فاجعة كَفر قرع
الشيخ رائد صلاح
فُجعت بلدة كفر-قرع قبل أيام بمقتل الطفل محمد عربيد- رحمه الله تعالى- في جريمة مزدوجة قُتل فيها زوج أخته من بلدة قلنسوة- رحمه الله تعالى- ثمَّ فُجعت بلدة كفر-قرع بمقتل الشيخ سامي عبد اللطيف (أبو العبد) على أبواب مسجد “الحوارنه” وحول هذا المشهد المأساوي أؤكد هذه الملاحظات:
1- هؤلاء القتلى هم من أهلنا وتتكافؤ دماؤهم، وحزننا على الواحد منهم كحزننا على بقيتهم، وكحزننا على سائر القتلى ضحايا العنف الأعمى الأسود الذي بات يهدد كل واحد فينا في الداخل الفلسطيني، أقول ذلك لأن هناك ألسنة شيطانية وأقلام إبليسية سعت إلى إثارة الفتنة الحارقة وراحت تروج مدعية أن رئيس بلدية كفر-قرع أو أن لجنة المتابعة العليا تجاهلت مقتل هذا الطفل محمد وزوج أخته، وهو ادّعاء كاذب ورخيص، حيث بادر رئيس بلدية كفر-قرع إلى إصدار بيان إدانة منذ اللحظات الأولى التي قُتل فيها هذا الطفل محمد وزوج أخته، وفي الوقت نفسه تطرق المتحدثون في جلسة لجنة المتابعة العليا الطارئة التي عقدت في مبنى بلدية كفر-قرع يوم الأحد الموافق 3/9/2023 إلى مقتل الطفل محمد وزوج أخته إلى جانب الحديث عن مقتل الشيخ سامي (أبو العبد) رحمهم الله تعالى جميعا.
2- قام وفد كبير من لجنة المتابعة العليا بزيارة بيت الطفل محمد بهدف تقديم العزاء إلى أبيه وأمه وسائر أسرته وذريته، وكان ذلك ما بعد ظهر يوم الأحد الموافق 3/9/2023، وخلال لحظات التعزية تقدَّمت مني أم الطفل محمد- رحمه الله تعالى- وقالت لي: هل حقا قلت إن الشيخ سامي أبو العبد هو شهيد، أمّا إبني الطفل محمد هو ليس كذلك، ثم قالت لي: هكذا قالت لي بعض النساء؟! فقلت لها على الفور: لا والله، ففي كل موقف تحدثت فيه عن مقتل الشيخ سامي أبو العبد تحدثت فيه كذلك عن مقتل ابنك الطفل محمد، وترحمت عليهما، فأرواحهما سواء لا نفرق بينها، فقالت لي: لعنة الله على الفتانين هكذا قالوا لي!! ولعل قولها بيّن لي سبب استقبال آلـ الطفل محمد- رحمه الله تعالى- وفد لجنة المتابعة المعزي بغضب، صبوه علينا وتخلله كلمات صعبة!! إلا أننا تفهمنا غضبهم، وأنا شخصيا تقدمت من والد الطفل- محمد رحمه الله تعالى- ومن أمه وأسرته وسائر ذريته وبينت لهم أن مصابكم في طفلكم هو مصابنا ونحن نتألم على مقتله كما نتألم على مقتل الشيخ سامي أبو العبد- رحمهما الله تعالى- فهدأت نفوسهم بفضل الله تعالى، ولذلك لا يسعني إلا أن أقول مرددا ما قالته أم هذا الطفل محمد- رحمه الله تعالى-: لعنة الله على الفتانين والفتانات.
3- خلال لحظات تعزيتنا بمقتل الطفل- محمد رحمه الله تعالى- بيّنت لوالده وسائر ذريته أننا جئنا معزين ثم سنأتي مرة ثانية لنستمع منكم إلى ملابسات مقتل طفلكم، وسنواصل مساعينا بواسطة هيئة الإصلاح القطرية للوقوف على فاجعة مقتل الطفل محمد وزوج أخته والشيخ سامي أبو العبد- رحمهم الله تعالى، راجين أن ننقل بلدة كفر-قرع من وحل الفتن الحارقة والعنف الأعمى الأسود إلى شاطئ الأمن والأمان، مع التنويه أن هيئة الإصلاح القطرية باشرت بهذه المساعي ونسأل الله تعالى لها التوفيق.
