تخلّوا عن “قضية العرب الأولى” واستبدلوها بـ “التطبيع”
الإعلامي أحمد حازم
في المفردات السياسية التي يستخدمها الشعب العربي وحتى قادة عرب في حديثهم عن غيرهم من زملائهم لأبناء جلدتهم، نسمع صياغات رقيقة وجذّابة مثل “الإخوة العرب” و”الدول الشقيقة” والمقصود هنا دول الجامعة العربية. وعلى الصعيد الدولي هناك أيضا صياغات تستخدم في الإعلام العربي مثل “الدول الصديقة” و”الإخوة في الدول الاسلامية”، حتى أن البعض ذهب بعيدا في خياله للقول إنّ القضية الفلسطينية هي “قضية العرب الأولى”. كل هذه المسميات للدول كانت ولا تزال مجرد فقاقيع هوائية لا أكثر ولا أقل، وما عاشته القضية الفلسطينية على مرّ السنين وما عاشته غزة من حروب عليها ولا زالت تعيشها، هي خير مثال على كذب هذه التسميات. فالشقيق من ناحية دينية ومنطقية وأخلاقية لا يتخلى عن شقيقه، لكن ما عاشه الفلسطينيون يدلّ على عدم وفاء ما يسمى بـ “الأشقاء” وخذلان “الأصدقاء”.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من القول إنَّ الفلسطينيين ليسوا وحدهم الذين تعرضوا لعدم الوفاء والخذلان، بل انّ العراق هو مثال آخر. في العام 2017 اعترف الرئيس الأمريكي السابق ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل. فماذا فعلت “الدول الشقيقة” إزاء هذا الحدث؟! لا شيء. حتى أن البعض منها تجاوز كل الخطوط الحمراء وشارك في العمل على هذا الاعتراف من خلال تفاهمات كانت مع رؤساء عرب في تلك الخطوة، فقد اعترفت القناة العاشرة الإسرائيلية عشية الإعلان، أنّ قرار ترامب بشأن القدس، كان بتفاهم مسبق مع مصر والسعودية.
كيف يمكن أن تكون القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى وقد ألغت دول عربية قرار مقاطعة إسرائيل. حتى أن السودان بلد اللاءات الثلاث التي تمّ اتخاذها في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967 (لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات)، قرر فيه مجلس الوزراء الانتقالي السوداني، إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل إثر مقترح دفعت به وزارة العدل. كما أنّ دولة الإمارات أصدرت مرسومًا بقانون اتحادي رقم /4/ لعام 2020 يتضمن إلغاء القانون الاتحادي رقم /15/ لسنة 1972 في شأن مقاطعة إسرائيل والعقوبات المترتبة عليه، وذلك في أعقاب الإعلان عن معاهدة السلام مع إسرائيل (اتفاقات ابراهام).
ما حصل في السنوات الأخيرة من عمليات تطبيع لدول عربية مع إسرائيل يبرهن بصورة واضحة، أنّ هذه الدول المسماة “الدول الشقيقة والصديقة” كبيرة كانت أم صغيرة، لم ولن تفعل شيئًا مع كيان المستوطنين. لننظر اليوم ونتأمل انعدام التأثير العملي، أو انعدام القدرة حتى على تخفيف القصف والإبادة، بشيء من الفعل الحقيقي.
تاريخيا، هناك دول عربية وظّفت فلسطين واجهة خطابية ودعائية تخفي وراءها مصالح وأهدافا وتطلعات. وبالإشارة إلى أهمية القضية الفلسطينية لدى بعض الحكام العرب في تزعم العالم العربي، يشير الكاتب الفلسطيني خالد الحروب في مقال له في صحيفة “القدس العربي” إلى أنَّ “الأنظمة العربية لم تعد ترى ضرورة لاستخدام وتوظيف ورقة فلسطين خلال تنافسها مع بعضها لتزعم وقيادة العرب”. وقال الحروب في مقاله: “لعقود طويلة، احتلت فلسطين وقضيتها رأس البرنامج الانتخابي لأي نظام عربي يطرح نفسه بشكل مباشر أو غير مباشر لتلك الزعامة والجميع كان يستشعر سخونة قضية العرب الأولى ولا يستطيع الالتفاف عليها”. أما اليوم فقد اختلف الوضع تماما. كيف؟ الآن أصبح زعامة العرب يتنافسون دون أن تكون فلسطين في سلم أولوياتهم. ليس هذا فقط، بل أصبحوا يشغلون أنفسهم بتطبيع كامل مع إسرائيل.
بشكل عام، يرى الفلسطينيون أنفسهم الآن وحيدين في الساحة فلا تحرك ملموس من الدول العربية في إطار جامعتهم الهزيلة (جامعة الدول العربية) ولا تحرك حقيقي من الدول الإسلامية من خلال مرجعيتهم (منظمة التعاون الإسلامي) والتي هي عبارة عن جسم مصاب بالشلل. الإدانة والشجب والاستنكار هي الوسائل الوحيدة التي يجيدها قادة العرب والمسلمين. هذا إن فعلوا ذلك.