مسيرة الأعلام الاستيطانية في القدس.. اعتداءات وصلوات تلمودية وشعارات نابية ضد العرب والمسلمين
“يوم حزين على المدينة المقدسة”.. بهذه الكلمات وصف القيادي في حركة “فتح” ناصر قوس واقع مدينة القدس قبل وأثناء مسيرة الأعلام الاستيطانية.
وتابع قوس حديثه وهو يقف إلى جوار مدخل البلدة القديمة، حيث الحصار الخانق والعربدة التي يفرضها المستوطنون على المكان بحماية شرطة الاحتلال: “لقد بدأت الاعتداءات منذ مساء أمس، حيث التواجد والاستفزاز بحق أهالي البلدة القديمة، فيما تعززت في ساعات الصباح سياسات العربدة وإغلاق المحلات”.
وفي محيط البلدة القديمة كثافة في الحواجز الاحتلالية، إلى جانب تواجد الجنود في كل مكان، في محاولة توفير الحماية للمسيرة الاستفزازية. وشدد قوس: “ما يحصل كل عام هو إغلاق كل مناحي الحياة في البلدة القديمة. فيما الاقتحامات والعربدة داخل أسوار البلدة القديمة”.
واقتحم 1184 مستوطنًا المسجد الأقصى، صباح الأربعاء، وسط حراسة مشددة من شرطة الاحتلال، وفق ما أفادت به دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.
وكان بين المقتحمين وزير الزراعة السابق أوري أرئيل، ووزيرة المواصلات في حكومة الاحتلال ميري ريجيف، حيث اقتحمت باب العامود، وسط حراسة أمنية مشددة.
ورفع المقتحمون أعلام الاحتلال في باب القطانين، وقاموا بصلوات تلمودية ورقصات داخل المسجد الأقصى وعند أبوابه.
وجاءت الاقتحامات بالتزامن مع الاحتفالات بما يسمى “يوم توحيد القدس”، حيث تقام اليوم مسيرة الأعلام في القدس والبلدة القديمة وصولاً إلى حائط البراق.
وتزامنت الاقتحامات للمسجد الأقصى مع اعتداءات نفّذها مستوطنون في باب المجلس، إضافة إلى احتشادهم في باب العامود، حيث حملوا أعلام الاحتلال وقاموا برقصات تلمودية، استعدادًا لاحتشاد مسيرة الأعلام هناك.
وشهدت مدينة القدس، منذ يوم أمس، إجراءات مشددة لشرطة الاحتلال، إذ نشرت 3 آلاف شرطي في المدينة، وقررت إغلاق طرق رئيسية في المدينة، وسيتواصل إغلاقها لساعات.
ونفذ مستوطنون متطرفون اعتداءات على المحال التجارية وأصحابها في سوق خان الزيت بالقدس القديمة وباب العمود، فيما تجول مستوطنون على وقع الأغاني الصاخبة في البلدة القديمة بالقدس ومنطقة باب العامود.
ويواصل مئات المستوطنين، منذ الصباح، عملية التجمهر في باب العمود بالبلدة القديمة، أحد أشهر أبواب البلدة القديمة في القدس المحتلة، استعداداً لـ “مسيرة الأعلام” الاستفزازية.
وأغلقت قوات الاحتلال شوارع البلدة القديمة، والطرقات المحيطة بها، أمام حركة المركبات، وتحديداً شارعي السلطان سليمان، وصلاح الدين، وشارع المصرارة، تمهيداً لمسيرة المستعمرين، عند الساعة السادسة من مساء اليوم.
وأفاد شهود عيان بأن الاحتلال أغلق هذه الشوارع، وبعض المداخل، بالمتاريس الحديدية، ومنع المواطنين من التنقل بسهولة، ولا يسمح سوى لأبناء البلدة القديمة من القدس بدخولها.
بدورها، قالت محافظة القدس إن “مسيرة الأعلام في شوارع القدس، هي اعتداء على الوضع القائم في المدينة المحتلة، واستمرار لإجراءات الاحتلال الهادفة إلى تهويدها”.
وأضافت أن “إسرائيل تستغل العدوان على أهلنا في غزة، للمضي قدماً بتهويد المدينة المقدسة”.
