أنت الخير والخير أنت
ليلى غليون
نعم أنت الخير، وأنت المقصود يا من تقرأ هذه الكلمات، كيف لا وأنت من أُمّة اختصت بالخيرية من دون سائر الأمم؟ فاقرأ معي قول الله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس ..”. كيف لا وأنت مفطور على جبلة الخير، وفطرة الخير الكامنة في أغوار ذاتك، وفيك من جداول الخير العظيمة المنسابة في حناياك ما تعلمه وما لا تعلمه.
أنت الخير، لأنك ما تعبت بالبحث عن السعادة، ولا فتشت طويلًا عن الطمأنينة وراحة البال، لأنك ببساطة وجدت سعادتك وراحة بالك فقط في طريق الخير حين بادرت بالصلح مع الله عز وجل، وعزمت عزمًا أكيدًا أن تذر نفسك لله محررًا طائعًا لفعل ما يرضيه تبارك وتعالى، لتثور تلك الهمة الكامنة في أعماقك وتقول: هلم يا نفس إلى رضوان الله، هلم إلى تجارة رابحة لا خسران فيها، هلم إلى سباق جائزته الجنان.
فوقفت وقفة صدق مع نفسك، ونظرت بمنظار الرضا واليقين والتفاؤل لتكتشف مساحات الخير الخضراء الواسعة فيك، لتنبت فيها نباتًا حسنًا كان حصاده الخير الوفير ليس عليك فقط، بل وعلى كل من حولك.
يقول مَن ينابيع الخير كلها تفجرت فيه صلوات الله وسلامه عليه: “إن لله عبادًا اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم بالخير وحبب الخير إليهم، أولئك هم الناجون من عذاب النار”.
فركبت قارب النجاة من النار وعزمت أن لا يسبقك إلى الله أحد وقلت: سأكون من بين هؤلاء العباد الذي قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المختصين الساعين لقضاء حوائج الناس.
فيا لسعدك ويا لهناك، وطوبى لك هذا الاختصاص، وقد جعلت جداول الخير تتفجر في حناياك ومن جنبات نفسك ومن أغوار وجدانك. طوبى لك وقد جعل الله مفاتيح الخير في يديك.
طوبى لك وقد جعلك الله تعالى دليل معروف وسفير هداية ورسول صلاح. طوبى لك وقد أشرعت أبواب الخير في قلبك ليلج فيها كل حزين وكل مكروب وكل مهموم وما أكثرهم. طوبى لك وأنت ترسم بريشة حنوك بسمة على شفتي حزين. طوبى لك وأنت تزرع أملًا في قلب مهموم. طوبى لك وأنت تمسح بيدك الحانية على رأس يتيم. طوبى لك وعيناك تدمع رحمة بوالديك وقد دعوت الله تعالى أن يرضى عليك بعبورك جسر رضاهما. طوبى لك وقلبك يخفق رأفة وحبًا بمن استأمنك الله عليهم، فكنت لهم الوالد الحنون والمربي الفاضل، وكنت لها الزوج الهانئ والمحب. طوبى لك وخطواتك في طريق الخير كالهمسات، لا يُسمع لها صوت ولا صدى كمن يمشي على الرمال، ولكن آثار خطواتك غائرة في الأعماق.
طوبى لك، إذا حضرت حضر الخير معك، وإذا تكلمت تساقطت درر الخير من فيك، وإذا فكرت اشتعل بأفكار الخير ذهنك، وإذا سكت فسكوتك لأجل الخير، وإذا صاحبت كنت ساحبًا صاحبك للخير، كالغيث أينما وقع نفع، وكالنجم في الأعالي يهدي ويدل ويرشد، ينبوع خير يتدفق بالنفع والبركة.
فأرِ الله من نفسك خيرًا، وأبواب الخير لا تعد ولا تحصى وكلها مفتوحة ومشروعة وتناديك أنت بالذات لأنك أنت الخير فلا تستصغر فعل الخير مهما كان بسيطًا.
قال صلى الله عليه وسلم: “رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين”.
أرأيت ما أسهل وصولك للجنة؟ إنه عمل بسيط تبتغي به وجه الله تعالى يكون مفتاحًا بيديك للسعادة الأبدية، حتى لو كان قطرة من ماء تقدمها لطائر. وليكن لك حظ ونصيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلمس حاجات الناس، والصبر على أذاهم، بل ليكن لك حظ في جميع أبواب الخير والبر ما استطعت إلى ذلك سبيلًا مبتغيًا في كل ذلك وجه الله عز وجل.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنوات”. وحين سُئِلَ الإمام مالك: “أي الأعمال تحب؟ قال: “إدخال السرور على المسلمين، وأنا نَذَرتُ نفسي أُفرِج كُرُبات المسلمين”.
ويقول المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي رحمه الله: “إنّ الإنسانية في حاجة عامة إلى صوت يناديها إلى الخير، وإلى الكفّ عن جميع الشّرور، وإنّها لحاجة أكثر إلحاحًا من سواها، لأنّ الإنسان توَّاق إلى الخير بفطرته، وأنّ مَن يرفع راية الخير قد يسدّ حاجة تشعر بها الإنسانية في أعماقها، ويحقّق لنفسه مكانًا كريمًا في المجتمع العالميّ. وفي هذا المجال يمكن أن يكون مجالنا إذا حقّقنا في سلوكنا معنى الآية الكريمة (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)”.