القتل تعطيشًا… الجيش الإسرائيلي يتعمد تدمير البنية التحتية في قطاع غزة
لم يكن ما كشف أمس الاثنين عن تفجير الجيش الإسرائيلي خزّان مياه في رفح، جنوبي قطاع غزة، الأسبوع الماضي، عبارة عن سلوك فردي لضابط إسرائيلي، كما حاولت الرواية الإسرائيلية تصوير الجريمة، إذ تؤكد سياسات الاحتلال في قطاع غزة، منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن ما يجري يندرج في خانة سياسة رسمية تهدف إلى جعل القطاع غير قابل للحياة، مع تعمد الاحتلال تدمير البنية التحتية في قطاع غزة.
ومنذ بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت ملامح التدمير الممنهج للبنية التحتية واضحة ولا تحتاج إلى كثير من الفحص والتمحيص، ولعل من أبرز ملامحها منذ اليوم الأول التدمير والاستهداف المتعمدين لقطاعي المياه والكهرباء في القطاع الذي يعاني أصلاً من أزمة في هذين القطاعين منذ أكثر من 20 عاماً.
ولا يكتفي جيش الاحتلال بالمجازر اليومية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين وتهجيرهم وقصفهم حتى في الأماكن التي يدفعهم نحو النزوح إليها بحجة أنها آمنة، ولكنه يقطع عنهم أهم عنصر للحياة، الماء، عبر تدمير البنية التحتية في قطاع غزة بشكل يستهدف كل المرافق الحيوية من دون استثناء.
تدمير البنية التحتية في قطاع غزة
ضمن هذا السياق، جاء الكشف أمس عن أن ضباطاً في جيش الاحتلال أمروا بتفجير خزان مياه للشرب في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، الأسبوع الماضي، وهو ما يُعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، يضاف إلى انتهاكات أخرى. وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن جيش الاحتلال يجري تحقيقاً بشأن انتهاك القانون الدولي، عقب تفجير خزّان مياه في رفح من قبل قوة عسكرية تابعة للواء 401 في سلاح المدرعات، عملت في المكان، وفجرّت خزان المياه الرئيسي الأسبوع الماضي، بأمر من قادة اللواء، ومن دون الحصول على إذن للقيام بذلك من قبل المستوى الرفيع في قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال.
وهذا الادعاء بالمسؤولية الفردية تكرر مع كل فيديو ينشره الجنود الإسرائيليون لعمليات التجريف والتخريب، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية في قطاع غزة بشكل ممنهج، وبات يلازم كل ما ينشره الجنود الذين يبدون فرحة كبيرة خلال تدمير ممتلكات الفلسطينيين والبنية التحتية المدنية.
ونشر جندي إسرائيلي توثيقاً لتفخيخ وتفجير بئر المياه الرئيسي المسمى بئر “كندا” في حيّ تل السلطان غربي مدينة رفح، وأرفق الفيديو بتعليق: “تدمير خزان مياه تل السلطان، على شرف يوم السبت”.
وقال رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي، في بيان وزع على وسائل الإعلام، إن تدمير الخزان الرئيسي سيفاقم أزمة المياه في المدينة وستنعكس على المواطنين وكميات المياه بشكل مباشر، في ظل عدم توفر إمكانيات لإنشاء خزانات بديلة أو وجود قطع غيار لاستبدال ما دُمّر. واعتبر الصوفي أن إقدام قوات الاحتلال على تفخيخ وتفجير خزان المياه الرئيسي وبئر كندا في حي تل السلطان، غربي المدينة، “جريمة ضد الإنسانية وتمادياً في سياسة العقاب الجماعي والإبادة الجماعية”.
في الأثناء، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، أن “جيش الاحتلال، منذ بدء حرب الإبادة، وضع نصب عينيه إسقاط قطاع غزة بشكل كامل، واستهداف كل قطاعات الحياة، فاستهدف 15 قطاعاً من القطاعات الحيوية وعلى رأسها قطاع المياه والبيئة”. وأضاف الثوابتة أن الاحتلال “أخرج 700 بئر مياه عن العمل بشكل كامل في كل مناطق قطاع غزة، من خلال قصف هذه الآبار ومنع المتبقي منها والقادر على العمل من العمل من خلال منع وصول الوقود إليه… ما أدى إلى توقف الآبار المتبقية عن الخدمة تماماً”.
