مدارس “عين الحلوة” تحولت لثكنات عسكرية.. عندما تصبح الدراسة ترفا
تزين جدران مدرسة “قبية” للبنات التابعة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في مخيم عين الحلوة، شعارات يحملها أطفال عن حقهم “في العيش بكرامة وبسلام وبالتعليم” ولكن هذه الحقوق سرعان ما يبددها حقيقة أن هذه المدارس غدت ثكنات عسكرية يحتلها مسلحون من الطرفين المتحاربين.
ويساور القلق أبناء المخيم من ضياع العام الدراسي الجديد، فالتداعيات على حياتهم بسبب الاشتباكات الدامية التي اندلعت بين حركة “فتح” و”تجمع الشباب المسلم” منذ 30 يوليو/تموز الماضي لم تنتهِ، بل على العكس تتفاقم اقتصاديا واجتماعيا وحياتيا.
التحصن بالمدارس
داخل المخيم لا يزال المسلحون من الطرفين يتحصنون داخل عدد من مدارس “الأونروا” ويرفضون إخلاءها إلا بالتزامن، وسط معلومات عن أنهم سينسحبون منها بعد غد الجمعة.
وفي عين الحلوة، هناك مجمعان تربويان يضمان 8 مدارس تقع بين منطقتي الطوارئ والتعمير والشارع الفوقاني وبستان القدس وهي “بيسان، الناقورة، صفد والسموع، مرج بن عامر، حطين، الفالوجة وقبية”، وهي توفر التعليم لنحو 6 آلاف طالب في مختلف المراحل الابتدائية والمتوسطة حتى الثانوية بالمخيم و11 ألف طالب في مدينة صيدا بشكل عام.
ومدارس “الأونروا” خارج المخيم ليست أفضل حال؛ إذ تحول عدد منها إلى مأوى لمئات العائلات النازحة من المخيم، وكل هذا دفع بالأونروا إلى الإعلان عن تأجيل انطلاق العام الدراسي في مدارس المخيم ومحيطه والمقرر في 2 الشهر المقبل، حتى “إشعار آخر”.
تقول هدى السمرا المتحدثة باسم الأونروا في لبنان للجزيرة إن “المنظمة ستعمل على نقل طلاب مدارس عين الحلوة إلى مدارس الجوار ورغم الصعوبات والكلفة الباهظة ولكنها ملتزمة بحق كل طفل لاجئ بالتعليم وهو على رأس أولوياتنا وعندما يستتب الأمن سنؤمن المكان البديل خلال 4 أسابيع”.
وتابعت أن “الوكالة تنتظر انسحاب المسلحين من مدارسها حتى يرسل بداية فريقا متخصصا بالألغام والذخيرة غير المنفجرة حفاظا على أمن وأمان الطلاب، وبعدها نرسل فريقا لمسح الأضرار وقبل كل ذلك ننتظر الإذن للدخول”.
وختمت بأنه “من الصعب الحديث عن إعادة إعمار أو تعويضات، فالأونروا أطلقت نداء نهاية الشهر الماضي لجمع 15 مليون دولار بعد الجولة الأولى من الاشتباكات ولم تلق أي استجابة ويبدو أن الأضرار من الجولة الثانية من القتال هائلة ويأتي كل هذا في وقت تعاني فيه الوكالة من أزمة مالية كبيرة”.
تحديات
ويؤكد الكاتب المختص بالشؤون الفلسطينية محمد دهشة، ما جاء على لسان المتحدثة باسم “الأونروا” بقوله إنها “تواجه تحديات جمة مع اقتراب بدء العام الدراسي، وهي مستنفرة وفي سباق مع الزمن حتى تمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل الأضرار على الطلاب وذويهم”.
وأشار إلى أن دائرة التربية والتعليم في “الأونروا” أبلغت القوى الفلسطينية واللجان الشعبية أنه ليس لديها أي مشروع لإقفال أي من المدارس أو حتى نقلها إلى خارج المخيم إذا سمح الوضع الأمني في المخيم أو العودة إلى التعليم (عن بعد) لإدراكها بعدم جدواه بعد تجربة كورونا.
وأضاف أن “المخيم أمام امتحان صعب حال لو اتجهت الأوضاع الأمنية نحو المعالجة، فترميم أربعة من المدارس يحتاج إلى وقت طويل ومال وفير، في المقابل تتقدم السيناريوهات التي وضعتها “الأونروا” بالبحث عن بدائل أولها نقل الطلاب من المجمع التربوي بين الطوارئ والشارع الفوقاني إلى المجمع الآخر في بستان القدس، ولكن دخول المسلحين إليه أسقط هذه الفرضية مجددا على اعتبار أنه بات غير آمن”.
وأشار دهشة إلى خيار ثان يتمثل بنقل الطلاب إلى مدارس “الأونروا” الأقرب إلى المخيم أو نصب بيوت جاهزة في باحة مدرسة “الشهداء” لاستيعاب الطالبات تحديدا.
الأمان أولوية
كلام الوكالة وتنظير الصحفيين لم يجد له أي وقع بين السكان في المخيم الذين تحول التعليم بالنسبة لهم ترفا مقارنة بالأهوال التي عاشوها خلال الجولة الأخيرة العنيفة، رافعين شعار “أعطونا الأمان وخذوا الباقي”.
وذهبت أم أحمد من سكان المخيم، بعيدا في حديثها وقالت إن “العام الدراسي لا يعنينا، وما يهمنا أن يكون أطفالنا بأمان، وقبل المدارس عليهم إيجاد بيوت نسكن فيها، وفي حال عدنا لمنازلنا لا نملك ثمن الحقائب المدرسية والقرطاسية”. وخلصت إلى “أن نعيش بأمان وسلام أهم من العام الدراسي الجديد”.
ووضعت صفاء محمود حسن أصبعها على جرح ينزف عند الكثير من سكان المخيم وهو وجود المسلحين في المدارس.
وأضافت أنها “خائفة على أطفالها بسبب عدم استقرار الوضع الأمني إضافة إلى أنني أسكن في حي يعد خط تماس بين المتقاتلين، ولهذا لن أرسل أبنائي للمدارس قبل استقرار الوضع الأمني”.
فيما كانت سمر أحمد الخطيب أكثر حرصا على العام الدراسي وقالت “أمر مؤسف ألا يستطيع أحفادي الذهاب إلى المدرسة وقد يخسرون عامهم الدراسي”، مطالبة الأونروا ببذل مزيد من الجهود لمحاولة إيجاد حل لهذه الأزمة.
وختمت “يجب أن يتعلم أولادنا، لأنه السلاح الذي لا نملك غيره”.