وأشارت إلى أن “ما أعلنه الوزير المتطرف بن غفير عن نيته المشاركة في المسيرة ودعواته لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، استفزاز لمشاعر ملايين المسلمين، واعتداء صارخ على الوصاية الهاشمية في القدس”.
يذكر أن 4277 مستعمراً اقتحموا المسجد الأقصى خلال شهر أيار الماضي، وفق بيانات دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس.
ويشار إلى أن وتيرة اقتحامات المستعمرين المتطرفين للمسجد الأقصى بالقدس ازدادت بشكل كبير، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
وعلّق زياد بحيص، الباحث المقدسي، أنه في الذكرى العبرية لاحتلال كامل القدس تمكّنَ نحو ألف مستوطن من اقتحام المسجد الأقصى، حيث أدوا رقصات استفزازية وصلوات علنية في ساحته، إضافة لطقس “السجود الملحمي” بالانبطاح الكامل على الأرض.
وأضاف: “ضمن المسعى المستمر لنقل الطقوس التوراتية إلى المسجد الأقصى المبارك قام حاخام صهيوني بإدخال لفائف الصلاة السوداء “التيفلين” إلى الأقصى، لأول مرة منذ احتلاله، تحت حراسة شرطة الاحتلال، وبرعاية موشيه فيغلين، الذي سبق أن كان نائب رئيس الكنيست الصهيوني.
وتعتبر تميمة “التيفيلن” إحدى أدوات الصلاة الدينية عند اليهود، وهي امتداد لسلسلة الانتهاكات المتواصلة التي يفرضها المتطرفون في الأقصى في كل مناسبة.
تكمن خطورتها بمحاولة جماعات المعبد وتيارات اليمين “الإسرائيلي” المتطرف تحويل وجودها في الأقصى إلى وجود ذي صبغة دينية تعبدية وتطويع المسلمين على صورة جديدة للأقصى يكون فيها مقدساً مشتركاً لليهود والمسلمين.
ووصف الباحث المقدسي المقيم في إسطنبول الدكتور عبد الله معروف الأمر بأنه “كارثة جديدة في المسجد الأقصى”، وتساءل: “هل ننتظر أن يحضروا الأدوات معهم المرة القادمة، كما حدث في حائط البراق عام 1929؟!
ووثّق نشطاءُ مستوطناً يقتحم الأقصى مرتدياً “تي شيرت” وعليه عبارة (جبل المعبد هذا بأيدينا) مع صورة لتدمير قبة الصخرة المشرفة في قلب المسجد الأقصى المبارك.
ووصف مراقبون ما جرى اليوم بأنه بمثابة “نزع الحصرية الإسلامية عن المسجد الأقصى المبارك، وتغيير كامل للوضع القائم فيه”.
ووصف الناشط المقدسي حازم ما تعرضت له القدس والأقصى بأنه “يوم مشوؤم ونقمة على المدينة وتجارها”.
وقال: “أغلقت المدينة بكافة شوارعها، وتم التضييق على المواطنين والتجار والهدف هو أن تصبح لقمة سائغة في أيادي المتطرفين”.
ومساء أمس، اقتحمت مجموعات من المستعمرين البلدة القديمة في القدس المحتلة وبلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، وأدوا طقوساً تلمودية.
وأفادت مصادر محلية بأن مستعمرين أدوا طقوساً تلمودية عند باب القطانين بالبلدة القديمة في ظل عرقلة الاحتلال حركة المواطنين المقدسيين في البلدة.
وأضافت أن مستعمرين أدوا رقصات وأغاني صاخبة بين منازل المواطنين في حي بطن الهوى ببلدة سلوان.
ومن المتوقع أن يشارك في المسيرة الاستفزازية وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي، بينهم من يسمى وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير.
وكانت منظمات “الهيكل” المزعوم وجماعات استعمارية دعت إلى أكبر اقتحام للأقصى.
وحذرت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات من خطورة التصعيد الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك، عشية إحياء ذكرى احتلال مدينة القدس.
سياسياً، قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح إن “مسيرة الأعلام”، ستؤجج الأوضاع في المدينة.