وأشار الثوابتة إلى أن سياسة تدمير البنية التحتية في قطاع غزة وسياسة التعطيش هي بمثابة أمر واقع من ضمن سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، مؤكداً أن كل ذلك يأتي “للضغط على المدنيين وإجبارهم على النزوح وإخلاء مناطقهم للبحث عن المياه ومقومات الحياة”. ولفت الثوابتة إلى أن الاحتلال يجبر المواطنين الفلسطينيين على النزوح إلى مناطق غير صالحة للسكن الآدمي أصلاً، فلا توجد فيها مياه ولا بنية تحتية ولا صرف صحي في هذه المناطق مثل منطقة المواصي غربي خانيونس، وهي منطقة كثبان رملية ليس فيها مقومات حياة. وشدد على “أننا نعيش في كارثة إنسانية حقيقية وأزمة إنسانية عميقة نتيجة نقص المياه وانعدام المياه وسياسة الاحتلال منع إدخال الوقود لجعل الحصول على المياه مجرد حلم سواء مياه الشرب أو المياه للاستخدام الشخصي”، مشيراً إلى أن “لدينا أكثر من مليوني نازح نتيجة الاستهداف المتكرر للبنية التحتية، ما أدّى إلى انتشار أمراض جلدية وأمراض أخرى بين النازحين والأهالي”.
وحمّل الثوابتة الاحتلال والإدارة الأميركية المسؤولية عن سياسة التعطيش وحرب الإبادة في قطاع غزة، داعياً “المجتمع الدولي والمنظمات ذات العلاقة إلى الضغط على الاحتلال الاسرائيلي من أجل إيصال المياه والطعام وفتح المعابر وإعادة الحياة إلى قطاع غزة”.
حربٌ موازية منذ الساعات الأولى
ويعاني النازحون الفلسطينيون في مناطق قطاع غزة المختلفة واحداً من أسوأ مصاعب الحرب في ظل ندرة المياه النظيفة وغلاء أسعار المتوفر منها، ويزداد هذا الوضع سوءاً مع ارتفاع درجات الحرارة والحاجة الملحة لكميات أكبر من المياه، خصوصاً مع احتياج الفلسطينيين في الخيام وأماكن النزوح للمياه بشكل مضاعف عن حاجتهم الطبيعية، لكنهم لا يحصلون إلا على الحد الأدنى وربما أقل من ذلك من المياه.
وقطعت إسرائيل في الساعات الأولى من الحرب إمدادات المياه عن الفلسطينيين في ما يعرف بخطوط “ماكروت” التي تمد بعض المناطق جنوبي ووسط القطاع بالمياه التي تدفع ثمنها السلطة الفلسطينية، ثم قامت عبر القصف والتدمير والتفجير باستهداف آبار المياه في كل منطقة وصلت العملية البرية الإسرائيلية إليها.
وفي العملية البرية التي طاولت نحو 70% من مناطق القطاع، قام جيش الاحتلال بإحراق وتدمير وتجريف خطوط المياه والآبار ومضخات الصرف الصحي، في مشهد يشي بأن إحدى أدوات الحرب الإسرائيلية تستهدف تعطيش الفلسطينيين وجعل القطاع غير صالح للحياة لسنوات طويلة وتصعيب عملية إعادة الإعمار.
ومنذ بداية الحرب، شهد القطاع خروج معظم محطات تحلية ومعالجة المياه والآبار عن الخدمة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الوقود لمنع إسرائيل إدخاله برياً. ووفق تقديرات شبه رسمية، فإن 70% من المرافق المائية في قطاع غزة تعرضت للتدمير الكلي والجزئي، علاوة على عدم توفر السولار (الطاقة الشمسية) لتشغيل هذه المرافق، وهو ما أثّر سلباً على عملية توزيع المياه في القطاع. ومع التحذيرات من المجاعة التي بدأ يعاني منها الغزّيون، وبالتزامن مع الضغط الدولي على إسرائيل لتخفيف قيودها على المدنيين، سمحت إسرائيل بإدخال ثلث الكميات المطلوبة من الوقود لتشغيل محطات المياه والضخ، لكنها منذ ذلك الوقت تمنع إدخال أي مواد لصيانة ما دُمّر، بل بالعكس، تواصل عمليات التدمير لما تبقى من آبار.