صفقة التطبيع السعودي المحتملة.. قلق أردني من تجاوز القضية الفلسطينية
يشير خطاب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأخير في الأمم المتحدة وتصريحاته في نيويورك إلى قلق أردني من تجاوز القضية الفلسطينية خلال الجهود الأمريكية الحثيثة الرامية لعقد صفقة تطبيع بين السعودية و”إسرائيل”.
ووفق تقرير لصحيفة “جيروسالم بوست” فإن الأردن والسلطة الفلسطينية يراقبان عن كثب ما يمكن أن تعنيه نتيجة الاتفاق السعودي الإسرائيلي بالنسبة لهما.
ويشعر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالقلق من أن اتفاق التطبيع بين السعودية و”إسرائيل” قد يحدث على حساب مملكته.
وشدد الملك في نيويورك على أهمية حل الدولتين كما فعل في الماضي وأشار إلى اتفاقيات “إبراهام”،. كما ألمح إلى أنها لم يحقق أي شيئا للفلسطينيين.
“لقد بدأت اتفاقيات أبراهام شيئًا ما” “إنها لن تحقق التطلعات التي نريدها جميعا إلا إذا تم حل مشكلة الفلسطينيين”.
وحول صفقة التطبيع المحتملة قال الملك الأردني: “أعتقد أن جزءا من التحدي يكمن في الحكومة الإسرائيلية والاعتقاد لدى البعض أنه يمكنك تجاوز فلسطين والتعامل مع العرب، ثم الالتفات إلى الفلسطينيين، هذا أمر غير ممكن”، مؤكدا أنه لن يكون هناك سلام حقيقي دون حل للقضية الفلسطينية.
وأشار الملك إلى أن “هناك متطلبات للمملكة العربية السعودية ولإسرائيل وللولايات المتحدة، ويجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار ما سيجنيه الفلسطينيون وما ستجنيه المنطقة من هذا الأمر، مبينا “أننا جميعا معنيون بهذه القضية. لذا فالمطلوب هو النظر إلى الصورة الأكبر وعدم التفكير بشكل تكتيكي”.
بالنسبة لوزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر فإن اتفاق التطبيع المحتمل بين السعودية و”إسرائيل” قد يكون له عواقب كارثية على السلام المستقبلي في المنطقة.
وأضاف لموقع “ميدل لاين” إن تصريحات الملك “مهمة للغاية لأنه ربط حل الدولتين بحقوق الفلسطينيين. ومثل هذا الربط ضروري لأن السعي إلى حل الدولتين على مدى السنوات الثلاثين الماضية تجاهل ببساطة انتهاك الحقوق الإنسانية والمدنية”.
ويتابع: “بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يأملون في أن كلاهما (حل الدوليتن وحقوق الفلسطينيين) ما زالا على قيد الحياة، فإن الصفقة ستقتلهما بالتأكيد”.
ويكرر المعشر مخاوف العديد من الأردنيين، والملك نفسه، من أن الصفقة المحتملة قد تضر بالمملكة.
“لذلك تأثير مباشر على الأردن. إذا لم يكن هناك حل الدولتين، فمن المحتمل جدًا أن تحاول إسرائيل حل المشكلة على حساب الأردن، وعلى حساب الفلسطينيين، من خلال محاولة دفع عدد كبير منهم إلى الأردن”.
عريب الرنتاوي المحلل الأردني ومؤسس ومدير مركز القدس للدراسات السياسية ومقره عمان، قال لموقع “ميديا لاين” إن الأردن يخشى أن تتوصل الأطراف المعنية إلى ترتيبات نهائية دون إبقاء الأمر على اطلاع.
وأضاف: “يبدو أن الأردن ليس على علم بما يجري بين السعودية وإسرائيل تحت إشراف الولايات المتحدة. وهذا يذكرنا بما حدث في عهد إدارة ترامب وما كانت تسمى آنذاك بصفقة القرن، والتي تم إنجازها والتحضير لها دون علم الأردن”.
وأوضح أن قلق الأردن ينبع من بقائه في الظلام، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الحيوية بالنسبة له.
