من دلالات الرد العسكري الإيراني
الشيخ رائد صلاح
قطع الرئيس بايدن إجازته الأسبوعية وعاد إلى مقر قيادته في البيت الأبيض، ودعا كبار المسؤولين في أمريكا إلى جلسة طارئة طويلة، ثم امتدت هذه الجلسة لساعات وساعات، بهدف الحفاظ على أمن المؤسسة الإسرائيلية، إذ أن الحفاظ على أمنها في حسابات بايدن هو أمانة في عنقه ولا يسمح لنفسه أن يضيّع هذه الأمانة!!
لأن وجود المؤسسة الإسرائيلية هو مشروع أمريكي، ولذلك فإن من البدهي أن الحفاظ على أمن وجود المؤسسة الإسرائيلية سيبقى مشروعًا أمريكيًا لدى كل رئيس أمريكي، بما في ذلك بايدن، وهذا ما دفع بايدن أن يستنفر القدرات العسكرية الأمريكية يوم السبت الموافق 2024.4.13 ليلًا للتصدي للهجوم العسكري الإيراني قبل أن يصل إلى أجواء المؤسسة الإسرائيلية.
فقامت الوحدات العسكرية الأمريكية بإسقاط الكثير من الصواريخ الإيرانية والمسيرات الإيرانية إلى جانب الوحدات العسكرية البريطانية والفرنسية، فبريطانيا وفرنسا وألمانيا والكثير من الدول الأوروبية تعتبر أن وجود المؤسسة الإسرائيلية هو مشروع غربي تلتقي فيه مع أمريكا وتتضافر مع أمريكا للحفاظ على أمن وجود المؤسسة الإسرائيلية!!
ولذلك فإن الجواب واضح لمن قد يتساءل ويقول: لماذا لم يقطع بايدن إجازته ولو لمرة واحدة مع تصاعد الكارثة الإنسانية في غزة؟!، لأن غزة ليست مشروعًا أمريكيًا، مما يعني أن الحفاظ على أمنها ليس مشروعًا أمريكيًا، ويوم أن يتضارب وجود المؤسسة الإسرائيلية مع وجود غزة في حسابات بايدن فإنه يقدّم وجود المؤسسة الإسرائيلية على وجود غزة، ثم يوم أن يتضارب أمن وجود المؤسسة الإسرائيلية مع أمن وجود غزة في حسابات بايدن فإنه يقدّم أمن وجود المؤسسة الإسرائيلية على أمن وجود غزة، ولو كان هناك رئيس أمريكي آخر غير بايدن لفعل كما فعل بايدن بالضبط، لأن موقف بايدن من المؤسسة الإسرائيلية ليس موقفًا شخصيًا، بل هو موقف المؤسسة الأمريكية الثابت من المؤسسة الإسرائيلية، على اعتبار أنَّ وجود المؤسسة الإسرائيلية هو مشروع أمريكي.
ويوم أن قام بايدن بهذا الدور فهو لم يكل بمكيالين كما قد يظن البعض، بل هو قام بهذا الدور وفق المكيال الأمريكي، ووفق هذا المكيال حافظ من سبقه من رؤساء أمريكا على وجود المؤسسة الإسرائيلية وعلى أمنها، وهو مُلزم بمواصلة هذا الدور الذي تمليه عليه إستراتيجيات المؤسسة الأمريكية، ولذلك يوم أن أصدر بايدن أوامره لإسقاط الصواريخ الإيرانية والمسيرات الإيرانية فقد كان مدفوعًا بالحفاظ على أمن المؤسسة الإسرائيلية كما لو كان مدفوعًا بالحفاظ على أمن المؤسسة الأمريكية، مما جعل الحفاظ على أمن تل أبيب في حساباته هو كالحفاظ على أمن واشنطن، ومما جعل الحفاظ على أمن القاعدة العسكرية (نفطيم) هو كالحفاظ على أمن أية قاعدة عسكرية أمريكية، ولذلك لم يتردد بايدن أن يخرج إلى أهل الأرض وهو يأكل البوظة الأمريكية ذات الحجم الكبير وهو يعلم خبر الكارثة الإنسانية التي لا تزال تأكل الأخضر واليابس في غزة!!
كما لم يتردد أن يخرج إلى أهل الأرض وهو يمشي هرولة لدى نزوله من طائرته المروحية الرئاسية ثم دخوله إلى البيت الأبيض، فلا عليه أن يُمارس هذه المراهقة الصبيانية رغم أنه ابن تسعين عامًا ويزيد، وأن يَدعّي أنه لا يزال في ريعان الشباب، وها هو يمشي هرولة، رغم أن رأسه قد اشتعل شيبًا، كل ذلك على حساب تصاعد أرقام الكارثة الإنسانية المُرعبة في غزة!!
ومما يؤكد ما أقول أن قناة الجزيرة أوردت تصريحًا على لسان أحد المسؤولين الأمريكيين الذين شاركوا بايدن في الاجتماع الطارئ يوم السبت الموافق 2024.4.13 ليلًا، حيث قال هذا المسؤول منتشيًا: لقد تنفسنا الصعداء عندما نجحت قواتنا بإسقاط الصواريخ الإيرانية والمسيرات الإيرانية قبل أن تدخل إلى أجواء المؤسسة الإسرائيلية!!، وهذا يعني أن بايدن وحاشيته يملكون الأحاسيس، بل يتمتعون بمشاعر مُرهفة، ولذلك قد ينتابهم القلق، وقد يمرون بحالات هَمّ يكونون فيها بأمس الحاجة أن يتنفسوا الصعداء، ولكن هي أحاسيس ومشاعر مبرمجة، تظهر في حالات وتختفي في حالات أخرى، وتحيى في مواقف وتموت في مواقف أخرى، وتثور في ظروف وتتبلد في ظروف أخرى، فهي الأحاسيس والمشاعر النفعية، رهينة النفعية الأمريكية التي توجه السياسة الأمريكية وتوجه رؤساءها، وتوجه مواقف المؤسسة الأمريكية، ولذلك فمن هي غزة في حسابات النفعية الأمريكية حتى تثير كارثتها الإنسانية أحاسيس ومشاعر بايدن وحاشيته، ومن هي في حسابات هذه النفعية الأمريكية حتى تضيق صدورهم قلقًا على كارثتها الإنسانية، ومن هي حتى يبحثون لها عن مخرج لمأزق كارثتها الإنسانية، كيما يتنفسوا الصعداء بعد ذلك!!
لقد سبقها صفحة إبادة الهنود الحمر، وما احتاج الساسة الأمريكيون يومها أن يبحثوا عن حل لإيقاف تلك الإبادة كيما يتنفسوا الصعداء!!، ولقد سبقها صفحة إبادة الشعب الفيتنامي ثم إبادة الشعب الأفغاني ثم إبادة الشعب العراقي، ولم يُحْدِث كل ذلك أي تأنيب ضمير لدى الساسة الأمريكيين مما قد يدفعهم للبحث عن حل لتدارك تلك الإبادات كي يتنفسوا الصعداء!!، وهكذا حال الكارثة الإنسانية في غزة، ولكن حال المؤسسة الإسرائيلية يختلف في حسابات النفعية الأمريكية، فوجود المؤسسة الإسرائيلية هو مشروع أمريكي في الأصل، والحفاظ على أمن وجود المؤسسة الإسرائيلية هو تلقائيًا أولوية قصوى في حسابات المؤسسة الأمريكية وحسابات كل رؤسائها كابرًا عن كابر!!
