دموع التماسيح الغربية
الشيخ رائد صلاح
ماذا يعني أن يواصل الخطاب الغربي على صعيده الأوروبي- الأمريكي حتى الآن، وبعد أن تفاقمت الكارثة الإنسانية في غزة أن يواصل التأكيد علانية أن من حق المؤسسة الإسرائيلية أن تُدافع عن نفسها؟! لا يوجد إلا معنى واحد لهذا الخطاب وهو مواصلة إيقاع هذه الكارثة الإنسانية على غزة، بعد أن تحولت هذه الكارثة إلى كوارث، وبعد أن أصبح كل يوم يمر على غزة يشهد إيقاع كارثة جديدة يُضاف إلى سيل هذه الكوارث.
وها هي الأرقام التي باتت في تصاعد والتي تحكي عن عدد القتلى من الأطفال والنساء والمدنيين، وعن عدد المفقودين والمرضى، وعن عدد العمارات السكنية المُدمرة، وعن عدد المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات التي وقع عليها القصف، ها هي هذه الأرقام التي تزداد كل دقيقة تمرُ على غزة تؤكد هول هذه الكوارث الإنسانية المُتلاحقة التي لا تزال تقع على غزة كوقع المطر بلا توقف.
وماذا يعني أن يُواصل الموقف الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي مواصلة تقديم الدعم العسكري والسياسي والإعلامي والاقتصادي للمؤسسة الإسرائيلية حتى الآن في الوقت الذي باتت تضج فيه الأرض من فداحة الكارثة الإنسانية في غزة؟! لا يوجد إلا فهم واحد لهذا الدعم غير المحدود وهو أن مفردات الكارثة الإنسانية في غزة تقع بالسلاح الأوروبي – الأمريكي، وبالتبرير السياسي الأوروبي – الأمريكي، وبالرواية الإعلامية الأوروبية – الأمريكي، وبالنفقات الاقتصادية الأوروبية – الأمريكية، وكأن المؤسسة الإسرائيلية أضيفت إلى قائمة الدول الأوروبية الغربية أو إلى قائمة الولايات الأمريكية !!، ثم إن لزم الأمر فالفيتو البريطاني والفرنسي والأمريكي جاهز فورًا لإحباط كل قرار جاد قد يُدين المؤسسة الإسرائيلية في هيئة الأمم المتحدة وسائر أذرعها التي خرجت إلى التقاعد أصلًا!!، ثم ماذا؟!
ثم ها هي دموع التماسيح الغربية الأوروبية –الأمريكية وخطابها المقرف الأوروبي– الأمريكي لا يزال يستفز ضحايا الكارثة الإنسانية بغزة في قبورهم، ولا يزال يستفز المُشردين بغزة وهم بمئات الآلاف، ولا يزال يستفز بغزة الأرامل والأيتام والمرضى والجياع والحُفاة والعُراة والعطشى، بعد أن باتوا موقنين أن دموع هذه التماسيح الغربية قد تبدو في ظاهرها دموعًا تسيل على خديّ ماكرون وشولتز وسوناك وبايدن وبلينكن وأوستين وبوريل وسائر جوقتهم، ولكنها في حقيقتها شواظ نار ملتهب لا يزال يحرق الأخضر واليابس، والأحياء والأموات في غزة !!، وبعد أن باتوا موقنين بغزة أن هذا الخطاب الغربي الأوروبي – الأمريكي المُقرف، قد يبدو ظاهره رحمة ولكن باطنه عذاب!!، وها هي هذه التماسيح الغربية بعد أن انقطع (شرش الحياء) فيها ها هي لا تزال تتنقل بطائرتها الفاخرة وخطابها المُقرف بين الكثير من عواصم الدول العربية والمُسلمة، ولا تزال تعقد مؤتمرًا صحفيًا في كل عاصمة من هذه العواصم، وقد انتصب خلفها علم الدولة الغربية التي تنتمي إليها بجوار علم العاصمة العربية والمُسلمة المُضيفة، ثم لا تزال عبر قنوات عربية ومُسلمة وبالبث المباشر تسكب دموعها التمساحية وتُطلق مفرقعات من خطابها المُقرف، وهكذا باتت هذه التماسيح الغربية الأوروبية والأمريكية تجمع بين أمرين: مواصلة إرتكاب الكارثة الإنسانية في غزة، ومواصلة سكب دموعها التمساحية والإدلاء بخطابها المُقرف، دون أن يؤنبها ضميرها إن كان حيًا أصلًا، ودون أن ترف لها رموش عين.
