الإصابات الجسدية والنفسية في الجيش الإسرائيلي تكشف استنزافه وتآكل قدراته
في الوقت الذي تتوجس فيه الجبهة الداخلية الإسرائيلية من ضربات إيران وحزب الله، ويتأهب الجيش الإسرائيلي لسيناريو حرب إقليمية، كشف قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية عن حصيلة جديدة للجنود والضباط الجرحى والقتلى، وهي الحصيلة التي تشير إلى استنزاف قواته بسبب استمرار القتال في غزة.
ووصل عدد المعاقين في الجيش الإسرائيلي الذين تم علاجهم في قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية من جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل إلى 72 ألفا و56 جنديا وضابطا معاقا، يعانون اضطرابات عقلية ونفسية وصدمات، بينهم 10 آلاف و56 جنديا أُضيفوا خلال الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة.
وبحلول نهاية العام 2024، سيكون على قسم إعادة التأهيل الاعتناء بحوالي 82 ألف معاق من الجيش الإسرائيلي، مما يعني إضافة 20 ألف جريح ومعاق جراء الحرب، بحسب تقديرات وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وتوافقت القراءات للمحللين العسكريين والمسؤولين الأمنيين على أن أعداد الجرحى بصفوف الجنود والضباط، التي تعتبر غير مسبوقة خلال 10 أشهر من الحرب المتواصلة، تسهم في استنزاف قوة الجيش الإسرائيلي وتآكل قدراته الاحتياطية، الأمر الذي يضعه أمام تحديات صعبة في حال اندلاع مواجهة شاملة مع حزب الله.
ورجحت القراءات أن استمرار القتال على جبهات متعددة سيعمق من أزمة قوات الاحتياط، مع الارتفاع المتواصل في حصيلة الجرحى، والإعاقات بصفوف الضباط والجنود، وهو الأمر الذي يثقل كاهل المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي، الذي لن يكون بمقدوره الحسم، وبالتالي قد تجد إسرائيل نفسها في حرب استنزاف طويلة الأمد.
قوات مستنزفة
وفي قراءة لأعداد الجرحى والمعاقين من الجنود والضباط في صفوف الجيش، قدر المحلل العسكري في القناة 13 الإسرائيلية ألوان بن دافيد، أن هذه الأعداد الكبيرة تستنزف قدرات وقوات الجيش وخاصة قوات الاحتياط، وهو ما يدل على عدم جاهزية الجيش والقوات البرية لمواجهة شاملة مع حزب الله.
وأشار المحلل العسكري إلى أن البيانات بشأن حصيلة الإصابات والإعاقات دليل على ما لا يجرؤ الجيش الإسرائيلي على قوله، وهو أنه “غير مستعد لحملة عسكرية واسعة في لبنان”، لافتا إلى أن أكثر من 500 آلية عسكرية تضررت جراء المعارك بغزة.
وقال إن “هناك إحصائية مثيرة للقلق، مفادها أن 46% من الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن على إسرائيل أن تبدأ حربا ضد حزب الله، حتى مع استمرار القتال في غزة”.
ولفت بن دافيد إلى أن هذا المعطى للإحصائية وهذا الرقم يشير إلى فجوة في توقعات الجمهور الإسرائيلي بشأن قدرات الجيش الإسرائيلي، وبالتالي يجب قول الحقيقة “ليس لدى الجيش ما يكفي من القوات، لقد استنزفت بالقتال في غزة”.
ويقول المحلل العسكري “إذا فرضت على إسرائيل حرب واسعة النطاق ضد حزب الله، فإن الجيش الإسرائيلي سيقاتل بما لديه، وسيضر بالعدو أكثر، وفي الاحتمال الأرجح، لن ينتهي الأمر، وستجد إسرائيل نفسها في حرب استنزاف طويلة الأمد”.
وأضاف أنه “من المهم التوضيح أن الجيش الإسرائيلي غير قادر حاليا على تحقيق إنجاز كبير ضد حزب الله، من شأنه أن يغير الواقع في الشمال بشكل كبير، وفي أحسن الأحوال ستنتهي الحرب بتسوية سيئة ستتحقق بثمن مؤلم”.
