادعاءات السابقة التي تحدث فيها عن تدمير كتائب المقاومة في مناطق شمالي القطاع وجنوبه عبر القصف والتدمير الممنهج لمختلف المناطق.
وأشار الطناني إلى أن الاحتلال يريد من خلال أوامر التهجير في غزة الضغط على المقاومة ودفعها لتنفيذ تنازلات جوهرية في إطار الضغط على الحاضنة الشعبية، بعدما فشل في أن يقضي على البنية التحتية العسكرية للمقاومة، مؤكداً أن حالة الضغط الحاصل حالياً تتمثل في الضغط على الحاضنة الشعبية لدفع المقاومة للتنازل أو ارتكاب أخطاء أمنية من شأنها أن تمكن المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من الوصول لقادة المقاومة أو أسرى الاحتلال.
وصدرت الدعوة الأولى للنزوح من مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حينما زعم الاحتلال أن مناطق جنوبي وادي غزة ستكون آمنة، إلا أن هذه الدعوات ترافقت مع مجازر واسعة رافقت عملية النزوح منذ اليوم الأول.
بدوره، قال مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، أحمد عطاونة، أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم هذا السلاح منذ بداية الحرب للضغط على المدنيين، وتحديداً النساء والأطفال، من أجل الضغط على المقاومة الفلسطينية.
وأضاف عطاونة في تصريحات صحفية، أن الضغط العسكري للاحتلال أصبح عبثياً، ولم يعد لديه ما يمكن الحديث عنه عسكرياً ودخل إلى غالبية مناطق القطاع ودمر غالبية هذه المناطق، مع الافتراض أنه قد تمكن من القضاء على البنية العسكرية للمقاومة.
ولفت إلى أن الاحتلال يكتشف بشكل واضح أنه لم ينجح في القضاء على البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي يلجأ إلى عملية التهجير في غزة للضغط على المدنيين العزل عبر تكثيف النزوح وبشكل مباغت.
وبحسب عطاونة، فإن الاحتلال يريد دفع الحاضنة الشعبية للضغط على المقاومة بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى استخدام أسلوب العقاب الجماعي من منطق عقاب الفلسطينيين على عملية السابع من أكتوبر 2023.
ونبّه إلى أن الاحتلال يريد الاستمرار في الإبادة الجماعية عبر السلوك الحالي القائم على تكرار عمليات النزوح المباشر والمباغت من مكان إلى آخر، وعمليات استهداف السكان المدنيين التي تتم بشكل واسع في الحرب.