معركة الوعي (199) في مناقشة افتراءات إفرايم هرار ا الواردة في تقريره: “الأسس الوحشية للإسلام” (1)
حامد اغبارية
في شهر تشرين الثاني الماضي، نشر المدعو “إفرايم هرارا” ما يسميه تقريرا بحثيا تاريخيا حول “المجازر التي ارتكبها المسلمون عبر التاريخ”. وقد وضع لتقريره الدموي عنوان “الأسس الوحشية للإسلام”.
بداية، من المهم الإشارة إلى أن التقرير نشر في أوج المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة، ولا يزال، ما يعني أن اختيار التوقيت مهم جدا، وهو محاولة لإيهام القارئ بأن المسلمين قد سبقوا في ارتكاب المجازر، وأن ما حدث يوم السابع من تشرين الأول الما1ضي (7/10/2023) هو جزء من العقيدة الدموية للإسلام. وبطبيعة الحال بُنيتْ فكرة التقرير على خلفية ما رُوي من تفاصيل قالوا إنها وقعت في غلاف غزة في ذلك اليوم، اتضح أن كثيرا منها كان من نسج الخيال. وقد نشرت وسائل إعلام أجنبية، ومنها أمريكية، تقارير بهذا الخصوص.
سأناقش في هذا المقال، وما سيليه من مقالات، أهم ما جاء في تقرير ذلك الأفاك المضلل، وأبيّن بالدليل والحجّة أكاذيبه وأضاليله وافتراءاته التي ألقاها جزافا وعن سبق تخطيط خبيث، من خلال تشويه الحقائق التاريخية، وإلصاق التهم الباطلة بالإسلام والمسلمين.
****
وإفرايم هرارا هذا يزعم أنه يحمل درجة الدكتوراه، وأنه باحث تاريخي مختص بالتاريخ الإسلامي، غير أن حقيقته أنه مستوطن مختص في تشويه التاريخ الإسلامي بدرجة دكتوراه، أُشرب قلبه بكراهية المسلمين بمن فيهم الفلسطينيين، الذين يعتبر وجودهم خطأ تاريخيا لا بدّ من إصلاحه!! ومن وسائل “إصلاح هذا الخطأ” مواصلة تدمير غزة حتى النهاية.
ولقد مرّ علينا عشرات، بل مئات، من أمثال هرارا ذاك من أدعياء العلم بالتاريخ من إسرائيليين وغربيين وغيرهم، سرعان من تبينت حقيقتهم، وأنهم بذلوا المال والوقت والجهد لتشويه تاريخ الإسلام، فلم ينالوا سوى الخيبة والفشل والخسران المبين.
والتقرير الذي سنناقشه ليس فريدا من نوعه، وليس الأول في كتابات هرارا، فله كتاب مشهور بعنوان “الجهاد- النظرية والتطبيق”. وله مقالات كثيرة أغلبها تشهير بالإسلام وافتراء على المسلمين وطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم وتشويه لسيرته العطرة عليه السلام. ومنها على سبيل المثال مقال بعنوان “لا تنتظروا الربيع الإسلامي” (هآرتس 20/10/2012)، نشره على خلفية أحداث الربيع العربي. ولعله ليس أدلّ على كذب هرارا من أنه يورد في ذلك المقال قصّة ثبت قطعيا بطلانها، وأنها موضوعة من تأليف أعداء الإسلام، وهي قصة عصماء بنت مروان، وهي شاعرة اشتهرت في المدينة المنورة. وينسب إليها أنها نظمت قصيدة سخرت فيها من النبي عليه الصلاة والسلام ولامت أهل المدينة (الأنصار) لاتّباعهم رجلا ليس منهم (عنصرية عرقية بحتة يعرفها هرارا جيدا ويعلم مصدرها!!)، ولذلك قتلها أحد أصحاب النبيّ ولم ينكر النبيّ عليه ذلك. وهي قصة أجمع أهل الحديث أنها موضوعة لا أساس لها. لكنّ المستشرقين الغربيين والإسرائيليين يبحثون في بطون الكتب (بسراج وفتيلة) عن كل رواية موضوعة أو مقولة عرجاء ويقدمونها للعامة على أنها حقائق تاريخية دامغة. فيا أيها الأحمق: إذا كان النبي، الذي أرسل رحمة للعالمين، قد عفا عن قريش رغم ما فعلته به وبأصحابه، وعفا عن المرأة اليهودية التي وضعت له السمّ في الشاة (يعني شروع بالقتل)، فهل يأمر أو يرضى بقتل امرأة بسبب قصيدة؟ أية تفاهة في التفكير هذه وأية ضحالة في التأصيل التاريخي؟!
