معركة الوعي (208) حقيقة الصراع التي ينطق بها لسان حالهم ومقالهم
حامد اغبارية
يُفترض أننا -كمسلمين- لسنا بحاجة إلى مزيد من الأدلة؛ من التاريخ ومن الحاضر- كي يستقر عندنا الرأي بشأن حقيقة الصراع الدائر بين معسكرين، أحدهما المشروع الصهيوني ومن ورائه المشروع الصليبي الخلاصي. أما ثانيهما فسوف يتضح لك في سياق المقال.
ولكن بما أن هناك فلسطينيين وعربًا ومسلمين ما زالوا يدفنون رؤوسهم في الرمال ويُغَطُّون عقولهم بستار حديدي يحجبهم عن الحقيقة، ما جعلهم يَغُطّون في ذلك السبات العميق المتواصل منذ ما يزيد على مائة سنة عجاف، فإنه لا مفرّ من إزعاج منامهم قليلا، لعلّهم يعقلون ويبصرون ويفقهون ويتذكرون ويرجعون ويرشُدون. فرُبّ مقولة تكشف حقيقةً توقظ أمة وتضعها على المسار الصحيح.
من أجل ذلك، وقبل الخوض في التفاصيل، لا بد من تكرار ما سبق وقلناه في أكثر من مناسبة:
– الصراع الدائر ليس صراعًا فلسطينا -إسرائيليا ولا عربيا-إسرائيليا، بل هو صراع على فلسطين بين معسكرين. وقد سبق وشرحنا هذا في مقالات سابقة ولا حاجة لتكراره هنا.
– الصراع على فلسطين لم يبدأ فقط عام 1948، ولا عام 1967، ولا حتى عام 1917، ولا منذ منتصف القرن التاسع عشر ولا مطلع القرن العشرين. هذه التواريخ إنما هي محطات في تاريخ هذا الصراع، وذروة هذه المحطات كانت في موضعين معاصرين: إسقاط الخلافة الإسلامية التي كانت عاصمتها إسطنبول وإيقاع النكبة على الشعب الفلسطيني كنتيجة من نتائج إسقاط الخلافة؛ ذلك الحدث المهول الذي مزق الأمة شر ممزق وجعلها بقعًا جغرافية منغلقة على نفسها بحدود وهمية، وحوَّلها إلى دُمًى على مسرح لعبة الأمم.
– متى بدأ الصراع إذًا؟ قد يسأل سائل!
– لقد بدأ فعليا ليلة الثاني عشر من ربيع الأول سنة 571 ميلادية.
– هل هذا التاريخ يحتاج إلى شرح وتفصيل؟
– إنه التاريخ الذي حمل كلّ عناصر التغيير الكوني، ونقل البشرية من الّلا شيء إلى كل شيء.
– ولأن هناك من كان ينتظر ذلك الموعد الفاصل، فقد استعد له أيّما استعداد وأعد له كل عدة وعتاد…. فلما تبين أنه لم يأت على قدر التوقعات كان لا بدّ من بدء الهدم حتى قبل أن يبدأ البناء.
– فما حقيقة الصراع إذًا وما طبيعته؟ هل هو سياسي؟ هل هو صراع حدود وجغرافيا؟ هل هو صراع أطماع ومصالح استعمارية واقتصادية؟
– حقيقة الصراع قولا واحدا باتّا قاطعا أنه صراع عقائدي ديني.
– من هنا تستطيع أن تستنبط أن المعسكر الثاني ليس الفلسطينيين، وإن كانوا جزءا منه ورأس حربته. ولا العرب وإن كانوا جزءا منه ونواته الأولى. إنه الإسلام، وإنهم المسلمون، فلسطينيين وعربا وعجما، من كل جنس وعرق ولون ولغة في قارات الأرض السبع.
مناسبة هذه المقدمة الطويلة مقابلة لبنيامين نتنياهو مع إيلون ماسك صاحب منصة “إكس/ تويتر سابقا” عنوانها “تغيير جذري في الإسلام”….