4- لفت انتباهي خلال دخولنا إلى بيت العزاء الذي أقامته أسرة الشيخ سامي أبو العبد- رحمه الله تعالى- وجود بضع وجوه غريبة كانت تتجول حولنا، فقال لي أحد الأهل من بلدة كفر-قرع: هؤلاء رجال مخابرات يرصدون تحرككم!! ثم لفت انتباهي بعد خروجنا من بيت أسرة الطفل محمد- رحمه الله تعالى- مرور سيارات غريبة الأطوار، ابتعدت عن ذاك البيت بعد خروجنا منه مباشرة، فقال لي أحد الأهل من بلدة كفر- قرع: من الواضح أن هذه سيارة مخابرات كانت ترصد مجيء وفد لجنة المتابعة العليا للتعزية!! وإلى جانب ذلك لفت انتباهي عندما كنا نهم بالصعود إلى سفينة إفشاء السلام النسائية الأولى من ميناء عكا حتى ميناء حيفا مرور مجموعة تضم رجال شرطه ورجالا يرتدون ملابس عادية، فقال لي واحد من الأهل في عكا: هذا فلان رجل المخابرات في عكا!! وقد تكرر هذا المشهد عندما كنا في أكثر من مسعى إصلاح في أكثر من بلدة في الداخل الفلسطيني، وهذا يعني أننا مرصودون في كل تحركاتنا في كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني. ويبقى السؤال: لماذا ؟! لماذا نحن مرصودون؟! علما أننا لسنا الذين ينشرون السلاح الأعمى في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني!! ولسنا الذين يروجون الممنوعات ولسنا الذين يفرضون الخاوة على بعض رجال الأعمال فيه!! ولسنا الذين استرخصوا الدماء والأرواح فيه!! ومع ذلك لا زلنا نتعرض للمطاردة، علما أن دورنا واضح وضوح الشمس وهو إفشاء السلام والتراحم والتسامح والإصلاح في مسيرة مجتمعنا.
5- من هو الطفل محمد- رحمه الله تعالى- الذي قُتل في فاجعة كفر-قرع؟ هو طالب في المدرسة، ولفت انتباهي بعد صلاة الجنازة عليه أن تقدم أحد فتيان كفر- قرع وقال لنا: أنا ابن صفه في المدرسة وأريد أن أودعه!! ومن هو الشيخ سامي أبو العبد- رحمه الله تعالى- الذي قتل في فاجعة كفر-قرع؟ ليعلم الجميع أنه كان من ضمن المرشحين لرئاسة الحركة الإسلامية قبل حظرها، وقد كان قبل حظرها عضوا في إدارتها العامة، وعضوا في هيئتها التنفيذية، وعضوا في مجلس الشورى فيها، وظلَّ على هذا العهد حتى تمّ حظر الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015، ثم واصل مسيرته الإسلامية وأقام مع بعض إخوة له في الله تعالى هيئة الدعوة والإصلاح، وكان رئيسا لهذه الهيئة، وما أعلمه أنّ هذه الهيئة امتدت في كل الداخل الفلسطيني فكان لها أعضاء في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة)، وثابر الشيخ سامي أبو العبد رحمه الله تعالى على رعاية هذه الهيئة حتى قُتل مغدورا مظلوما يوم السبت الموافق 2/9/2023، على أبواب مسجد الحوارنة، وبذلك لقي الله تعالى شهيدا، ولأنه كان إمام مسجد قباء في كفر-قرع، فأسأل الله تعالى أن ينال منزلة الإمام الشهيد، وقد لفت انتباهي أنّ أحد الأخوة رآه في المنام بعد دفنه الذي كان يوم الأحد الموافق 3/9/2023 ليلا، ورآه في المنام يخاطب الشيخ مشهور فواز رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء ويقول له: أنا لم أقتل، لا زلت حيا، امضوا في طريق الدعوة إلى الله تعالى. فأسأل الله تعالى أن تكون رؤيا صالحة تتوافق مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس بعد النبوة من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له).
6- كان التحرك السريع للجنة المتابعة العليا بعد فاجعة كفر-قرع، وكان لها المشاركة في تشييع جنازة الشيخ سامي أبو العبد، ثمَّ في تشييع جنازة الطفل محمد بعد عصر يوم الأثنين الموافق 4/9/2023 -رحمهما الله تعالى-، وكان لها اجتماع طارئ على أثر فاجعة كفر-قرع في مبنى بلدية كفر-قرع صباح يوم الأحد الموافق 3/9/2023، واتخذت قرارات هامة جدا، والمطلوب منها مواصلة تنفيذ هذه القرارات، والمطلوب من كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني إسنادها في تنفيذ هذه القرارات. وأسفي على بعض المتسكعين في بعض مواقع التواصل الذين امتهنوا حرفة الطعن في لجنة المتابعة، والغمز الدائم بقرارتها.
7- مع كل آلامنا وأحزاننا في فاجعة كفر-قرع وقبلها وبعدها سنبقى نصرخ في وجه كل المتآمرين علينا سواء كانوا من بني جلدتنا أو من غيرهم: إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون.