هل أصبح حلم جماعات الهيكل المتطرفة بذبح البقرة الحمراء قريب المنال؟
ما زالت الضجة التي أحدثها وصول 5 بقرات حمراء إلى إسرائيل أواخر عام 2022 يتردد صداها منذ كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية عن وضعها في مزرعة سرية فور قدومها من ولاية تكساس الأميركية تمهيدا لذبحها وحرقها ونثر رمادها لـ”تطهير” اليهود والسماح لهم بحرية الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك، وهو أقصى ما تتمنى جماعات الهيكل المتطرفة تحقيقه في أولى القبلتين بالقدس المحتلة.
وتعود فكرة البقرة الحمراء -وفقا لعبد الله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة إسطنبول 29 مايو ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى- إلى نصوص المشناة (شروح التوراة)، وهي جزء من كتاب التلمود.
وتتلخص الفكرة في ضرورة ظهور بقرة حمراء خالصة ليس فيها شعرتان من لون آخر، ولم تستخدم لأي أعمال خدمة مطلقا، ولم يوضع في رقبتها حبل، وربيت في “أرض إسرائيل”، وعندما تبلغ العامين يمكن استخدامها في عملية تطهير ينبغي أن تجري فوق جبل الزيتون في القدس مقابل المسجد الأقصى، حيث يتم ذبحها ثم حرقها بشعائر وطريقة خاصة واستخدام رمادها في عملية “تطهير الشعب اليهودي”.
وبعد الانتهاء من هذا الطقس الديني -الذي ستلغى بانتهائه فتوى تحريم دخول اليهود إلى المسجد التي تتبناها الحاخامية الكبرى لإسرائيل بسبب وجود نجاسة الموتى التي تمنعهم من دخول المكان حسب العقيدة اليهودية- سيصبح الشعب قادرا على الصعود إلى المعبد (المسجد الأقصى) بعد أن أصبح طاهرا.
توقيت الذبح حان
وبعد التأكد من أنه يجب ذبح البقرة الحمراء بعد دخولها السنة الثالثة من عمرها -وهو ما تحقق- فإن الأكاديمي معروف أوضح أن الجديد الذي لا بد من الالتفات إليه هو ما تبين في الشريعة اليهودية بوجوب ذبح البقرة في يوم محدد من العام وهو يوم الثاني من أبريل/نيسان العبري الذي سيوافق 10 أبريل/نيسان الميلادي القادم، والذي سيصادف على الأغلب أول أيام عيد الفطر.
وفي سؤال لمعروف عما إذا كان هذا الطقس الديني سيشمل ذبح البقرات الخمس أو بقرة حمراء واحدة، أجاب بأن عملية الذبح ستشمل بقرة واحدة على الأرجح، لأن ظهور بقرة حمراء مطابقة للنصوص اليهودية المقدسة يعتبر مسألة نادرة الحدوث في وقتنا الحاضر، ورغم أنه تم تجهيز 5 بقرات لهذا الطقس الخطير فإن الذبح لن يشملها جميعا.
وفي حال نُفذ ذلك فإن المتحدث يرى أن المواجهة مع الاحتلال ستنتقل إلى مستوى جديد تماما.
ما الجديد؟
وقال معروف إنه في حال تمكنت الجماعات المتطرفة من تنفيذ ما تفكر فيه وتخطط له بإجراء طقوس التطهير من خلال ذبح بقرة حمراء فإن المواجهة ستنتقل إلى مستوى مختلف تماما، لأن إجراء عملية التطهير سيفتح المجال من الناحية الدينية لإلغاء فتوى الحاخامية الكبرى بمنع اليهود من دخول منطقة المعبد، حسب رؤيتها.
وبالتالي فإن ذلك يعني أن عدد الذين سيتشجعون للانضمام إلى الجماعات المتطرفة في اقتحامات الأقصى سيتضاعف من 4 إلى 10 مرات، وإن كان المتطرفون لم يتمكنوا حتى الآن من حشد أكثر من 2200 مستوطن لاقتحام المسجد في يوم واحد فإنهم سيتمكنون من جمع ما بين 10 إلى 20 ألف مستوطن في اليوم الواحد.
و”هنا منبع الخطورة الأساسي في الأقصى الذي قد نشهد بسببه مواجهات على مستويات أوسع بكثير بين المسلمين والمستوطنين فور إلغاء فتوى الحاخامية الكبرى في إسرائيل بمنع اليهود من الصعود إلى المعبد وفق معتقداتهم”، حسب معروف.
وعما يعنيه أن يتزامن تنفيذ هذا الطقس الديني الخطير مع الحرب الإسرائيلية على غزة، أكد معروف أنه لا يمكن إغفال علاقة هذا الحدث بالحرب، فجماعات الهيكل المتطرفة التي تمثل ذروة التيار الكاهاني الخلاصي المتطرف في دولة الاحتلال تسيطر فعليا على الدولة، وهي التي تدير شؤون الحرب وأحد أهم أسباب استمرارها.
انصياع حكومي
وأضاف معروف أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصاع بالكامل لإرادة تيار الصهيونية الدينية الذي تتبع له هذه الجماعات المتطرفة التي ترى أن أحد أهم مظاهر انتصارها الذي تنشده في هذه الحرب هو إحكام السيطرة على الأقصى ردا على المقاومة الفلسطينية التي أطلقت عمليتها تحت اسم الأقصى وتحت شعار الدفاع عنه والحفاظ عليه.
ويبقى موضوع التنفيذ وتوقيته متعلقا بالسجال المستمر في إسرائيل بين من لا يخفي من الأجهزة الأمنية خشيته من تهور هذه الجماعات اليمينية ومحاولاتها جر المنطقة إلى حرب دينية وبين تيار الصهيونية الدينية الذي يسيطر على وزارات مهمة، على رأسها وزارتا الأمن القومي -التي تسيطر على جهاز الشرطة بقيادة الوزير إيتمار بن غفير– والمالية التي يقودها بتسلئيل سموتريتش أحد أهم أركان الجهات الداعية لإجراء هذا الطقس كونه ملتزما بقرار الحاخامية بتحريم اقتحام الأقصى في الوقت الحالي.
وختم الأكاديمي معروف حديثه بالقول إن هذه الجماعات ترى أن مصلحتها إعلان انتصارها في هذه الحرب انطلاقا من الأقصى، وإسرائيل بحكومتها اليمينية الحالية تسير بشكل كامل وراءها، وبالتالي فإن الموضوع لن يتعلق بسماح سلطات الاحتلال بتنفيذ هذا الطقس أو بمنعه، بل برد فعل الشعب الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي تجاهه.
وردود الفعل هي الشيء الوحيد الكفيل بترجيح كفة أحد الطرفين في إسرائيل، سواء التيار الذي تمثله أجهزة الاستخبارات التي تخشى الاقتراب من الأقصى سعيا منها لعدم نقل المعركة إلى مساحات أوسع بكثير، أو التيار الذي تمثله الشرطة الذي يريد توسيع المعركة وتحويلها إلى منحى ديني سعيا لتنفيذ الرؤية الخلاصية.
المصدر: الجزيرة