“طوفان الأقصى”.. و”لعنة أكتوبر” على إسرائيل
الإعلامي أحمد حازم
الجيش الإسرائيلي الذي احتل غزة والضفة الغربية وسيناء والجولان بعد حرب الأيام الستة عام1967، قالوا لنا عنه (كذبا) إنّه جيش لا يقهر بسبب انتصاره على ثلاثة جيوش عربية. وقالوا لنا (كذبًا) أيضًا انه أكثر الجيوش أخلاقية في العالم. لكن حرب أكتوبر الأولى عام 1973 كشفت زيف الادّعاء الأول، وحرب أكتوبر الحالي أظهرت نظرية عكسية تماما لأنها قهرت هذا الجيش وداست على معنوياته بشهادة محللين عسكريين إسرائيليين، الذين اعترفوا (حسب صحيفة معاريف) بفشل هذا الجيش أمام حماس، وأن “إسرائيل في بداية كارثة، سيكون لها تأثير على الشرق الأوسط كله”.
بعد نصف قرن على عملية العبور الأولى، في آخر أيام أعياد الغفران، يعيد الفلسطينيون كتابة التاريخ في العبور الثاني في أكتوبر، في حكاية طوفان عسكرية خاصة. صحيح أن التوقيت هو القاسم المشترك بين العبورين، لكن الإنجاز التاريخي لأكتوبر 73 انتهى بمعاهدة صلح منفرد في كامب ديفيد الأميركية ووعود للسادات مثل وعد ابليس في الجنة. أمّا عبور أكتوبر الحالي سيكون من نوع آخر وبالتأكيد ليس صلحًا.
المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، رأى نفسه مضطرًا الى الاعتراف بأن “إسرائيل في حالة حرب وان حماس بادرت لهجوم مفاجئ وفعال، فاجأ بشكل كلي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مع انهيار كلي للعقيدة الدفاعية العملياتية عند حدود قطاع غزة، وأن المجهود العسكري لحماس حقق نجاحًا كاملًا”. مضمون تحليل عاموس هرئيل يظهر بكل وضوح أنّ المقاومة الفلسطينية في غزة قد أبطلت نظرية الجيش الذي لا يقهر لأن عملية حماس تسببت في انهيار عقيدة الدفاع لهذا الجيش. لكن نريد أن نسمع من المحلل العسكري عن نقاط هذا الانهيار وكيف. يقول هرئيل: العقيدة الإسرائيلية في غزة انهارت في السياسات ونشر القوات الدفاعية ومدى جهوزيتها لمفاجأة، ومن الواضح أيضًا الانعدام الكامل للإنذار الاستخباراتي. ماذا يعني هذا؟ يتضح من ذلك: فشل في السياسة وفي الدفاع وفشل في التحضير لعمليات مفاجئة كما حصل مؤخرًا، وعنجهية عدم الامتثال للتحذيرات. هكذا أراد بن غفير وشلته.
لكن في المقابل كانت حماس على عكس ذلك تماما تخطيطا وتنفيذا: لقد اختارت يوم السبت لبدء المعركة، والتي تتعطّل فيها الحركة الى حد كبير في إسرائيل لاعتباراتٍ دينيةٍ يهودية، وكأنّ ذلك فيه محاكاة ما لما جرى في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، في يوم “كيبور- عيد الغفران” الذي تتجمّد فيه الحركة. وهذه المرة جاءت المفاجأة بعد يومٍ واحد من ذكرى حرب 73 وكأنه لأسبابٍ تكتيكية لمباغتة الجيش الذي لا يقهر، وبشكلٍ لم تتوقعه المخابرات الإسرائيلية.
بموازاة فشل الجيش الإسرائيلي، فإن حماس وحسب المعطيات، خططت بإتقانٍ لهذه الحرب، وربما إلى حدّ التفاصيل الجزئية واتخذت الاحتياطات الممكنة وكان من ضمن ذلك تحديد الأهداف التي يقتحمها مقاتلوها كأولوية.
المحلل العسكري لصحيفة هآرتس استخدم نفس أسلوب التهديد والوعيد الذي يستخدمه جنرالات الجيش الإسرائيلي، إذ قال: “في الأيام المقبلة، سنشهد ثمنا هائلا من دماء الفلسطينيين”. ولم يحذر فقط من إمكانية محتملة لاندلاع معركة متعددة الجبهات تشمل الضفة الغربية والقدس، وربما حزب الله، بل حاول ان يزج المجتمع العربي في الاحداث، إذ حذر من “جهات متطرفة في صفوف المواطنين العرب” حسب تعبيره.
المعلق في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بيرنباع، وصف عملية طوفان الأقصى بأنها “كارثة على إسرائيل وأسوأ من حرب يوم الغفران قبل 50 عاما”. طبعا العملية مصيبة وقعت على رأس نتنياهو وحكومته وهو يتخبط الآن في كيفية الخروج من هذه الهزيمة المذلة. هي هزيمة مزدوجة: سياسية وأمنية عسكرية. فلسطينيو حماس افهموا قادة اليمين بما فيهم نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، أن سياستهم القمعية الاضطهادية العنصرية ضد الفلسطينيين سقطت أمام عملية طوفان الأقصى، وعسكريا أسقطت العملية الغزية عقيدة الدفاع الإسرائيلية بعد اختراق الدفاعات الإسرائيلية. هذا يعني أن الخسائر المعنوية والعسكرية كبيرة جدًا واهمها سقوط الهيبة الإسرائيلية لأول مرة منذ 75 عامًا كما فضحت العملية هشاشة النظام الأمني الإسرائيلي.
إذًا، عملية المقاومة هي بالفعل إهانة كبيرة لجيش الاحتلال. مصر هي أكبر دولة عربية، هاجمت إسرائيل وحققت العبور الأول في حرب أكتوبر، لكن حماس ليست دولة، بل حركة مقاومة فلسطينية، استطاعت تحقيق العبور الثاني وأكثر من ذلك توغلت داخل إسرائيل وأدارت المعارك فيها، وأخذت مئات الأسرى من جنود ومدنيين. وبهذه العملية التي أصر نتنياهو على تسميتها حربًا تكون المقاومة الفلسطينية قد أعادت كتابة التاريخ.