هل أصبحت أفغانستان مركز تنظيم الدولة لتنفيذ هجمات في الخارج؟
ذكر تقرير للباحث هارون ي زيلين، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن أفغانستان التي عادت لحكم حركة طالبان، أصبحت مجددا ملاذا لـ”الأنشطة الإرهابية” من فرع محلي لتنظيم الدولة- ولاية خراسان، والتي زادت من أنشطتها خارج البلاد.
وأوضح التقرير، أنه على مدى العقود الثلاثة الماضية، سعت “تنظيمات جهادية” إلى تنفيذ عمليات خارجية تتعدى ساحات قتالها المحلية، وغالبا من ملاذات آمنة في الخارج.
وتشمل القائمة الطويلة جهات فاعلة مثل “الجماعة الإسلامية المسلحة” الجزائرية (عندما اختطفت رحلة “الخطوط الجوية الفرنسية رقم 8969” في عام 1994)، وتنظيم “القاعدة”، (أشهرها هجمات 11 أيلول/سبتمبر، ولكن أيضاً من خلال مؤامرات الفروع المحلية لتنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، و”حركة الشباب”، و تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”)، وتنظيم الدولة (على سبيل المثال، في سوريا وليبيا).
ويشير التقرير إلى أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان، بدأ يتبنى الاستراتيجية ذاتها في أفغانستان، ولكن على عكس العديد من الجماعات السابقة التي اعتمدت على ملاذات آمنة مستقرة لكسب المزيد من الوقت والمساحة للتخطيط والتدريب، أصبح التنظيم فعليا أضعف في أفغانستان خلال العام الثاني من حكم “طالبان”، ولكنه قام بتوسيع قدرته على العمليات الخارجية.
“وفي الذكرى السنوية لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، يعد الوضع تذكيرا صارخا بأن أفغانستان تحت حكم “طالبان” هي قوة موجهة رئيسية للعمليات الجهادية في الخارج”، بحسب الباحث.
تدهور تنظيم الدولة – ولاية خراسان داخل أفغانستان
وبعد فترة وجيزة من سيطرة “طالبان” على السلطة، أنشأت ذراعها للأمن الداخلي – هي “المديرية العامة للاستخبارات” – في تشرين الأول/ أكتوبر 2021. لكن الوكالة لم تبدأ بالإبلاغ عن اعتقالات أعضاء تنظيم الدولة – ولاية خراسان حتى تموز/ يوليو 2022.
ورأى الباحث أن هذه الفجوة تنبع جزئيا من رغبة “طالبان” في ترسيخ شرعيتها من خلال التعتيم على الواقع وإقناع المجتمع الدولي بأن البلاد كانت خالية من “التهديدات الإرهابية” عند سيطرتها على السلطة، وهو الهدف الذي سعت إليه الحركة من خلال معلومات مضللة قوية.
وبعد أن أصدرت “القيادة المركزية الأمريكية” تقريراً في آذار/ مارس 2022 يشير إلى أن “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” قد توسع في ظل حكم “طالبان”، نشرت “المديرية العامة للاستخبارات” تغريدة واصفةً الخبر بأنه “دعاية استخباراتية”.
وشددت حركة طالبان، على أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان “كان مشروعا استخباراتيا للمحتلين، اختفى تماما بعد انتهاء الاحتلال، وحاليا ليس لديه أي وجود مادي في أي جزء من البلاد”، على حد وصفها.
وأضاف الباحث، أنه يتعين على طالبان قريبا التعامل مع واقع تنظيم الدولة- ولاية خراسان، في أفغانستان.
ومنذ تموز/ يوليو 2022، نفذت حركة طالبا 36 غارة استهدفت تنظيم الدولة، وخلال هذه الفترة انخفضت هجماته داخل أفغانستان،
وفي الفترة 2022-2023، انخفضت الهجمات أكثر مما كانت عليه في الفترة 2019-2020، عندما اتخذ التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات الأمن الأفغانية إجراءات منسقة ضد تنظيم الدولة- ولاية خراسان، وقبل أن يتولى زعيم التنظيم الحالي، شهاب المهاجر، زمام الأمور.
وربما ينبع هذا التراجع بالكامل من الحملة التي تشنها “طالبان” لقمع القدرات الهجومية المحلية لـ “تنظيم الدولة- ولاية خراسان”، ولكن في المقابل قد يعكس قرارا متعمدا اتخذه التنظيم بتغيير أنماط هجومه.
وأصدر تنظيم الدولة مقالا يزعم أن هذا التراجع يعود إلى “سياسة الصمت الاستراتيجي” التي ينتهجها شهاب المهاجر. وعلى الرغم من صعوبة التحقق من مثل هذه الادعاءات، إلا أن الوثائق الداخلية التي تم تسريبها في ربيع وخريف عام 2020 أظهرت أن التنظيم الأم لم يبلغ عمداً عن ادعاءاته بالمسؤولية عن الهجمات في بعض أنحاء سوريا، سواء لأغراض استراتيجية (على سبيل المثال، زرع الفتنة بين الأعداء) أو لأسباب عملية (على سبيل المثال، عدم توفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت لنشر المطالبات)، كما يشير الباحث.
ويحدث شيء مماثل بشكل معقول مع “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” في أفغانستان، على الرغم من أن إثبات ذلك يتطلب المزيد من الوقت والبيانات.
استراتيجية من شقين
وأوضح الباحث، أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان، اتبع استراتيجية ذات شقين في تحوله من التركيز المحلي/ الإقليمي إلى وضعية أكثر عالمية.
– الشق الأول: حملة دعائية مستمرة. حيث طور بنية إعلامية مستقلة من خلال مؤسسة “العظيم” الإعلامية التابعة له، والتي تنتج محتوى بعدة لغات.