حصيلة كبيرة
ووفقا لبيانات قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإنه إضافة لاستقبال 10 آلاف و56 جنديا جريحا ومعاقا منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واستقبال أكثر من 1000 جندي جريح جديد شهريا، فقد بلغت حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي 690 جنديا وضابطا، بينهم 330 بالمعارك البرية في قطاع غزة.
ويشكو 35% من الجنود الجرحى من القلق والاكتئاب والاضطراب العقلي أو اضطراب ما بعد الصدمة، بينما يعاني 37% من إصابات الأطراف، علما أن 68% منهم من جنود الاحتياط، ومعظمهم من الشباب، حيث إن 51% منهم تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، و31% تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة.
وتظهر معطيات وزارة الدفاع الإسرائيلية التي حصلت عليها الجزيرة نت، أن أكثر من 2800 جندي يشكلون 28% من المصابين يعانون من عدم قدرتهم على التأقلم مع إصابتهم، ويعانون من اضطرابات نفسية تزيد من صعوبات التكيف والتواصل مع المجتمع.
ويعاني أكثر من 3700 من الجنود والضباط الجرحى من إصابات بالأطراف، حيث إن 192 منهم يعالجون جراء إصابات في الرأس، و168 يعانون من إصابات بالعيون، و690 يتعالجون جراء إصابات بالظهر والعمود الفقري، علما أن 50 جريحا هم من مبتوري الأطراف، بحسب ما ورد في بيان الوزارة.
محاولات العلاج
ومنذ بدء الحرب على غزة، خصصت وزارة الدفاع الإسرائيلية 10 مراكز تأهيل في جميع أنحاء البلاد، وذلك بهدف إعادة تأهيل الجرحى وعلاج المعاقين في الجيش الذين يعانون من اضطرابات عقلية.
وفي ظل التزايد المستمر في أعداد الجنود والضباط الجرحى والمعاقين، دعا المدير العام لوزارة الدفاع العقيد (احتياط) إيال زمير، إدارة وزارة الدفاع لنقاش خاص حول إستراتيجية استيعاب وعلاج آلاف جرحى الحرب، إلى جانب استمرار علاج 62 ألف معاق في الجيش والمؤسسة الأمنية من الحروب السابقة.
وأوضح زمير، في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه، أن قسم إعادة التأهيل يوجد في طليعة أعمال الوزارة خلال الحرب، قائلا إنها “مواجهة غير مسبوقة، وعلى نطاق لم نكن نعهده في الحروب السابقة”، متوقعا المزيد من الجرحى والإعاقات بصفوف الجنود والضباط إذا ما استمر القتال، “وهو ما يتطلب تعبئة فورية لجميع هيئات الحكومة ومواردها لنتمكن من إعادة تأهيل الجرحى”.
واستعرضت رئيسة قسم التأهيل ليمور لوريا أمام إدارة الوزارة البيانات والاستجابة العلاجية الفورية للمصابين خلال الأشهر العشرة الأخيرة، إلى جانب التخطيط المسبق وسبل التعامل مع استقبال المصابين في المستشفيات، ومن ثم نقلهم إلى مراكز إعادة التأهيل.
وذكرت لوريا أيضا أنه وفقا لتوقعات قسم إعادة التأهيل، فإنه بحلول عام 2030، سيكون هناك 100 ألف جندي وضابط معاق في الجيش الإسرائيلي، يعانون الإضرابات العقلية والاكتئاب والقلق والصدمة، حيث سيواجه 50% منهم إصابات جسدية.
وحذرت لوريا من أن إسرائيل تتعامل مع حجم غير مسبوق من الجرحى، ونسبة لا تسمح باستجابة علاجية كافية، ودعت الوزارات الحكومية للتكاتف وتشكيل خطة من أجل تأهيل القوات واستقبال آلاف الجرحى، الذين وصلوا وسيستمرون في الوصول.