تطويق واختراق وتشتيت.. مخاطر تغلغل الاستيطان شرقي القدس
على بعد أمتار من منازل المقدسيين في بلدة أم طوبا جنوب القدس سيقام الحي الاستيطاني الجديد “نوفي راحيل” الذي سيضم 650 وحدة سكنية بمبادرة مشتركة بين دائرة “حارس أملاك الغائبين” التابعة لوزارة القضاء الإسرائيلية وشركة عقارية يسيطر عليها نشطاء يمينيون.
ووفقا لصحيفة هآرتس الإسرائيلية فإن “نوفي راحيل” هو الحي الرابع الذي روجت له دائرة “حارس أملاك الغائبين” في شرقي القدس في السنوات الأخيرة.
وبحسب المنظمات التي تراقب البناء في المستوطنات فإن الأحياء الـ4 ستضم نحو 3000 وحدة سكنية جديدة لليهود في شرقي المدينة، تم الترويج لها بشكل استثنائي وحصلت على موافقات سريعة في جهاز التخطيط خاصة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.
وأشارت صحيفة هآرتس إلى تقرير أعدته منظمتا “عير عميم” و”بمكوم” الحقوقيتان الإسرائيليتان وجاء فيه أن لجان التخطيط روجت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم لـ17 مخططا هيكليا لليهود في شرقي القدس بواقع 8434 وحدة سكنية.
تطويق واختراق وتشتيت
الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي إن حي “نوفي راحيل” هو أحد الأحياء الاستيطانية التي تندرج تحت مظلة المشروع الأمني الأشمل الذي يطلق عليه “التطويق والاختراق والتشتيت”.
ولخص التفكجي هذا المشروع بالقول إن التطويق يتم من خلال محاصرة البلدات المقدسية بالشوارع الاستيطانية والمستعمرات، وفصلها عن بعضها لتصبح معزولة تماما، ثم تبدأ سياسة الاختراق المتمثلة بالبناء الاستيطاني داخل البلدات العربية، والانتقال إلى مرحلة التشتيت بتحويل كل بلدة في شرقي القدس إلى حي ضمن المستوطنات الإسرائيلية.
وحول تسارع وتيرة المصادقة على مخططات الأحياء الاستيطانية الجديدة في شرقي القدس، أوضح التفكجي أن الجمعيات اليمينية تستغل مشروع “تسجيل وتسوية الأراضي” الذي أعلنت عنه الحكومة الإسرائيلية منتصف عام 2018، وتبحث هذه الجمعيات عن أراض تدّعي أن ملكيتها تعود لليهود قبل عام 1948 وتحاول بناء أحياء جديدة عليها.
وعن إمكانية توسع حي “نوفي راحيل” الجديد الذي سيقام على مساحة 12 دونما ونصفا (الدونم يساوي ألف متر مربع) أكد التفكجي أن ذلك وارد عبر محاولة مصادرة مزيد من الأراضي “للمصلحة العامة” أو لإقامة مدرسة أو حديقة.
استغلال الحرب
بدوره قال الباحث في الشأن المقدسي فؤاد أبو حامد إن المستوطنات الجديدة تهدف إلى فصل الأحياء الفلسطينية في جنوب القدس عن بعضها، وإلى الحد من تطورها وتوسعتها.
ومن الأمثلة على هذه المستوطنات تلك التي ستقام في حي “أم ليسون” لفصله عن جبل المكبر، بالإضافة لمستوطنات “تلال أرنونا” و”جفعات شاكيد” و”قناة الماء” و”جفعات همتوس” التي ستُفصل من خلالها بلدات القدس عن بعضها من جهة، وبلدات القدس الجنوبية مثل صور باهر وأم طوبا وبيت صفافا عن مدينتي بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا جنوبا، من جهة أخرى.
وأضاف الباحث المقدسي أنه منذ السابع من أكتوبر وتحت ستار الحرب، صادقت اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء على أكثر من 9 آلاف وحدة سكنية للمستوطنين في مستوطنات جديدة وأخرى قائمة في مدينة القدس، ضمن إجراءات تنظيمية سريعة تستغرق عادة سنوات للانتهاء منها.
وتطرق أبو حامد إلى خطورة التوسع في هذه الأحياء الاستيطانية التي تختلف في طبيعتها عن المستوطنات الكبيرة كونها تقام في قلب الأحياء المقدسية أو ملاصقة لها تماما فتحد من توسعها وتُسهّل السيطرة الأمنية والسياسية عليها.
وختم الباحث حديثه بالقول إن بلدتي صور باهر وأم طوبا المتلاصقتين محاطتان بالمستوطنات وبالجدار العازل من كل الجهات، إذ تحدهما من الشمال مستوطنة “أرمون هنتسيف” ومن الشمال الغربي مستوطنة “تلال أرنونا” ومن الجهة الجنوبية مستوطنة “هار حوماه” ومن الجهة الشرقية الجدار العازل بمحاذاة حي وادي الحمص.
ويفترض أن يُنشأ الحي الاستيطاني الجديد “نوفي راحيل” بين هاتين البلدتين المقدسيتين الواقعتين جنوب المدينة على مقربة من بلدتي بيت صفافا وشرفات اللتين ستقطع الأحياء الاستيطانية الجديدة التواصل معهما أيضا، ومع بلدة جبل المكبر المنكوبة بالمستوطنات والمشاريع الاستيطانية.
السرقة الكبرى
وأصدرت منظمتا “عير عميم” و”بمكوم” الحقوقيتان الإسرائيليتان في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم تقريرا حمل عنوان “السرقة الكبرى للأرض” وتطرقتا فيه إلى الجهود التي بذلتها إسرائيل مؤخرا لتسجيل ملكية الأراضي في شرقي القدس، وهو ما اعتبرته الجمعيتان التهديد الأكثر خطورة الذي يواجه السكان الفلسطينيين ويحمل في طياته احتمالات التهجير الجماعي والسلب.
واعتبرت المنظمتان أن إجراء تسجيل الأراضي “التسوية” هو الأكثر إثارة للقلق لأنه سيتم بموجبه تسجيل الممتلكات الفلسطينية التي استولى عليها المستوطنون في “الطابو” بطريقة لا رجعة فيها تقريبا.
وتمكنت المنظمتان الحقوقيتان من تحديد 201 كتلة (موقع أو تجمع) في شرقي القدس تم إطلاق مشروع تسوية الأراضي فيها، وأكثر من ثلث هذه الكتل تقع في بلدة بيت حنينا شمال المدينة.
وتابعت المنظمتان كُتلا تتكون من 5 آلاف دونم، ووجدت أن 75% منها يخدم مصالح الدولة أو المستوطنين بشكل مباشر، وأنه لا يمكن الإشارة إلى كتلة واحدة يتم تطويرها بشكل واضح لصالح السكان الفلسطينيين.
وتتسم عملية تسوية ملكية الأراضي بانعدام تام للشفافية حسب التقرير، لأن الدولة تقوم بالترويج لتسوية حقوق الملكية بشكل عام دون إخطار السكان الفلسطينيين.
وتطرقت المنظمتان إلى استخدام إجراءات تسوية حقوق الملكية من أجل تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم من خلال عدة آليات قانونية أبرزها تطبيق قانونين تمييزيين هما: قانون “أملاك الغائبين” الذي أُقرّ عام 1950، وقانون “المسائل القانونية والإدارية” الصادر عام 1970.