***
1- يزعم هرارا في تقريره المطول أن من يبحث في التاريخ الإسلامي سيكتشف أن ارتكاب المجازر والقسوة ليس أنها غير شاذة وحسب، بل هي في ظروف معينة تعتبر واجبا دينيا. وهكذا يضع القارئ (الإسرائيلي بالدرجة الأولى) في دائرة مفرغة من المعلومات المضللة، كي يدفعه دفعا إلى تصديق ما سيقدمه له من “معلومات” يحشو بها رأسه، المستعدِّ أصلا لتقبل أية معلومة، أيًا كانت، ومهما كانت بعيدة عن الحقيقة ومليئة بالافتراءات، خاصة في مثل الظروف الحالية. ولو أن أحدنا استعرض في عجالة ما يكتبه جمهورهم على منصات التواصل الاجتماعي، لوجد العجب العجاب، من ضحالة في التفكير، وسطحيّة في النقاش، وكذب وتزوير، وسرعة البرق في تصديق كل ما يقال، دون تمحيص ودون تدقيق….
2- يقول هرارا في مطلع تقريره إن الجيد المطلق في الإسلام ليس الذي ينطلق من قواعد العدالة العالمية، وإنما في اتّباع الرسول (صلى الله عليه وسلم). وكأن اتّباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام تهمة وجريمة!! وكأن ما يسميه “العدالة الدولية” هي غاية المراد وأقصى ما يمكن أن تتحقق فيه العدالة للبشرية! وكأن دولته ملتزمة بقوانين العدالة الدولية بحذافيرها. وكان المجتمع الدولي الذي وضع هذه القوانين يطبقها ويلتزم بها التزامه بالطعام والشراب وتنفس الهواء!!
ليست المقولة آتية من فراغ… فمفاضلة هرارا بين اتّباع نهج النبي عليه الصلاة والسلام وبين قانون العدالة الدولية إنما الهدف منها القول إن سبب “المذابح التي يرتكبها المسلمون” هو اتّباع سنة محمد عليه الصلاة والسلام. أما العدالة الدولية فلا علاقة لها بأية مذابح ومحارق ومجازر وكوارث. فهي عدالة “برنجي” على مقاس هرارا وأمثاله، ولكن ليس دائما وإنما عندما يكون الحديث فقط عن الإسلام. فألمانيا النازية كانت على نهج الإسلام!! والحرب العالمية الأولى ثم الثانية كانتا تطبقان سنة الرسول عليه الصلاة والسلام!! وضحايا هيروشيما ونغازاكي هم بالضرورة ضحايا الشريعة الإسلامية!! وضحايا حرب فيتنام قتلتهم أمريكا طاعة لله ولرسوله!! وإبادة كل شيء يتحرك من الرجال والنساء والأطفال والأجنة في بطون الأمهات، والمواشي والأنعام والحجر والشجر في أريحا وما حولها أيام يوشع بن نون كانت بأمر من القرآن والسنة: {وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ – حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ}. (من المهم هنا أن ننفي هذه الفرية عن يشوع بن نون، وهو ذات الفتى الذي رافق موسى عليه السلام في سورة “الكهف”، وخلفه في بني إسرائيل بعد وفاته وحمل أعباء النبوة بعده عليه السلام، وهو أنقى وأطهر من يرتكب هذه المذابح والجرائم). (يتبع).