رغم الابعاد والتنكيل.. مرابطون بالأقصى “الدرع الحامي” من ممارسات الاحتلال
يقف المرابط أبو بكر الشيمي (65 عاماً) شامخاً أمام باب السلسلة، بعد أن أنهى صلاة الفجر أمام باب “حطة” من الخارج عقب منع شرطة الاحتلال دخوله بسبب “الأعياد اليهودية”، لا يهاب اعتداءات المستوطنين الذين يتمتعون بضوء أخضر من الحكومة الإسرائيلية.
“الله أكبر، بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، تلك الهتافات التي صدحت من حنجرة “الشيمي” خلال تواجده أمام باب السلسلة، وهو ما لم يرق لشرطة الاحتلال التي سرعان ما انقضت عليه والمرابطين والمرابطات ممن معه.
“هذا الأقصى النا، وأنتم ما الكم اشي عنا”، كلمات وجهها “الشيمي” لأحد عناصر شرطة الاحتلال خلال محاولته ابعاده عن باب السلسلة، وهو ما أثار غضب ذاك الشرطي العنصري، حيث استدعى عناصر آخرين من الشرطة، فدفعوه بقوّة حتى ارتطم رأسه بالأرض وسالت منه الدماء.
وعقب إصابته قال في حديث معه: “لم يرق لشرطة الاحتلال صمودنا وإصرارنا على البقاء عند باب السلسلة الذي يخصصه الاحتلال لخروج المستوطنين، فهاجمونا وضربونا ودفعونا أنا والأخوات عايدة الصيداوي ونفيسة خويص”.
ويحكي بصوت يعلوه القوّة والثبات “أنا متعود على الرباط في الأقصى وفي كل مرّة يسيل دمائي جراء اعتداءات شرطة الاحتلال عليّ (..) هذه الدماء في سبيل الله وفداءً للأقصى”.
ورغم أنه أنهي فترة الإبعاد التي أصدرتها سلطات الاحتلال بحقه، إلا أن شرطة الاحتلال منعته أمس من دخول المسجد الأقصى كما في كل “عيد يهودي”، فيقول عن ذلك “في كل مناسبة يتم منعي من الصلاة في الأقصى (..) أين الديمقراطية التي يتغنى بها الاحتلال أمام العالم؟”.
دماء “الشيمي” التي لم تسل للمرّة الأولى، لم تفت في عزيمته إذ يتماسك ويستعيد قوته فيقول: “نحن على باب الأقصى كما وعدناكم وسنبقى ثابتين، وهذه الدماء على رأسي في سبيل الله والأقصى، فأنا نذرت نفسي للأقصى، ولن اتزحزح من هنا”.
ووجه رسالة غضب شديدة اللهجة للأمة الإسلامية والشعوب العربية: “ألم تروا ماذا يفعل الاحتلال في المرابطين والمسجد الأقصى، أنتم مسؤولون أمام الله، يجب عليكم التحرك لمساندة المرابطين والأقصى قبل فوات الأوان”.
هكذا بدا المشهد لدى المرابطة المقدسية عايدة الصيداوي التي تتواجد على باب السلسلة من الخارج، بعدما أدت صلاة الفجر خارج “باب حطة” عقب منع شرطة الاحتلال دخولها باحات المسجد الأقصى.
تأبى صيداوي مغادرة محيط المسجد الأقصى وتركه فريسة لدى الاحتلال، فقد أخذت على عاتقها أن تكون كـ “الحصن المنيع” أمام ممارسات الاحتلال ومستوطنيه العنصرية التي تتصاعد أكثر في فترة الأعياد اليهودية، كما في هذه الأيام.
عدّة ساعات أمضتها صيداوي على باب السلسلة وهي تغيظ شرطة الاحتلال في ثباتها وإعلاء صوتها بالتكبير والتهليل في وجههم بين الفينة والأخرى، الأمر الذي قهر هؤلاء العناصر الذي يدوسون كُتب الإنسانية تحت أقدامهم، إذ انهالوا عليها بالضرب ودفعوها حتى خرّت قواها وسقطت على الأرض.
وتروي “الاحتلال يشن هجمة شرسة ضدنا بسبب الأعياد، ومنعنا من الصلاة في الأقصى ولكن نحن نرابط على أقرب نقطة من المسجد الأقصى، ثم اعتدوا علينا ودفعوني على الأرض”، لكنها تبدو أكثر تماسكاً فتقول “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
تلك الضربات لم تُسكت صوت المرابطة صيداوي، “هذه الأرض ارتوت بدماء أولادنا الشهداء، ونحن تربينا على حب الأقصى وهو عقيدتنا وسنبقى ندافع عنه مهما كلف الثمن حتى التحرير”.
ثم تُكمل حديثها المُفعم بالقوة ورباطة الجأش “لن اترك هذا المكان حتى لو ارتقيت شهيدة، وسنبقى مرابطين وثابتين إلى يوم الدين، فنحن لا نخاف هذا الاحتلال، والحمدلله الذي أكرمنا بأن نكون خط الدفاع الأول عن الأقصى”.
أمَّا المرابطة المقدسية زينات الجلاد، التي تواجدت في باحات المسجد الأقصى منذ صلاة الفجر، حيث تمكنت من الدخول عبر باب حطة، ورفضت الخروج منها رغم تغول شرطة الاحتلال على المصلين ولا سيّما الشباب.
وتروي الجلاد في حديث معها، أن أعدادا كبيرة من المستوطنين اقتحمت باحات الأقصى من باب حطة، منذ ساعات الصباح، وأدى بعضهم الصلوات التلمودية والنفق بالبوق.
همجية شرطة الاحتلال تصاعدت أكثر بعدما أخذ الشبان يهللون ويكبّرون بأصوات عالية في وجههم وسط باحات الأقصى، وهو ما أثار غضبهم ودفعهم لملاحقتهم، حسبما تقول الجلاد.
وتحكي بقلب يجتاحه الحرقة “يجب على جميع المقدسيين والفلسطينيين بشكل عام شد الرحال إلى المسجد الأقصى واستمرار التواجد فيه، من اجل تضييع الفرصة على الاحتلال بالاستفراد به، فنحن أصحاب الحق به”.
وتشدد “سنبقى مرابطين ومدافعين عن المسجد الأقصى رغم كل الممارسات التي نتعرض لها من الاحتلال ومستوطنيه، فهذا المسجد لنا وليس للاحتلال أي شيء فيه”.
واقتحم أمس عشرات المستوطنين المتطرفين، المسجد المبارك من جهة باب المغاربة بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال، بمناسبة ما يسمى “رأس السنة العبرية”، وسبق ذلك أداء المستوطنين صلوات تلمودية بالمسجد والبلدة القديمة، فيما ستستمر الاقتحامات، والممارسات داخل باحاته طوال فترة الأعياد.
ويحتفل المستوطنون خلال الشهر الجاري بثلاثة أولها ما يسمى بـ”رأس السنة العبرية” ووافق الـ15 من الشهر الجاري، واستمر ليومين، يليه “عيد الغفران” في 24 من سبتمبر الجاري، ويستمر لأسبوع، ثمّ ما يسمى بـ”عيد العرش” في 29 من الشهر الجاري ويستمر ليومين.
وانطلقت دعوات لشد الرحال إلى المسجد، وتكثيف التواجد فيه، لأهل الضفة والداخل، فيما سُيّرت عشرات الحافلات من الداخل الفلسطيني منذ الجمعة الماضية لشد الرحال نحو المسجد الأقصى، لمواجهة اقتحامات المستوطنين.