ماذا لو تحدّت إسرائيل قرار مجلس الأمن الدولي؟
الإعلامي أحمد حازم
يتحدثون منذ فترة (ولا سيما الإدارة الأمريكية) عن اليوم التالي للحرب على غزة، وكأن الانتصار أمر حتمي، رغم أنّ اسرائيل لم تحقق هدفي الحرب، اللذين لا يزال نتنياهو حتى الآن “يتمتع” بتردادهما، وهما القضاء على حماس، وتحرير الاسرى. وأنا الآن أتساءل كمحلل عن يوم تال آخر، وهو اليوم التالي لقرار مجلس الأمن الدولي بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة خلال رمضان، الأمر الذي يعني أنَّ إسرائيل (قانونيا) أصبحت الآن ملتزمة بشكل أساسي، بوقف حربها خلال الفترة المتبقية لشهر رمضان، كما نصّ عليه قرار وقف إطلاق النار.
القرار يُشدّد أيضا على الحاجة الملحة لتوسيع نطاق تدفق المساعدة الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة بأكمله، وتعزيز حماية السكان، ورفع جميع الحواجز لتلبية الاحتياجات الإنسانية لأهل غزة وبامتثال الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون.
الولايات المتحدة التي تستخدم باستمرار حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين إسرائيل، فاجأت العالم هذه المرة بالامتناع عن التصويت، الأمر الذي سهّل عملية تمرير القرار الذي وافقت عليه 14 دولة، ومنها الجزائر، العضو العربي الوحيد بالمجلس، من أصل 15 دولة أعضاء في مجلس الأمن.
ولكن ماذا لو امتنعت إسرائيل عن تنفيذ القرار؟ هل سيتم اتخاذ إجراءات دولية ضدها بموافقة أمريكا التي لم تستخدم حق الفيتو لعرقلة القرار؟ وكيف ستتصرف أمريكا تجاه إسرائيل إذا تحدّت قرار مجلس الامن الدولي؟
إسرائيل وفور سماعها خبر الموافقة على قرار مجلس الأمن سارعت إلى الاعراب عن غضبها تجاه الإدارة الامريكية. فقد ذكرت الحكومة الإسرائيلية في بيان لها، أنّ “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ألغى زيارة الوفد الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة بسبب تغيّر الموقف الأمريكي، وأن امتناع أمريكا عن استخدام حق النقض خلال تصويت مجلس الأمن هو تراجع صريح عن سياستها المنهجية في مجلس الأمن منذ بداية الحرب على قطاع غزة”. وكان موقع “واي نت” الإخباري قد ذكر أنَّ بنيامين نتنياهو قال إنه سيلغي زيارة وفد مقررة إلى واشنطن إذا لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مقترح بمجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وكان من المقرر أن يزور وفد رفيع المستوى واشنطن لبحث عملية عسكرية إسرائيلية مزمعة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
نتنياهو، وباعتراف مسؤول أمريكي في تصريحاته لموقع “تايمز أوف إسرائيل” كان يبحث عن ذريعة لعدم إرسال الوفد إلى واشنطن، لأن ذلك سيجبره على التعامل مع بدائل أكثر واقعية لغزو رفح، ويضعه على خلاف مع شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين لا يريدون التنازل عن اجتياح رفح. إذًا، خلاف بايدن مع نتنياهو بشأن رفح، لا يعني ان أمريكا مع وقف كلي للحرب، بل العكس من ذلك، بمعنى أن بايدن يدعم استمرار الحرب ولكن حسب التصورات الأمريكية، ولذلك يخطئ من يظن وجود تغيير في النهج الأمريكي إزاء إسرائيل، وهذا ما أكده مستشار مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي في مؤتمر صحفي إذ قال: “إن قرار مجلس الامن الدولي غير ملزم، وبالتالي ليس هناك أي تأثير على الإطلاق على قدرة إسرائيل على مواصلة ملاحقة حماس”.
موقف الإدارة الامريكية في امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الامن الدولي الذي أتاح المجال للموافقة على القرار لا يعني أبدا تغيير موقف أمريكا من إسرائيل، بل هو موقف ضد نتنياهو. فالرئيس الأمريكي أراد تلقين نتنياهو درسا مفاده أن صبر واشنطن قد نفذ ولم يعد بايدن يتحمل صلافة نتنياهو اكثر من ذلك.
الإدارة الامريكية الحالية رأت نفسها مضطرة إلى تمرير القرار من أجل امتصاص غضب الشارع الأمريكي الذي يهيئ نفسه لانتخابات الرئاسة الامريكية والتي تلعب غزة دورا مهما فيها. ويرى محللون سياسيون أنَّ غزة انتجت انقساما كبيرا بين الكونغرس ومجلس الشيوخ وأحدثت شرخا عميقا داخل كتلة الحزب الديمقراطي بين مؤيدين لإسرائيل ومعارضين لها في الحرب على غزة.
مرة أخرى يُطرح السؤال: هل ستخضع إسرائيل لعقوبات من المجتمع الدولي اذا ماطلت في تنفيذ قرار مجلس الأمن؟ الإجابة على ذلك أفصحت عنها نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، في برنامج “هذا الأسبوع” على قناة ABC حيث ردّت على سؤال حول ما إذا كانت ستكون هناك عواقب إذا تحركت إسرائيل إلى رفح في هجوم بري كبير، بالقول: “سنأخذ الأمر خطوة بخطوة وأنا لا أستبعد شيئًا ولقد أوضحنا في محادثات متعددة أن أي عملية عسكرية كبيرة في رفح ستكون خطأ فادحا”.
بقي علينا القول إن إدارة بايدن تدعم إسرائيل منذ السابع من أكتوبر وقبله وتواصل تقديم الأسلحة ونتنياهو يعرف أنه لن يتمكن من مواصلة الحرب بدون دعم أمريكي. ولذلك من حقنا التساؤل عمّا إذا كانت نائبة الرئيس الأمريكي جادة فيما صرّحت به، أم أن كلام الليل يمحوه النهار؟ ننتظر لنرى أمرين: أولهما جدية الرئيس الأمريكي، وثانيهما نوعية العقوبات فيما لو تمّت.