ويقول الرنتاوي إن السعودية ترسل رسائل “متناقضة” فيما يتعلق بالفلسطينيين، فيما أكد وزير خارجيتها على خطابه في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي ومبادرة السلام العربية وحل الدولتين على حدود 1967 مع القدس الشرقية باعتبارها عاصمتها، لكن في المقابل فإن “التسريبات تتحدث عمليا عن اتفاق اقتصادي وأمني مقابل الاقتصاد، وهذا ما يريده نتنياهو”.
يخشى البعض في الأردن من أن يكون ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، طموحاً، وأنه بمجرد صعوده إلى العرش، سوف يضع عينيه على استبدال الملك عبد الله كخادم ثالث أقدس الأماكن في الإسلام. الحرم الشريف في القدس.
سيكون هذا السيناريو بمثابة ضربة لمكانة عمان وسيضعف النظام الملكي الأردني ويخاطر بالأمن الإقليمي.
لكن الرنتاوي يرى أنه من غير المرجح أن يثير هذا الموضوع شهية المملكة العربية السعودية. لكن “لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور الأمور إذا تقدمت مسارات التطبيع في هذا المجال”.
ويقول الرنتاوي: “إسرائيل التي تتجه نحو التطرف الديني والقومي، ليست على وشك استبدال وصي بآخر. إسرائيل تريد أن تضع يدها على المقدسات”، مضيفا أن “إسرائيل تقوض الوصاية الهاشمية على المقدسات”.
ذات الأمر يراه المعشر فعلى الرغم من كل التسريبات والتكهنات بشأن هذا الموضوع، فإنه لا يعتقد أن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس في طريقها إلى التغيير.
يمكن لكل من الرئيس بايدن ومحمد بن سلمان الضغط على إسرائيل لتقديم “تنازلات” للفلسطينيين، مثل إنهاء التوسع الاستيطاني، وإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تسليم الأراضي إلى السلطة الفلسطينية من 60٪ من الضفة الغربية التي تسيطر عليها الآن بالكامل.
لكن تقديم التنازلات للفلسطينيين قد يكون مهمة مستحيلة بالنسبة لنتنياهو.
وفي حين رفض الفلسطينيون اتفاقيات “أبراهام” بشكل قاطع، واصفين إياها بأنها “طعنة في الظهر”، فإن هذه المرة قد تكون مختلفة.
ويشير رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط عبد الرحمن الراشد إلى أن السلطة الفلسطينية، خلافا للحالات السابقة، غيرت نهجها وقررت المشاركة في محادثات التطبيع بين السعودية و”إسرائيل”.
من جهته قال الوزير الفلسطيني السابق نبيل عمرو إن من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات بشأن الموقف السعودي.
وقال عمرو إن المسؤولين السعوديين أوضحوا في اجتماعات مباشرة في الرياض مع وفد فلسطيني أن مبادرة السلام العربية وحل الدولتين يقعان في قلب محادثات التطبيع الحالية.
وأضاف: “المملكة تدرك أهمية القضية الفلسطينية ولا تعتبرها عبئا، وكل ما تفعله السعودية دليل على ذلك”.
المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية عادل شديد يرى الأمور بشكل مختلف. وقال: “من الواضح أن السعودية غير جادة في إثارة القضية الفلسطينية وأن المصالح السعودية هي الأولوية؛ هم من يحددون مسار مفاوضات التطبيع”.
في البداية، كانت لدى قيادة السلطة الفلسطينية آمال كبيرة بشأن ما يمكن أن يفعله السعوديون من أجلهم، ولكن وفقًا لكبار المسؤولين في رام الله، فإنهم “يشعرون بخيبة أمل كبيرة، وقد خفضوا مطالبهم بشكل كبير”.
ويقول شديد إن السلطة الفلسطينية ترتكب خطأ كبيرا في نهجها فيما يتعلق بموضوع المطالب الفلسطينية، ويعتقد أن الخطأ الذي ارتكبته القيادة الفلسطينية لا يتعلق بسقف المطالب المرتفع، بل “نحن لسنا ملزمين ولسنا بحاجة لأن نكون جزءا من هذه القضية”. لذلك يجب أن لا يتم استخدامنا لشرعنة وتمرير قضية التطبيع”.