حرّك قطعة السكر
ليلى غليون
قد يكون في حياة كل واحد منّا نبتة حزن امتدت جذورها إلى أعماق الوجدان، فتركت في حياته بصمات غائرة من الألم، ولكن هناك بالمقابل مساحات واسعة في حياة كل منا يمكن استثمارها لنزرع فيها نبات الفرح والأمل متعددة الألوان والأشكال إذا أردنا ذلك، وقد تغرقنا الهموم أحيانا حتى نظن الحياة ليست إلا مسرحًا للأحزان نحن أبطالها، ولكن في غمرة هذا قد ننسى أو نتجاهل أو لا نبصر جيدًا، أن هذه الحياة كما يلفها ليل شديد السواد، تحيطها الأقمار والنجوم والشموس تهدي أنوارها بلا مقابل ولا جزاء ولا شكورًا، تبدد ما علق في زوايا النفوس من ظلام وعتمة وتبث فيها السكينة والحيوية فلا تتركها أسيرة الأحزان والهموم، فالحياة كما تزخر بالمشاكل والأزمات والمطبات الموجعة، إلا أنها بالمقابل لا تخلو من محطات الفرح والفرص الذهبية، فما من أزمة إلا وفي رحمها فرج، وما من مشكلة إلا ولها وحل وقد لا تحتاج إلا قليلًا من البحث والتنقيب والتفكير.
– انظر حولك بهدوء نفس وأمعن النظر، لماذا لا ترى عيناك سوى الأشواك والصخور والحجارة؟! لماذا لا تركز إلا على هذه الزاوية فقط؟ تمعن جيدًا وأطلق لناظريك العنان يتجولان في فضاء الحياة الفسيح، ألا ترى معي بجانب تلك الأشواك أزهارًا خلابة مصطفة حولك وقد عانقتها قطرات الندى فتمايلت طربًا بشجو الطيور المحلقة فوقها؟ ألا ترى معي تلك الأشجار التي تحتضنك بأغصانها وتظللك بظلالها وتغنيك بثمارها؟ ألا ترى مسحة الجمال الخضراء تكسو الروابي والسهول والجبال فتضفي على القلب راحة وسكينة واطمئنانًا يسبح ربًا كريمًا وخالقًا عظيمًا يتلو: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه..)، (صنع الله الذي أتقن كل شيء…).
– لماذا تجلس مكتوف اليدين تنتظر من يغرس في قلبك وردة، لماذا لا تكن أنت من يغرسها؟ فسعادتك قرار منك ومن صنع يديك وفي مصنع داخل نفسك وليس خارجها، أسقها من مياه توكلك ويقينك وثقتك بمن بيده الأمر كله، بل لماذا تنتظر من يغرسها وأنت القادر على ذلك وقد يطول انتظارك عبثًا؟ فقم وبادر واستعن بمولاك جل جلاله واطلب المدد منه، وحرك الخير في نفسك وستكتشف أن للحياة طعمًا آخر، وأن الحياة ليست كما تظن وشاحًا أسود، أرأيت قطعة السكر وأنت تضعها في كوب الشاي وقد نسيت تحريكها ثم تقول: ما أمرّ هذا الكوب، ويا لهذا الطعم العلقم، فقط حركها وارتشف مذاقًا حلوًا طيبًا، حركها وحرك مكنون الأمل ودعه ينطلق من ذاتك ليعم صداه ونفعه على الآخرين، لماذا تصر أن تغرس أنت بيديك شوكة الحزن في قلبك فتدمي هذا القلب بالهم والغم وتقول: حظي …نصيبي.
– لماذا تجلس منتظرًا من يسعد يومك ويسكن عواصف قلبك ويمسح دمعة عينك، فماذا تنتظر؟ ولم لا تنسج أنت بأنامل ذاتك من خيوط الأمل وشاحًا تدغدغ به روحك… لا تقل كيف؟ وأين؟ ومن أين؟ انظر حولك بعيني اليقين، بعيني الثقة بالمنعم المتفضل جل في علاه، حتمًا ستجد ضالتك ومففقودك، فالأمر بين يديك ولا يحتاج سوى مسحة خفيفة تزيل عنك ما علق من غبار الحجب لينكشف جليًا أمام عينيك.