وهذا أهم ما جاء في المقابلة:
(يبدأ حديثه عن حماس قائلا: إنها تمثل ثقافة الموت. ولما سأله ماسك كيف يمكن وقف هذا الأمر؟ أجاب: أولا يجب تدمير حماس، ثم إلغاء التشدد في هذه البلدان الإسلامية، هذه البلاد العربية. بعضها قيد الإنجاز. أولا عليك التخلص من النظام المسموم، كما حدث في ألمانيا وكما حصل في اليابان. هل هذا ممكن في العالم العربي؟ أنا أقول بشكل قاطع: نعم، ممكن. لأننا رأينا ذلك فعلا في مكانين. رأينا ذلك في دول الخليج. أنت عندما تزور دبي أو أبو ظبي أو تزور البحرين ترى شيئا مختلفا تماما. كان هناك في الواقع تغيير ثقافي. ودعني أقول إن ذات الشيء -حسب رأيي- يحدث في السعودية. علينا أن نفعل نفس الشيء. علينا إزالة راديكالية غزة بعد القضاء على حماس. وعلينا إلغاء التشدد في غزة، وهذا سيأخذ بعض الوقت. خاصة في المدارس والمساجد، حيث يكون الأطفال….).
هذا الكلام لا يحتاج إلى تحليل ولا توضيح.
إنها حرب على الإسلام. هي حرب لإفراغ الإسلام من كل عناصر القوة التي جعلته يسود العالم، والتي ستجعله يسود العالم. هي حرب لهدم ذروة سنام هذا الدين.
ولم يكن نتنياهو السباق في هذه. فقد سبقه أسلافه. سبقه بن غوريون وبيجن ورابين وبيرس وكبار الحاخامات وما لا يحصى من السياسيين والمفكرين وغيرهم. كما سبقه داعموه في الغرب المتوحش، وأسلافهم من طواغيت الحملات الصليبية التي ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
وها نحن نرى كيف أن القوم نجحوا في تدجين عدد من دول الخليج ودول الطوق، مثل مصر والأردن. فأنت إذا استمعت إلى رؤوس العصابات المتحكمة بتلك الدول ستجد العجب العجاب، وكأنهم تخرجوا من ذات المدرسة ورضعوا من نفس الحليب.
ولقد قالها نتنياهو أول من أمس في خطابه في الكونغرس الأمريكي، ملخصا كل الحكاية: إنه صراع بين الهمجية وبين التحضر. وقد صدق!! وهو الكذوب.
صدق لأنها فعلا بين الهمجية وبين التحضر. والعالم كله بسياسييه وحكوماته وقادته ومؤرخيه ومحلليه ومفكريه يعرفون هذه الحقيقة. ويعرفون تماما أين يمكنك أن تجد تفاصيل مرعبة عن الهمجية، وأين يجدون صفحات مشرقة عن التحضر.
تجد هذا في أعمال إبادة تقشعر لها الأبدان في القارة الأمريكية التي قامت على أنقاضها أقذر إمبراطورية همجية عرفها التاريخ.
وتجد هذا في استرقاق ملايين الأفارقة السود الذين اختطفهم الرجل الأبيض وجلبهم إلى أمريكا وأوروبا لخدمته.
وتجد هذا في أكثر من مليون جزائري ومئات الآلاف في أفريقيا الذين أظهر عليهم الفرنسي الأشقر خلاصة “تحضّره”.
وتجد هذا في مئات آلاف الأبرياء من المسلمين الذين قتلهم الصليبيون في القدس وفي بلاد الشام أثناء حملاتهم الغارقة في “التحضر”.
وتجد هذا في مئات المجازر التي ارتكبها البرتغاليون (اللطفاء جدا من شدة تحضرهم) في القرن الأفريقي.
وتجد هذا في مجازر الطليان “المتحضرين” في ليبيا.
وتجد هذا في جرائم المستعمر الإنجليزي “شديد التحضر” في فلسطين ومصر والعراق والجزيرة العربية.
وتجد هذا في قتل أكثر من مليون عراقي ومئات آلاف الأفغان في حربين كونيتين شنتها “حضارة” أمريكا وحلفائها مطلع القرن الحالي.
وتجد هذا في عشرات المجازر “المتحضرة” التي نفذتها العصابات الصهيونية عام 1948.
وتجد هذا فيما يجري الآن في غزة…
صدق الكذوب نتنياهو؛ إنها حقا معركة بين الهمجية وبين التحضر.
إنها معركة تحمل من المشاهد والأحداث ما لا يترك لديك مجالا للحيرة ولا بذل الجهد لمعرفة من هو الهمجي ومن هو المتحضر..
أما أكبر المشاهد “تحضرا” فهو تحميل التاريخ روايات كاذبة وجدت في مستنقعات “التحضر” من يروّج لها ويسوّقها ويدافع عنها.
وظني أن الأمر لن يطول حتى تأتي اللحظة التي يُهدم فيها المعبد لتعرف الدنيا كلها حقيقة الصراع، ويعرف معها من هو المعسكر الهمجي ومن هو المعسكر المتحضر.