حرب سياسية بشعة على وكالة إغاثة الفلسطينيين “أونروا UNRWA”.. لماذا؟
الإعلامي أحمد حازم
بعد إصدار محكمة العدل الدولية قرارها بشأن التدابير المؤقتة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، سارعت إسرائيل للبحث عن طريقة للتغطية على هذا الحدث. فقد قام مسؤولون إسرائيليون باطلاع صحيفتيّ New York Times و Wall Street Journal الأمريكيَّتين على وجود موظفين ينتمون لحماس في وكالة “الأونروا” التابعة للأمم المتحدة والمختصة بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. والهدف من الإبلاغ واضح الآن: وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة الوحيدة في غزة.
دول غربية ابتلعت “الطعم” الإسرائيلي، وسارعت بسرعة البرق بدون التحقق في الأمر إلى تعليق تمويلها للأونروا، التي توفِّر حاليًا المأوى لأكثر من مليون فلسطيني نازح في غزة ولديها 13 ألف موظف في قطاع غزة.
تعالوا ننظر الى أسباب محاولة إسرائيل دفع الأونروا إلى الانهيار من خلال شنّ حرب سياسية قوية ضدها. لقد كشفت الأونروا في بياناتها خلال العدوان الإسرائيلي الذى دخل شهره الرابع، حجم بشاعة القتل في غزة، وكشفت أيضا أن أغلب الذين سقطوا هم نساء وأطفال ومسنين.
الحرب على وكالة (أونروا) قديمة وليست جديدة، وكثيرا ما سَعَتْ إسرائيل لإلغاء هذه الوكالة الدوليَّة التي أقيمت وفقًا للقرار الأُممي رقم (302) في 8 كانون الثاني/يناير عام 1949، بهدف تقديم المساعدة للاجئي فلسطين في مناطق اللجوء المعروفة.
مندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة، “آبا إيبان” سئل، عما إذا كانت إسرائيل ستحترم التزاماتها بموجب القرار 194. أجاب إيبان: “يمكنني أن أقدم إجابةً إيجابية غير مشروطة ما إذا كنا سنتعاون مع أجهزة الأمم المتحدة بكل الوسائل المتاحة لنا لتنفيذ القرار المتعلق باللاجئين”. وهذا الجواب يعطي دليلا واضحا على ان إسرائيل لا تريد التعاون مع أي جهة أممية تعمل لإغاثة الفلسطينيين مثل الأونروا.
إسرائيل لا تربطها علاقة جيدة بالأونروا، وكثيرا ما سعت على مدار سنوات طويلة إلى تصفية وجودها بعرقلة عملها والتحريض ضدها. ومثال على ذلك دعوة نتنياهو في عام 2018، إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود “الأونروا”؛ متهما إياها بالعمل لصالح الفلسطينيين وتخليد قضية اللاجئين.
بيانات وتصريحات لمسؤولين في الاونروا التي اتهمت إسرائيل بقصف أهداف مدنية بما فيها مدارسها ومراكز الإسعاف مثل تصريحات المفوض العام لـ”الأونروا” فيليب لازارينى، أثارت غضب اسرائيل مما دفع بوزير الخارجية الإسرائيلي الى القول، إن “اسرائيل ستسعى إلى منع الأونروا من العمل في غزة بعد الحرب”. كما أنّ “الأونروا” حذّرت في تغريدة لها على حسابها عبر منصة إكس، من أن سكان غزة “يموتون أمام أعين العالم في كارثة فريدة من نوعها وان أزمة الجوع والمأساة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم بقطاع غزة “. ولا ننسى القول إنّ “الأونروا” تعرِّف اللاجئ الفلسطيني بأنه الشخص الذي كان مكان إقامته فلسطين والذي فقد موطنه نتيجة الحرب.
حتى ان ضباطا في جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد سلوك اسرائيل تجاه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا. فقد ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن ضباطا كبارا في الجيش قدموا توصية لرئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي بوقف حملة التشويه الواسعة ضد الأونروا في الوقت الراهن. ونصح الضباط بعدم توسيع نطاق تشويه الوكالة في هذه الأوقات.
عل كل حال تعالوا نعود لتعليق تمويل الاونروا من دول غربية وامريكا بسبب اتهام إسرائيل للوكالة بدعم حماس وبأن 12 من موظفيها دعموا حماس في عملية السابع من أكتوبر. ما هذا الهراء؟ يعمل في وكالة الاونروا ثلاثون ألفَ موظفٍ، منهم (13) ألفًا في قِطاع غزَّة. ولو افترضنا جدلًا ان (12) مِنْهم قاموا فعلًا بدعم حماس كما تدّعي إسرائيل، فهل من المعقول معاقبة (13) ألفَ موظفٍ ومعاقبة مليوني شخص يستفيدون من خدمات الوكالة؟
والسؤال المطروح: لماذا سارعت بعض الدول الغربية وأمريكا لمعاقبة وكالة الاونروا بسبب 12 شخصا بينما لم تعاقب إسرائيل عندما قام جيشها بمسح (140) مركزًا للوكالة وتحويَلها إلى ركام فوق ركام، وبقتل 120 موظفا من الاونروا في غزة أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني، وهو العدد الأكبر لقتلى الأُمم المُتَّحدة في الأزمات الدوليَّة منذ تاريخ تأسيسها وفقًا لِمَا صَرَّح به الأمين العامُّ لهيئة الأُمم المُتَّحدة أنطونيو جوتيريش، والَّذي صُعِقَ بما أعلنته واشنطن وبعض الدوَل عن توقيف تمويل الوكالة؟
المفوَّض العامُّ لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني على حق في قوله في بيان له: “إنَّه لأمْرٌ صادم أن نرَى تعليق تمويل الوكالة كردِّ فعلٍ على الادِّعاءات ضدَّ مجموعة صغيرة من الموظفين، لا سِيَّما في ضوء التدابير الَّتي اتَّخذتها الوكالة الأُمميَّة الَّتي يعتمد عَلَيْها أكثر من مليونَي شخص من أجْل البقاء على قَيْدِ الحياة”.