عهد مودي.. الهند العلمانية في قبضة “المعبد” الهندوسي (مقال)
**مقال رأي للدكتور حياتي أونلو، عضو الهيئة التدريسية في المعهد الحربي بجامعة الدفاع الوطني التركية:
– شهدت الهند الاثنين الماضي حفلا دينيا بمناسبة افتتاح معبد رام الذي بني مكان المسجد البابري، أحد أهم رموز مسلمي البلاد، شارك فيه رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
– تم التأكيد على سلطة المعابد الهندوسية وتأثيرها على الحياة الدينية والسياسية والإعلامية أيضًا، من خلال مشاركة شخصيات النخبة في البلاد، وفي مقدمتهم نجوم السينما والرياضيين والصناعيين بحفل افتتاح المعبد
– هذا أفضى إلى تحول الهند إلى دولة هندوسية، لا شك من أنه يشكل نهاية حقبة أشبه ما تكون بنهاية الليبرالية الهندية
شهدت الهند يوم الاثنين الماضي مشهدا نادر الحدوث في العالم الحديث، ففي الحفل الديني الذي أقيم بمناسبة افتتاح معبد رام في بلدة أيوديا بولاية أوتار براديش (شمال)، بمشاركة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تم التأكيد على سلطة المعابد الهندوسية وتأثيرها على الحياة الدينية والسياسية والإعلامية أيضًا.
وشارك في الحفل شخصيات النخبة في البلاد، وفي مقدمتهم نجوم السينما والرياضيين والصناعيين.
ونقلت العديد من القنوات الإخبارية وقائع الحفل الديني باللغتين الهندية والإنجليزية، إضافة إلى اللغات المحلية، في أجواء أقرب ما تكون إلى الاحتفالات الوطنية.
وفي هذا الحدث الذي شاهده الملايين، تم حرق عود للبخور بطول 30 متراً مصنوع من 1500 كيلوغرام من روث البقر، فيما أصرت العديد من الأمهات على إجراء عمليات ولادة مبكّرة، حتى يلد أطفالهن “في هذا اليوم المقدّس”.
وكانت كل هذه المظاهر الاحتفالية بمناسبة افتتاح معبد رام، الذي بني مكان المسجد البابري، أحد أهم رموز مسلمي البلاد، بعد أن تم تدمير المسجد من قبل متعصبين هندوس عام 1992.
بدوره، أعلن رئيس الوزراء مودي، الذي حضر الحفل بمراسم تشبه إلى حد كبير مراسم الحكّام الهندوس في العصور الوسطى، أن المعبد يساهم في “بث الوعي الوطني” في الهند، التي تحولت من الآن فصاعدًا إلى “دولة هندوسية”.
إن هذا التحول الذي أفضى إلى تحول الهند إلى دولة هندوسية، لا شك من أنه يشكل نهاية حقبة أشبه ما تكون بنهاية الليبرالية الهندية.
المسلمون بدورهم، والذين جرى تهميشهم في الهند الحديثة باتوا على أعتاب حقبة ستكون حبلى بالأيام الصعبة.
ورغم هذه الاحتفالات الضخمة وروح التباهي التي سادت الحدث، إلا أن الحجاج الهندوس سيعودون إلى مصاربهم بخفي حنين، ذلك أن معبد رام، الذي من المفترض أن يكون ثالث أكبر معبد في العالم، ليس حتى على وشك الاكتمال في المستقبل القريب، بل وحتى الطابق الأول منه لم يتم بناؤه بعد. أما عن السبب الذي يقف وراء “مهرجان الافتتاح المبكر” فهو الانتخابات الهندية التي ستجرى في الربيع المقبل.
هل هي نهاية حقبة العلمانية الهندية؟
لقد تعرض المسلمون في الهند منذ فترة طويلة لحملة واسعة النطاق من العنف، ويُعتقد أن هذا الوضع مرتبط بصعود نجم الإيديولوجية القومية الهندوسية (هندوتفا)، التي سيطرت على الحياة السياسية في الهند مع انهيار فكرة العلمانية، التي حافظت على التنوع في البلاد لسنوات عديدة.
كما يُعتقد أن العلمانية الهندية، التي جرى وضع أسسها خلال فترة (جواهر لال) نِهرو (أحد زعماء حركة الاستقلال في الهند، وأول رئيس وزراء بعد الاستقلال)، لم تحم الأقليات فحسب، بل قدمت لها أيضا تنازلات مهمة، على حد تعبير الاقتصادي الهندي أمارتيا سين.