وهذا يُفسر شيئًا هامًا جرى يوم السبت الموافق 2024.4.13 ليلًا، فقد كادت المؤسسة الإسرائيلية أن تُبادر إلى رد عسكري على الهجوم العسكري الإيراني لولا أن تدخّل بايدن وحاشيته، ومنعوا المؤسسة الإسرائيلية من القيام بهذا الرد، وهذا يعني أن المؤسسة الأمريكية تملك القدرة أن تمنع المؤسسة الإسرائيلية عن القيام بأي تصرف إذا أرادت المؤسسة الأمريكية إملاء هذا المنع على المؤسسة الإسرائيلية وهذا يعني أن المؤسسة الأمريكية تملك القدرة أن توقف الكارثة الإنسانية في غزة، وعدم قيامها بذلك يعني أنها موافقة على استمرار هذه الكارثة الإنسانية في غزة، وهذا يعني كذلك أن المؤسسة الأمريكية تملك القدرة على وقف سياسة التجويع حتى الموت في غزة، وقادرة على فتح كل المعابر المغلقة بهدف إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وقادرة على فرض حماية عاملي الإغاثة وطواقم الأطباء ورجال الإعلام في غزة، وقادرة على فرض الحفاظ على حُرمة المستشفيات والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس في غزة!!
فماذا يعني عدم قيامها بكل ذلك؟! إن الجواب الذي يرفضه كل عاقل أن يُقال: إن المؤسسة الأمريكية حاولت القيام بكل ذلك وفشلت!!، أو أن يُقال: إن نتنياهو تمرد على بايدن!!، أو أن يُقال: إن المؤسسة الأمريكية لا تزال تُمارس ضغوطها على المؤسسة الإسرائيلية للقيام بكل ذلك!!، فإن كل هذه الأجوبة مرفوضة، وما هي إلا ذر للرماد في العيون، وما هي إلا استغفال يصل حد الاستهبال لشعوب الأرض بعامة ولشعبنا الفلسطيني بخاصة، مما يعني أن المؤسسة الأمريكية هي المسؤول الأساس عن الكارثة الإنسانية في غزة سيما إن إدارة بايدن خرجت إلى أهل الأرض قبل أيام (تبشرهم) أنها قد زودت المؤسسة الإسرائيلية بطائرات جديدة وقنابل جديدة بقيمة 2,5 مليار!!
الأمر الذي دفع (أنيل شيلان) أحد المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية الأميركية أن تقدم استقالتها، وأن تقول خلال مقابلة إعلامية لها مع قناة الجزيرة إنها استقالت لأنها وجدت من المستحيل القيام بتغيير في السياسة الأمريكية، فبعد أن عبّرت عن قلقها الشديد من سياسة واشنطن تجاه الحرب في غزة لم يستمع أحد لمخاوفها إزاء تبعات السياسة الأمريكية على المدنيين بغزة، وأضافت في هذه المقابلة وقالت: هناك الكثير من العاملين في وزارة الخارجية الأمريكية يحاولون محاسبة المؤسسة الإسرائيلية لكن بايدن لا يستمع لهم!!
كل ذلك يقوم به بايدن وحاشيته وهو يأكل البوظة علمًا أن 52% من الشعب الأمريكي يُعارضون إرسال مساعدات عسكرية إضافية للمؤسسة الإسرائيلية وعلمًا أن هيئة الأمم المتحدة باتت تتهم المؤسسة الإسرائيلية علانية أن ما تقوم به بغزة هو إبادة جماعية!!، ثم من الجدير ذكره أن الموقف الأمريكي الداعي إلى عدم الرد على إيران يبدو أنه مؤقت، فقد بدأت ترتفع أصوات مسؤولين أمريكيين تبدي تفهمها سلفًا للمؤسسة الإسرائيلية إذا ما قامت بالرد على المؤسسة الإيرانية، ويبدو أن الرد على المؤسسة الإيرانية في حسابات المؤسسة الإسرائيلية يكاد أن يكون محل إجماع حتى من المعارضة الإسرائيلية، بل إن البعض يدعو إلى رد سريع، وهذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة القريبة!!
ثم إن المتوقع إذا وقع رد عسكري إسرائيلي على المؤسسة الإيرانية أن يتبعه رد عسكري إيراني سريع على المؤسسة الإسرائيلية، مما يعني أن الشرق الأوسط سيدخل في مرحلة جديدة، قد تجر كل العالم أن يدخل في مرحلة جديدة.