حركة حماس… تاريخ من الملاحقة والضربات والاغتيالات
منذ تأسيس حركة حماس في عام 1987 تعرضت الحركة إلى سلسلة من الضربات والاغتيالات التي طاولت الفريق المؤسس لها والكوادر القيادية العليا، ضمن مساعي الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف بنيتها التنظيمية. ويعتبر سلاح الاغتيالات أحد الأسلحة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة الفلسطينية في عام 1948 للفتك بالقيادات والرموز الفلسطينية والعربية المناصرة للقضية الفلسطينية ووقف تأثيرها على الساحة الميدانية. ومنذ النكبة الفلسطينية اغتال الاحتلال مئات الفلسطينيين والقيادات والمفكرين، على خلفية مناهضتهم أفكاره التوسعية والاستيطانية، ومواجهة مشاريعه.
اغتيالات واعتقالات في صفوف حركة حماس
حركة حماس في التاريخ الحديث كان لها نصيب الأسد من عمليات الاغتيال والضربات التي وجِّهت لها، بمشاركة إسرائيلية مباشرة، وأخرى غير مباشرة، عبر بوابة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية. ففي السنوات الأولى لتأسيس “حماس” تعرضت الحركة لضربة كبيرة، حين اعتُقلت مجموعة واسعة من قياداتها، من أبرزها مؤسسها أحمد ياسين ومحمد الضيف وصلاح شحادة ويحيى السنوار وروحي مشتهى وغيرها من القيادات.
ثم جاءت الضربة الشهيرة التي حملت اسم “مرج الزهور”، حين أبعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 415 قيادياً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى لبنان، على خلفية نشاطهم السياسي والنشاط المقاوم في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1992. وفي 1996 عاد الاحتلال إلى سياسة الاغتيالات، حين اغتال المهندس البارز في كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، يحيى عياش، وتبعت ذلك موجة من الاعتقالات شنتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية على قيادات الحركة، والتي وصلت إلى حد وضع المؤسس الشهيد أحمد ياسين رهن الإقامة الجبرية.
وبعد ذلك بنحو عام حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل بالسم، في العاصمة الأردنية عمّان، بواسطة عملاء الموساد، والتي أفضت لصفقة حينها. وكان العاهل الأردني الملك حسين قد أبلغ نتنياهو وقتها بأنّ العملاء سيُقدّمون للمحاكمة إذا لم يُعط مشعل الترياق، وهو ما وافق عليه نتنياهو. وكجزء من الصفقة، تطلق إسرائيل سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين والأردنيين، ومن بينهم ياسين.
وفي 1999 قرّر الأردن إغلاق مكاتب حركة حماس في عمّان، وتحوّل المكتب السياسي للحركة نحو العاصمة القطرية الدوحة، حيث بقي سنوات عدة، قبل أن ينتقل نحو العاصمة السورية دمشق، قبل أن يعود إلى الدوحة من جديد في عام 2012.
ومع بداية الانتفاضة الثانية التي حملت اسم “انتفاضة الأقصى”، عام 2000، تصاعدت وتيرة الاغتيالات في صفوف “حماس”، إذ طاولت قيادات سياسية وعسكرية وفكرية، ضمن مساعي الاحتلال للقضاء على التنظيم. وكانت وتيرة الاغتيالات الأعلى في عام 2003، حين اغتال الاحتلال، في شهور قليلة، كلاً من إسماعيل أبو شنب وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة، ومن ثم اغتال الشيخ أحمد ياسين في مارس/ آذار 2004، وبعد ذلك بأسبوعين عبد العزيز الرنتيسي، الذي خلف ياسين.
وفي يوليو/ تموز 2006 سعى الاحتلال لاغتيال قادة المجلس العسكري (القسام)، حين قصف أحد المنازل في قطاع غزة، خلال اجتماع لقادة كتائب القسام حينها، إلا أن جميع من كانوا في المنزل نجوا، باستثناء عائلة أبو سلمية التي قضت في القصف. وفي نهاية 2008، خاضت حركة حماس واحداً من أصعب التحديات، حين شنّ الاحتلال الحرب الأولى على قطاع غزة، واغتال حينها في بداية 2009 سعيد صيام ونزار ريان وهما من القيادات البارزة على مستوى الحركة، لا سيما صيام الذي أسس الجهاز الشرطي والأمني في “حماس”. وبعدها عاشت الحركة ظروفاً مشابهة، مع اغتيال جهاز الموساد الإسرائيلي، عام 2010، القيادي البارز بـ”حماس” محمود المبحوح، على الأراضي الإماراتية، وتحديداً في مدينة دبي، لتدخل معها الحركة مرحلة معقدة من العلاقة مع الإمارات.