– ولا أدري لماذا لا زلت تنتظر من يأتي ليضيء لك شمعة، تجلس في الظلمة على مقاعد الانتظار، تنتظر بارقة أمل أو ومضة فرح تأتي من هنا وهناك، ابحث أنت عن هذه الشمعة وكن مطمئنًا فإنك لن تبحث عنها كثيرًا، فقد تكون أنت تلك الشمعة وأنت لا تدري، وتلك الومضة وأنت لا تعلم، تنير وتسعد ليس ذاتك فقط بل ويعم خيرها وضياؤها على من حولك.
– إذا تعثر بك الحال، وعصفت بك الأهوال، فهذا وارد وما الحياة إلا ابتلاء، فزد يقينًا واستبشر أن هذا الابتلاء سيعقبه فرج آت لا محالة، فالذي وعدك بالفرج رب العباد مسخر الأسباب لا يخلف وعده، وأمره بين الكاف والنون، يطمئن روحك ويسكن هيجان قلبك بآية تشرح الصدور تكررت مرتين لتزيل عنك كل ذرة شك بقدوم الفرج: (إن مع العسر يسرى إن مع العسر يسرى).
– فإذا التوت قدماك فزلت، انهض ولا تقل سقطت، انتهيت، هذه هي النهاية، بل انفض عنك غبار الزلل، وامض في طريقك فأمامك مشوار طويل عليك أن تجتازه بمرضاة مولاك جل في علاه، واعلم أن وخزات الألم ستمحوها دقائق الزمن وبشريات الأمل من رب كريم وستصبح في طي النسيان، لا تقل طال زمان الألم واسود ليل الظلم فلا زالت البشريات تتدفق أنهرًا جارية تزيل كل عوالق اليأس والقنوط المغروزة في طريقك: (يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا).
– تمسك بخيط الأمل ولو كان بعيدًا، ولو بدى تحقيق هذا الأمل في الأسباب المادية والبشرية بأنه مستحيل وغير قابل للتحقيق، هل قرأت كلمة مستحيل في كتاب الله سبحانه؟ حاشا لله، هل قرأت كلمة مستحيل في السنة المطهرة على صاحبها أكمل الصلاة وأتم التسليم؟ لا والله، فشريعتنا لا يحوي قاموسها إلا الأمل ومرادفاته وكل ما يتعلق به، وشريعتنا نبذت كل مصطلحات العجز والتثبيط، فتمسك ولا تعجز.
– تقدم، فالنور يضيء الطريق وقل سأمضي، سأعمل فالقافلة تسير. ألا ترى الشمس كم هي بعيدة، ولكنها ترسل جدائلها الذهبية تصافح الأرض مع إطلالة كل صباح بلا كلل ولا ملل ولا يأس ولا خور.
– مزق رداء السلبية وضعه تحت قدميك، فإن ضاع أمسك، فأنت ابن يومك، فعش يومك ولا تجتر ألام الماضي فتعيشها مرتين، مرة بأمسك ومرة بحاضرك، اجعل من أمسك سلمًا ترتقي به إلى ما يسعد يومك، فالعاقل من تعلم من دروس الماضي واتخذ منها عظة وعبرة ليومه، بل لمستقبله، فاجعل من يومك ربيعًا تجدد فيه ما سقط وتبعثر من أوراق أمسك وارسم ملامح هذا اليوم بريشة فنان أبدع في تصوير لوحاته.
وأخيرًا، اعمل لهذه الدنيا بقدر بقائك فيها واعمل لآخرتك بقدر مكوثك فيها واعمل لله بقدر حاجتك إليه.. وليتك تدري عظم حاجتك إليه!!