وأضاف فتوح، في بيان صادر عن المجلس الوطني، أن حكومة اليمين المتطرف التي ترتكب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري في قطاع غزة تسعى بكل الطرق لإشعال المنطقة وخلق حالة من عدم الاستقرار والعنف، الأمر الذي سيدفع ثمنه دول المنطقة والإقليم.
وأشار إلى أن هذه الحكومة تمارس التطهير العرقي بالقدس من خلال تطويقها وعزل أحيائها والتضييق على أهلها، كما توظف وتخترع المناسبات من أجل تأكيد وفرض سيادتها عليها، منتهكة كل القرارات الدولية والأممية.
وقال إن من يتخذ قرار “مسيرة الأعلام” وقرار الاقتحام اليومي للمسجد الأقصى هي نفس الجهات والمجموعات المتطرفة التي تملك القرار السياسي اليوم في حكومة الفصل العنصري.
وحذر فتوح من إجراءات الاحتلال التهويدية وانتهاكاته اليومية في القدس، والتي هدفها تغيير الطابع الثقافي والتاريخي والحضاري والإسلامي.
ما هي مسيرة الأعلام؟
يذكر أن مدينة القدس تشهد، في 29 أيار/مايو من كل عام، مسيرة تقف خلفها منظمات استيطانية، تحت مسمى مسيرة الأعلام، يشارك فيها غلاة المستوطنين، ويتخللها اعتداءات عنيفة، وسط إجراءات أمنية مشددة وإغلاقات من شرطة الاحتلال.
وتُنظم مسيرة الأعلام سنويًا احتفالاً بما يسميه الإسرائيليون “ذكرى توحيد القدس”، في إشارة إلى احتلال شرق القدس عام 1967، وضمها إلى القسم الغربي من المدينة، الذي تم احتلاله في عام 1948، وتثير مسيرة الأعلام في القدس سنويًا مخاوف من اندلاع تصعيد أمني بسبب مرورها من مناطق في شرق القدس، أبرزها باب العامود، الذي يعتبر أبرز مداخل البلدة القديمة، ويشهد تواجدًا خاصًا لأهالي القدس على درجه الشهير.
وسجل عام 2021 فشلاً في تنظيم مسيرة الأعلام، عندما حذرت “كتائب القسام” الإسرائيليين من تنظيم المسيرة التي تزامنت مع مواجهة عسكرية بسبب أحداث الشيخ جراح، إلا أن سلطات الاحتلال لم تستجب للتحذير، فقصفت “كتائب القسام” مدينة القدس، بالتزامن مع احتشاد المستوطنين لتنظيم المسيرة، ما أدى لفضّها.
وأطلق الحاخام تسفي يهودا كوك مسيرة الأعلام في عام 1968، وشاركه في انطلاقتها تلامذة المدرسة الدينيّة المتطرفة “مركاز هراب”، التي تكونت فيها النواة الصلبة للتنظيمات الاستيطانية المتطرّفة.
وفي سنواتها الأولى، كانت المشاركة في مسيرة الأعلام تقتصر على عشرات المستوطنين، ثم مئات المستوطنين، لكن رقعة المشاركة في مسيرة الأعلام توسعت مع مرور السنوات، وصولاً إلى 60 ألف مشارك في السنوات الماضية.
وتنطلق المسيرة اليوم، على غير العادة، من شارع الأنبياء المحاذي لشارع صلاح الدين نحو باب العمود، حيث يحتشد المستوطنون هناك لبعض الوقت، ويؤدون رقصات بعلم دولة الاحتلال، وسط هتافات نابية ضد النبي محمد، والعرب، والمسلمين، منها “محمد مات خلف بنات”، و”الموت للعرب”، و”العرب قمامة”. ومن ثم يتدفّق المستوطنون نحو حيّ المغاربة، وفي هذه الأثناء يمارسون اعتداءات على المواطنين الفلسطينيين الذين يسكنون في الطرق داخل البلدة القديمة التي توصل إلى منطقة حائط البراق، الجدار الغربي للمسجد الأقصى، الذي تنتهي إليه المسيرة.