وفي 2012 عاد الاحتلال للأسلوب ذاته، حين اغتال الرجل الثاني في كتائب القسام أحمد الجعبري، لتندلع على إثر ذلك الحرب الثانية على قطاع غزة، فيما أفضت المواجهة إلى صفقة بوقفة إطلاق النار، وذلك بعد أكثر من أسبوع، قصفت خلالها المقاومة تل أبيب للمرة الأولى في تاريخ الصراع. وشهدت حرب 2014 على القطاع حملة اغتيالات، مع استشهاد عضوي المجلس العسكري الأعلى لكتائب القسام رائد العطار ومحمد أبو شمالة، فيما فشلت محاولة لاغتيال القائد العام لـ”القسام” محمد الضيف، الذي استُشهدت زوجته وطفله.
وشهدت الفترة من 2014 إلى 2023 عمليات اغتيال، لعل من أبرزها اغتيال “الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) بواسطة عملاء في غزة، مازن فقها ونور بركة في القطاع، والمهندس الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا.
وليست ببعيدة موجة الاغتيالات التي شهدتها معركة “طوفان الأقصى”، في الحرب الرابعة على قطاع غزة، والتي طاولت شخصيات بارزة من المستوى الأول والثاني في الحركة، من أبرزهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، في طهران، ونائبه صالح العاروري، في ضاحية بيروت الجنوبية. وفي قطاع غزة اغتيل عضو المجلس العسكري لكتائب القسام أيمن نوفل، ورئيس مجلس شورى الحركة بالقطاع أسامة المزيني، والقياديين جواد أبو شمالة وزكريا أبو معمر، بالإضافة لمزاعم الاحتلال باغتيال محمد الضيف ونائبه مروان عيسى.
استمرار المقاومة
يقول الناطق باسم “حماس”، جهاد طه، إنه “لا شك أن الاحتلال نفذ العديد من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي استهدفت قادة بارزين في الحركة منذ تأسيسها في عام 1987″، مضيفاً في تصريحات صحفية أن “الاحتلال رغم ذلك لم يستطع أن يوقف مسيرتها الكفاحية”. ويعتبر طه أنه “بالتالي فالصراع مع الاحتلال الذي يرتكب المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، يُبقي الدور باستمرار الكفاح والمقاومة”.
ويشدّد طه على أن “الاحتلال لم يستطع أن يلغي الدور الكبير الذي تقوم به حركة حماس خدمةً لشعبها وقضيتها، لأنها جزء أصيل من الشعب الفلسطيني”، لافتاً إلى أن مؤسسات الحركة تعمل “على معالجة أثر الاغتيالات عبر مؤسساتها”.
من جانبه، يرى الباحث والكاتب الفلسطيني في الشأن السياسي محمد الأخرس أن الاحتلال “ينطلق في تعاطيه وتعامله مع الحركات الفلسطينية من استراتيجية واحدة، أهمها الاغتيالات التي تمثل خسارة للفصائل الفلسطينية”. ويقول، في تصريحات صحفية، إن “تأثير الاغتيالات في الماضي كان أكبر بكثير من الوقت الحالي، على اعتبار أن المقاومة كانت في بدايتها وعبارة عن مجموعات صغيرة وتنظيمات سرية وهرمية، وبالتالي حدوث أي خلل كان يؤدي لفراغ في السلم التنظيمي، فكانت للاغتيال انعكاسات حقيقية ومباشرة”.
وبحسب الأخرس فإنه “من الصعوبة حالياً الحديث عن الموضوع بنفس المحددات، على اعتبار أن المقاومة مؤسسة، وتمتلك كوادر ذات كفاءات عالية، ما يجعل عمليات الاغتيال لها رمزية، إذ تؤثر على المعنويات، فتأثير الاغتيالات بات مختلفاً تماماً في الوقت الراهن”. ويشير إلى أن حركة حماس “تتعامل على مستوى السياسات العامة من خلال عدم تغيير استراتيجيتها، ثم إعادة ترتيب البيت الداخلي بشكل يمنع حدوث فراغ قيادي، وهو أمر يُفقد الاحتلال القدرة على التعويل على الاغتيالات ونتائجها”.
ولا يخفي الأخرس وجود تداعيات شديدة الصعوبة في عمليات الاغتيال، لا سيما إن كانت تطاول شخصيّات رمزية تتمثل في الرجل الأول للتنظيم (مثل السنوار والضيف)، غير أن تقليص حجم الخسائر يتمثل في المرونة التنظيمية التي تتمتع بها الحركة. وينبه إلى أن “النظام الداخلي لحركة حماس كان جاهزاً منذ وقت كبير للتقليل من أهمية الاغتيالات، عبر تحضير النواب (المنتمين للحركة) وملء الشواغر، وهو ما ظهر سابقاً عبر نجاح الحركة في تجاوز عملية اغتيال الصف المؤسس بشكل شبه كامل”.