الهند التي تحولت اليوم إلى مركز للإسلاموفوبيا، بدأت تقود عملية بناء الأمة والدولة الهندوسية من خلال ارتكاب أعمال عنف ضد المسلمين، تحت لواء حزب الشعب الهندي القومي الهندوسي الحاكم. حيث قاد الحزب المذكور أعمال هدم المسجد البابري عام 1992 وحوادث غوجارات عام 2002 وكذلك تغيير المناهج التعليمية وقانون تعديل المواطنة، إضافة إلى توفير جميع وسائل العنف الاجتماعي والمؤسسي ضد المسلمين في البلاد.
إن هذا الوضع في الواقع يشبه إلى حد كبير الأحداث التي عاشها المسلمون في الهند، في فترة ما قبل حزب بهاراتيا جاناتا، مثل مذبحة المسلمين في حيدر أباد عام 1948، وترحيل 100 ألف مسلم من ولاية أوتار براديش إلى باكستان الشرقية آنذاك (بنغلاديش)، إضافة إلى ترحيل واحد من كل 50 مسلم في الهند إلى باكستان، أي حوالي 800 ألف مواطن هندي مسلم، وذلك بسبب المذابح التي طالت المسلمين في الهند، خلال العصر الذهبي للعلمانية الهندية.
وفي هذا الصدد، يبدو أن العلمانية الهندية، التي تركز على تقديم التنازلات للأقليات، تتجه نحو نهج قومي هندوسي متشدد، بالتزامن مع أفول نجم الليبرالية الهندية.
مناقشات الدولة الهندوسية الجديدة
لقد شكل صعود هندوتفا في الهند ثورة سلبية ضد صناديق الاقتراع والدولة المدنية، بالإضافة إلى إجهاض دور الضوابط البرلمانية والقضائية والاتحادية على السلطة التنفيذية.
ورغم استحالة حدوث مثل هذه التغييرات المؤسسية من دون تغييرات قانونية في بلدان أخرى، خاصة تلك التي وضع المستعمرون الغربيون أسسها، فإن استثنائية الهند ملحوظة هنا. إن فكرة قيام رئيس وزراء منتخب في دولة علمانية بافتتاح معبد ليس لها سابقة في التاريخ.
لقد استطاعت القوى المتطرفة في الهند السيطرة على القضاء والمحكمة العليا، وتحويلها إلى أداة بيدهم من أجل بناء الدولة الهندوسية. لذلك لم يغفل مودي خلال الحفل تقديم الشكر للقضاء على قرار 2019 الذي أعطى أرض المسجد البابري للهندوس وشرعن بناء معبد رام.
ولذلك، يمكننا القول إن السلطة القضائية باتت تشكل سلاحًا قويًا في عملية بناء الأمة والدولة الهندوسية وتمنح أيضًا مودي شرعية وسلطة هائلة.
الانتخابات الهندية المقبلة
ومن خلال التغيير المؤسسي والممنهج في الهند، يجري تعزيز معالم الدولة الهندوسية التي اختارت أن يجي بناءُ أسسها من خلال تبني سياسة العنف ضد المسلمين وإقصاء الأقليات، وخاصة المسلمين، الذين بدأوا يشعرون بتقلص حقوقهم يوما بعد يوم.
واليوم، حتى السياسات المطبقة لكسب أصوات المسلمين في الانتخابات تعتبر في إطار “الاسترضاء”.
إن مستقبل العلمانية الهندية في الواقع بات على المحك ويرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل “الثورة السلبية”، ولهذا فإن الانتخابات الهندية المقبلة تكتسب أهمية كبيرة في هذا الإطار.
كما أن إصرار مودي على افتتاح معبد رام لتعزيز القاعدة القومية الهندوسية، وتبني سياسات شعبوية، بات يشكل تهديدًا واضحًا لمستقبل الدولة الهندية.
إن التأثير السلبي للدولة الهندوسية على مستقبل الهند، وهضمها لحقوق الأقليات، بات يشكل هاجسًا لدى جميع الأقليات الهندية، وهو ما يمكن ملاحظته جليًا لدى الأقليات المسلمة، خاصة من البنغاليين ومسلمي جنوب الهند. ولذلك، ليس من الصعب التنبؤ بحدوث أعمال عنف ضد المسلمين، قريبًا، وتزايد هذه الممارسات في أجواء الانتخابات، والسنوات المقبلة.
المصدر: الأناضول