هل ترفع محكمة العدل الدولية البطاقة الحمراء في وجه إسرائيل؟
الإعلامي أحمد حازم
في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها عقدت محكمة العدل الدولية جلساتها يومي الحادي عشر والثاني عشر من هذا الشهر، للنظر في طلب جنوب أفريقيا محاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وقدّمت مرافعة من 84 صفحة عرضت خلالها دلائل على تورط إسرائيل بـ “ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”. ومن الطبيعي أن ترفض إسرائيل هذه الاتهامات الموجهة إليها، ووصفتها بأنها “تفتقر لأي أساس قانوني”.
قد يتساءل البعض: لماذا لم تتقدم دولة عربية من “نادي الدول العربية” بالطلب الذي تقدمت به جنوب افريقيا؟ التساؤل في محله. بغض النظر، عن عدم وجود دولة عربية تستطيع الخروج عن الخط المرسوم لها، لكن ما قامت به جنوب افريقيا هو أفضل بكثير من ان تقوم به دولة عربية لسببين: أولهما أن جنوب أفريقيا ليست عربية، والثاني انها ليست إسلامية.
وهذه المرة الأولى التي تقبل إسرائيل فيها المثول أمام محكمة العدل الدولية بعد أن رفضت عام 2004 حضور إجراءات التقاضي بشأن إجراءات جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، ثم تجاهلت الحكم النهائي متذرعة بعدم اعترافها بسلطة المحكمة.
محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي بدأت عملها في لاهاي (هولندا) في شهر نيسان/ أبريل 1946 تتكون من 15 قاضيا، وهي الهيئة القضائية الأممية الرئيسة، للنظر في النزاعات القانونية بين الدول، وفي الحالات التي قد تؤدي إلى انتهاك السلام، كما تطلع المحكمة بدور استشاري، وتصدر فتاوى بشأن أهم مسائل تفسير وتطبيق القانون الدولي العام، وذلك بناء على توصيات من مجلس الأمن والجمعية العامة والوكالات الدولية الأخرى المتخصصة.
ومنذ أول قضية لها في عام 1947، نظرت محكمة العدل الدولية حتى نهاية عام 2023 في 191 من قضايا النزاعات بين الدول، أغلبها كان حول الحدود والسيادة الترابية أو المياه البحرية والمجال الجوي.
في تشكيلة قضاة محكمة العدل الدولية الحالية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، واتهامها بالإبادة الجماعية في الحرب على غزة، يوجد بين قضاة المحكمة الـ 15 ثلاثة قضاة عرب، من المغرب، الصومال ولبنان.
اللافت للنظر في وفد جنوب افريقيا، ان من بين أعضائه قانونية من أصل عربي، وهي القانونية الدكتورة عديلة هاشم من ديربان، (جنوب أفريقيا) المسلمة الوحيدة في فريق دولة جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية. وتقول القانونية هاشم ان ارتباطها بالقضية الفلسطينية يعود الى زمن ارتكاب إسرائيل مجزرة الخليل منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.
مهمتان تقعان على عاتق محكمة العدل الدولية في هذه القضية، أولهما، أن تصدر قرارا أوليا يأمر بإنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وبحسب المحكمة، القرار سيصدر في وقت قريب، في حين أن المهمة الثانية والمتعلقة بالقرار النهائي بشأن تهمة الإبادة الجماعية، فقد يستغرق صدوره سنوات.
تقول جنوب أفريقيا، إنه من خلال قتل الفلسطينيين في غزة، والتسبب في أذى عقلي وجسدي خطير لهم، ومن خلال خلق ظروف معيشية “مصممة لتحقيق تدميرهم الجسدي”، فإن “إسرائيل ترتكب إبادة جماعية” ضدهم استنادًا الى “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي تعرف الإبادة الجماعية على أنها “أي من الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، وهذه الأفعال تشمل قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضائها، وإخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى”.
محكمة العدل الدولية هي الآن على المحك الحقيقي، فممارسات إسرائيل في حربها العنيفة في غزة والمتواصلة منذ أكثر من 100 يوم، واضحة أمام الشاشات ومواقع التواصل. فماذا ستقول المحكمة يا ترى؟ هل سترفع البطاقة الحمراء بوجه إسرائيل؟ العدالة الدولية ليست وحدها على المحك، بل والضمير الإنساني أيضًا.