وحول هذا المشهد الفاضح لهذه التماسيح الغربية التي ما عادت تمثل أي صاحب ضمير حي من شعوبها أسجل هذه الملاحظات:
1. في الوقت الذي لا تزال فيه هذه التماسيح الغربية هي المسؤول الأول عن الكارثة الإنسانية بغزة، ها هي تذرف دموعها التمساحية وتواصل المُطالبة بتجنب قتل المدنيين بغزة، فهل هناك أنجس من هذه الدموع، وهل هناك أقرف من هذا الخطاب.
2. وها هي تُطالب بضرورة عودة المُشردين إلى شمال غزة!!، وهل شرّد هؤلاء المُشردين إلا سلاحها؟!، وهل قتل أطفال هؤلاء المُشردين إلا سلاحها؟!، وهل قتل أمهات وزوجات وأخوات هؤلاء المُشردين إلا سلاحها؟!، ولماذا تُطالب بعودتهم إلى شمال غزة؟!، هل لتحفظ لهم الحق بالحياة؟!، أم لتُجهز على من تبقى منهم حتى تتحول غزة إلى (أرض بلا شعب)!!، وهل حقًا غاب عن هذه التماسيح الغربية أن من المُستحيل عودة هؤلاء المُشردين إلى شمال غزة إلا بعد وقف إطلاق النار الدائم؟! فلماذا لا تفرض ذلك وهي القادرة على ذلك؟!، يا لخزي وعار دموع هذه التماسيح الغربية وخطابها المُقرف.
3. وها هي تتبجح قائلة وكأنها تصنعُ معروفًا لأهل غزة : إنها ترفض إجلاء سكان غزة منها؟! لماذا؟! هل ليظلوا أحياء ينعمون بالحرية والاستقلال والسكينة والطمأنينة أم ليظلوا تحت قصف أسلحتها التي ينقص قدر فحشها إن قلنا إنها نازية؟! ولأن من الحزم سوء الظن فمن حقي أن أتساءل: لماذا تريد هذه التماسيح الغربية الإبقاء على مُشردي غزة بغزة ؟!، وماذا وراء الأكمة يا تُرى؟!، ها هناك مُخطط في حسابات هذه التماسيح الغربية لتحويل غزة إلى محمية طبيعية، كالمحميات التي أقامتها في أفريقيا، مع فارق أساس هو أن تلك المحميات الطبيعية تضم حيوانات في أفريقيا أم المحمية الطبيعية بغزة فستضم بشرًا إسمهم أهل غزة!!، وهكذا ستضمن لهم هذه التماسيح الغربية الحق بالطعام والشراب والنوم فقط !!، وستفصلهم وستفصل غزة عن العالم بعامة وعن إمتدادها الفلسطيني بخاصة!!، وهل هذا يعني أن هذه التماسيح الغربية تحاول فرض تجربة أمريكا مع محميات الهنود الحمر على غزة؟! تبّت أنيابكم وأظافركم أيتها التماسيح الغربية.
4. وها هي هذه التماسيح الغربية توغل في الوقاحة إلى حد الفجور السياسي وتلح مطالبة بمضاعفة إدخال المُساعدات الإنسانية إلى غزة ؟! لماذا أيتها التماسيح ؟! هل تُريدون أن تسمّنوا أطفال غزة ونسائها ورجالها حتى تقتلهم أسلحتكم وهم سمينون بدل أن تقتلهم وهم يعانون من الهزال؟! هل هناك أوقح منكم ؟! وهل هناك أسفه منكم ؟! وهل هناك أقل حياء منكم؟!
5. والعجب كل العجب أن (الحنون بلينكن) وزير الخارجية الأمريكي كاد أن يبكي خلال مؤتمر صحفي بالدوحة عندما تحدث عن مقتل الشاهد الشهيد الصحفي حمزة وائل الدحدوح!!، وهل قتله إلا سلاحك أيها الكاوبوي الأمريكي (بلينكن)؟!، ألا تخجل على نفسك وأنت تحاول تمثيل دور الثكلى في هذا المؤتمر الصحفي، وكأنك في فلم من أفلام هوليود التي غزوتم بها العالم!!، ثم ألا تدري أن الذي قتل زوج وائل الدحدوح وبعض أبنائه وبعض أفراد أسرته وذريته في بدايات هذه الكارثة الإنسانية بغزة هو سلاحك الأمريكي؟!، ثم ألا تدري أن الذي قتل مائة وتسعة شاهدًا شهيدًا من أسرة الإعلاميين الفلسطينيين بغزة خلال هذه الكارثة الإنسانية بغزة هو سلاحك الأمريكي نفسه ولا يزال عدد هؤلاء الشهود الشهداء يزداد؟! ولذلك من العدالة أن نقول:
سلاحك الأمريكي هو القاتل!!، ولأنك أنت من ضمن التماسيح الأمريكية التي قررت وباركت إرسال هذا السلاح إلى المؤسسة الإسرائيلية فأنت القاتل يا بلينكن.