وقد استهدف هذا المحتوى إلى جانب “طالبان” مجموعة واسعة من الأهداف الأجنبية، من الدول المجاورة (الهند وإيران وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان) إلى الدول ذات الوزن الثقيل في الشرق الأوسط (إسرائيل والسعودية وتركيا والإمارات) إلى الأعداء من القوى العظمى في أماكن أبعد (الصين وأوروبا وروسيا والولايات المتحدة).
الشق الثاني: يقوم على التخطيط للهجمات وتنفيذها في الخارج، سواء أكانت موجهة أو منظمة أو مستوحاة.
وعلى الرغم من أن حركة “طالبان” ادّعت مراراً وتكراراً أن أفغانستان لن تُستخدم كقاعدة لمثل هذه المؤامرات، إلّا أن البيانات التي جمعها مشروع الخريطة التفاعلية للأنشطة العالمية المختارة لتنظيم الدولة، التابع لمعهد واشنطن تشير إلى أن معدل الحوادث ارتفع منذ سيطرة الحركة على السلطة.
وأوضح الباحث، أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان ينفذ هجمات داخل باكستان، وقد سبق أن شنت هجمات صاروخية عبر الحدود ضد طاجيكستان وأوزبكستان.
كما هاجم التنظيم أيضا أهدافا في جزر المالديف (شباط/ فبراير ونيسان/ أبريل 2020) ومدينة شيراز في إيران (تشرين الأول/ أكتوبر 2022 وآب/ أغسطس 2023؛ ولم يعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن الهجوم الثاني، لكن إيران أعلنت أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان هي المتهمة الرئيسية).
وتم التصدي لما لا يقل عن 15 مخططا آخر لـ “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” من قبل سلطات إنفاذ القانون في الهند (3) وإيران (4) وألمانيا (3) وجزر المالديف (1) وقطر (1) وتركيا (3).
وقد برزت أربع من هذه المؤامرات قبل سيطرة “طالبان” على السلطة، لكن المؤامرات الـ11 الأخرى تكشفت في ظل مراقبتها: 5 في عام 2022 و6 حتى الآن في عام 2023.
كما اعتقلت السلطات في بلدان مختلفة أيضا أعضاء من “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” وأنصاره بتهمة تجنيد الأعضاء وجمع الأموال في بضع مناسبات منذ عام 2020، بما في ذلك بريطانيا (2) والهند (3) وتركيا (1) وباكستان (1) والولايات المتحدة (2).
وفي تموز/ يوليو 2023، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية 13 شخصا في جزر المالديف على قائمة الإرهاب لنشاطهم المتعلق بـ “تنظيم الدولة- ولاية خراسان”، بمن فيهم زعيم الفرع المحلي، عبد الله شريف، وممثله في أفغانستان، علي شافيو.
وتوضح الخريطة أدناه النطاق الكامل لأنشطة الجماعة في مختلف الولايات القضائية:
ويتمثل أحد أبرز الجوانب الملفتة في شبكات العمليات الخارجية لـ “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” في ضلوع مواطنين طاجيكيين في العديد من مؤامرات الهجمات ومخططات التمويل وجهود التجنيد، وتحديدا في ألمانيا وإيران وتركيا. ومع ذلك، لم تكشف طاجيكستان علنا عن أي أنشطة من هذا القبيل على أراضيها.
التداعيات السياسية
إن التهديد العالمي المنبثق عن قاعدة “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” في أفغانستان هو تهديد حقيقي، سواء على شكل هجمات مباشرة، أو جهود لتوجيه الأفراد عبر الإنترنت، أو محاولات لإلهامهم عن طريق المواد الدعائية، كما يذكر الباحث.
وأوضح الباحث أنه لو لم تحبط السلطات الكثير من المؤامرات المشار إليها أعلاه، لكان المجتمع الدولي سيمارس على الأرجح المزيد من الضغوط على حركة “طالبان” على خلفية سماحها على ما يبدو لـ “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” بتنفيذ “عمليات إرهابية” واسعة النطاق من أراضيها.
وخلافا لما حدث في عام 2001، عندما كانت “طالبان” متحالفة مع تنظيم “القاعدة”، فمن الواضح أن الحركة، تعتبر اليوم “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” عدواً لها. ومع ذلك فمن الصعب أخذ المزاعم الأمنية للحكومة على محمل الجد عندما تصر على أن الدول الأجنبية لا تواجه أي تهديدات من جانب أفغانستان.
وذكر الباحث أنه على الرغم من قمعها لهجمات “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” في الداخل، فقد تزايدت المؤامرات في الخارج، مما يشير إلى أن الحكومة إما غير قادرة على احتواء هذه العمليات أو غير راغبة في ذلك. ولن يؤدي هذا الوضع إلا إلى تقويض فرصها في اكتساب الشرعية على الساحة العالمية.
وأكد الباحث أن الوضع يضع واشنطن أيضا في موقف صعب، لا سيما مع استهداف تنظيم الدولة- ولاية خراسان شركاء مقربين من الولايات المتحدة مثل ألمانيا والهند وقطر وتركيا، إلا أن السلطات الأمريكية لم تعد تمتلك الشبكات الاستخباراتية ذاتها التي كانت لديها قبل الانسحاب من أفغانستان.
وشدد على أنه يجب على واشنطن التركيز على ضربات الطائرات بدون طيار ضد عناصر “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” المشاركين في تخطيط العمليات الخارجية، حيث يمكن أن تساعد هذه الاستراتيجية في الحد من قدرة التنظيم على شن هجمات ناجحة في الخارج.