أخبار رئيسيةمقالات

بعض ما كشفته لنا الحرب على غزة

ساهر غزاوي

إنَّ المُتابع للحرب الإسرائيلية على غزة منذ يومها الأول وحتى اللحظة، قد يستوقفه ويجذب انتباهه الحضور البارز على قناة الجزيرة الفضائية للخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري، ففي اطلالته اليومية التي يقدم من خلالها قراءة تحليلية عسكرية لمجريات الحرب في الميدان، أصبح يتصدر محركات بحث مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متواصل، عقب كل خطاب للمتحدث باسم المقاومة الفلسطينية، بل إن تحليلات الدويري أزعجت القيادات الإسرائيلية، ومن بينهم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي.

ما يهمنا هنا هو مصطلح “الكاشفة” الذي أطلقه اللواء فايز الدويري على الحرب حامية الوطيس على غزة بالبُعدين السياسي والعسكري، (وأضيف، بالبُعد الإنساني أيضًا). يريد اللواء الدويري من خلال مصطلح “الكاشفة” أن يظهر لنا حقيقة ما كشفته هذه الحرب من مواقف ونقاط ضعف التي لا يمكن لمساحيق التجميل أن تغير من واقعها الحقيقي، كما يقول. تمامًا كما أن هذه الحرب كشفت لنا حقائق لم تكن بمثل هذا الوضوح كما هي عليه اليوم ومنها: مخطط تهجير سكان غزة، فهذا هدف غير معلن للحرب على غزة، وهو من المخططات القديمة التي تحدثت عن تهجير أهالي غزة والضفة إلى سيناء وإقامة دولة فلسطينية هناك، لا سيما وأن معهد “ميسجاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية قد كشف عن أدق تفاصيل الخطة الإسرائيلية المرتقبة لتهجير كافة سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء في مصر.

فليس غريبًا أن تُغلف الجريمة ضد الإنسانية في غزة بدواع إنسانية، بحيث تطالب أوساط إسرائيلية من العالم توفير أماكن لجوء لضحاياها وأن تطالب المنظمات الدولية ذات التجربة في إيواء اللاجئين، بتسهيل نقل الغزيين إلى الدول المستعدة لاستقبالهم!! وما يعزز السعي المحموم لتطبيق هذا المخطط هو الكثير من التصريحات الإسرائيلية التي بدأت منذ بداية الحرب تعزف على أوتار إجبار الفلسطينيين على الرحيل بمنطق القوة لإنجاز مشروع “الترنسفير” القديم الجديد، وذلك بتخييرهم بين الموت أو اللجوء.

يبرز في هذا الإطار ما قاله الوزير آفي ديختر، الذي أطلق على الحرب على غزة “نكبة 2023″، وأيضًا ما نشره عضوا لجنة الخارجية والأمن في الكنيست داني دانون من حزب (الليكود) ورام بن باراك من حزب هناك مستقبل (يش عتيد) المعارض، حيث اقترحا في مقال بصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، مبادرة جديدة لتهجير سكان غزة، وتتضمن الخطة بندًا يمكّن المنظمات الدولية من لعب دور مركزي في نقل سكان غزة الذين يرغبون في القيام بذلك إلى البلدان التي توافق على استقبالهم. كذلك تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، التي أيّد فيها خطة هجرة طوعية للاجئي غزة على اعتبار أنه “الحل الإنساني الصحيح لهم وللمنطقة”.

مخطط تهجير غزة مرتبط كليًا بمشروع “الممر الاقتصادي”، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سيتم بمقتضاه إنشاء ممر اقتصادي يقوم بالربط بين الهند وأوروبا مرورًا بالشرق الأوسط، وتشارك فيه كل من: الولايات المتحدة الأميركية، والهند، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والأردن، وإسرائيل، وإيطاليا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي. ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه منافس أمريكي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وبطبيعة الحال لن يكتمل هذا المشروع إلا بإنجاز مشروع “قناة بن غوريون” المائية التي ستربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط وستكون حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، وبالتالي ستكون المنافسة الرئيسية لقناة السويس المصرية.

شقُّ “قناة بن غوريون” صعب تنفيذه لتكلفته العالية بسبب طولها الزائد ما لم تخترق قطاع غزة الذي يعوق مساره الأقصر، وتحتاج إسرائيل لنجاح مخططها في بناء “قناة بن غوريون” وتقليص مسافة عبور السفن وخفض كلفة بناء القناة، إلى استخدام الأراضي الفلسطينية وتحديدًا غزة للربط بين إيلات والبحر المتوسط من دون الحاجة للدوران حول غزة لإنشاء القناة. وللتغلب على ذلك، فلابد من احتلال غزة وتفريغها من أهلها، ومن ثم جرفها بالكامل لتكون الممر الأنسب لشق القناة البديلة عن قناة السويس، وبحسب المخطط فإن إسرائيل تنوي أن تبني على قناتها المائية المرتقبة مدنا صغيرة وفنادق ومطاعم وملاه ليلية وغيرها من المشاريع تدر عليها العوائد المالية والاقتصادية الكبيرة.

هنا تكمن إحدى أهم الحقائق التي كشفتها لنا الحرب على غزة من وراء هذا الإصرار الإسرائيلي على إفراغها من أهلها بالإبادة الجماعية والتدمير الممنهج لبنيتها ومبانيها، وتحريك أمريكا أساطيلها الحربية وتمركزها أمام سواحل غزة في وضع التأهب، والدعوات التي تنطلق لبدء عملية ترحيل لمليونين ونصف المليون فلسطيني من غزة إلى سيناء في مصر، على أن يتم لاحقًا ترحيل سكان الضفة الغربية إلى الأردن. بيد أن تحقيق هذه المشاريع والمخططات مرتبط بنتائج العملية العسكرية في غزة وتحقيق أهداف هذه الحرب التي على ما يبدو أصبحت ضربًا من المستحيل، بحسب الكثير من التقديرات الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى