“خطة خمسية” جديدة بميزانية غير مسبوقة لتهويد القدس.. ما تداعياتها على المقدسيين؟
أقر الاحتلال الإسرائيلي ما يسمى “الخطة الخمسية” التي تهدف إلى تهويد القدس المحتلة، ورغم أنها ليست الأولى في مخططاته التهويدية، لكنها الأضخم من حيث الأموال المرصودة والمشاريع المرجوة التي يسعى لتحقيقها.
وتستهدف “الخطة الخمسية” التي أعلنت عنها حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفا؛ قطاعي التعليم والاقتصاد بشكل خاص، لكونهما المفصلين الرئيسيين اللذين يعتمد عليهما المواطن المقدسي في ثباته على أرضه.
ويأمل المقدسيون، أن يساهم صمودهم الأسطوري رغم ضيق الحال والمحاولات الإسرائيلية المكثفة لإبعادهم عن مدينتهم، في إفشال “الخطة الخمسية”، أسوة بمخططات أخرى سابقة.
الأهداف الواضحة
القدس بالنسبة للاحتلال هي جوهر “الفكرة الصهيونية” التي على أساسها تم توظيفها في خدمة الاستيطان اليهودي في فلسطين، وذلك وفق استنادهم لمزاعم دينية عن وجود الهيكل في باحات المسجد الأقصى مكان قبة الصخرة المشرفة.
الباحث المقدسي فراس ياغي قال إنه منذ احتلال الأراضي الفلسطينية المتبقية من فلسطين في حزيران/ يونيو 1967، أعلنت إسرائيل ضمها للجزء الغربي، وأن القدس الموحدة “عاصمة أبدية لدولة إسرائيل؛ في مخالفة واضحة لكل قرارات الشرعية الدولية بهذا الخصوص.
وركزت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومنذ عام 1967 في الاستيطان على القدس وشيدت أحياء يهودية طوقت فيها الأحياء العربية لتصبح كأنها جزر في محيط يهودي.
وأوضح الباحث أنه رغم كل سياسات مصادرة الأراضي وهدم البيوت والضرائب الفاحشة والتشديد على المقدسيين وحصارهم والتضييق عليهم؛ وبالذات في موضوع الإسكان، حيث يعاني المقدسي من الازدحام السكاني، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تغيير معالم شرق القدس، ولذلك بدأت عام 2012 وفي ظل حكومة نتنياهو التخطيط لحسم الصراع فيها ووضع الخطط التي تؤدي لتهويد المدينة وأسرلة المقدسيين.
الخطة الخمسية الأولى ظهرت عام 2018 والتي تم رصد ميزانية لها تقدر بـ “ملياري شيكل” منها 450 مليون شيكل فقط لأسرلة التعليم و 200 مليون شيكل لتشجيع التعليم العالي في الجامعات الإسرائيلية إضافة إلى تغيير معالم المدينة العربية عبر ميزانية ضخمة للبنية التحتية والتي ستؤدي إلى ربطها مع القدس الغربية، وسد الفجوات التطويرية بين شقي المدينة.
بحسب ياغي فإنه مع انتهاء الخطة الخمسية عام 2023 تم تجديدها بخطة خمسية جديدة؛ وبميزانية أضخم تبلغ “3.2” مليار شيكل وتهدف إلى تحقيق عدة أمور؛ منها رفع المستوى الاقتصادي للمقدسيين عبر زيادة كفاءاتهم التعليمية والمهنية؛ بما يؤدي لسد الفجوة مع المستوى المعيشي لليهود في القدس وبالتالي منعهم من الانخراط في المقاومة والتمسك وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية.
وأضاف:” كأن مشكلة المقدسي هي فقط معيشية واقتصادية وليست وطنية تهدف للتخلص من الاحتلال والمستوطنين الذين يهيمنون على المدينة ويمارسون العنف والتطرف ضد المقدسيين بمساعدة الشرطة وحرس الحدود الإسرائيليين”.
تركيز عال على التعليم والمناهج في المدارس
وكثفت دولة الاحتلال جهودها الرامية لذلك، وسط “معركة دائمة ومستمرة” لمنع وضع اليد الإسرائيلية على التعليم في القدس، بالرغم من أن ذلك لا يعني أنها لم تنجح.
وتهيمن دولة الاحتلال على 50 بالمئة من المدارس كونها حكومية تتبع وزارة المعارف الإسرائيلية، وأيضا تحاول التدخل في المدارس الخاصة من خلال تقديم الدعم المالي لها وفق شروط من بلدية الاحتلال في القدس، وتبقى مدارس الأوقاف التي تحاول السيطرة عليها أو إغلاقها.
الهدف الثاني من الخطة كما أوضح ياغي هو بناء طرق وجسور وأنفاق ومراكز تجارية بما يؤدي لتغيير معالم المدينة العربية، فهناك خطة قائمة منذ عام 2018 لشق الطريق “الأمريكي” الذي يربط بين مستوطنات القدس جنوبا مع مستوطنات شرق المدينة، تم خلالها مصادرة “1200” دونم من أراضي جبل المكبر والسواحرة الشرقية، إضافة لبناء ما يسمى “وادي السليكون” في حي “واد الجوز” ما يعني تدمير الحي الصناعي الوحيد الموجود للمقدسيين، عدا عن هدم مئات البيوت السكنية.
الاحتلال لن يستطيع أسرلة المقدسيين
الخطة تهدف بشكل كامل لربط معيشة وحياة المقدسي بكل ما هو إسرائيلي ومنع أي علاقة مع الامتداد الفلسطيني وبالذات المنهاج الفلسطيني الذي كان يدرس في المدارس المقدسية في محاولة لأسرلة التعليم للسيطرة على العقول عبر تحريف المناهج التعليمية.
الباحث ياغي يرى أنه في نفس الوقت يعمل الاحتلال على فرض أمر واقع من خلال سياسات هدم البيوت ومصادرة الأراضي ومحاصرة المقدسي للتضييق عليه لفرض الهجرة القسرية الطوعية، وهذا ملاحظ في ظهور أحياء خارج الجدار الذي يحيط في القدس ويتم التعامل معهم على أنهم يسكنون القدس ولكن دون أدنى خدمات، بل هذه الأحياء أصبح يطلق عليها ” “عشوائية”.
رغم كل الخطط وضخامة الميزانيات والإغراءات إلا أن إسرائيل لن تستطيع أسرلة المقدسيين ولا احتلال عقولهم، لأن الأماكن المقدسة في القدس المسيحية والإسلامية وبالذات المسجد الأقصى، جميعها بؤر صراع مركزية، تؤدي دائما لوعي وطني فلسطيني وعربي وإسلامي ومسيحي، بحسب الباحث ياغي.
وتابع:” لكن المقدسي للأسف يترك وحيدا في مواجهة أعتى قوة في الشرق الأوسط، وهو بحاجة عاجلة جدا للدعم لتثبيت صموده ومقاومته للإجراءات الإسرائيلية، وبما يستدعي ذلك من ضرورة رصد ميزانيات كبيرة عربية وفلسطينية للمقدسي بحيث تتشكل صناديق خاصة لكل قطاع بإشراف مباشر من الجامعة العربية، بحيث يكون لنا صندوق للإسكان، وصندوق للتعليم، وصندق للتجار، وصندوق لدعم المؤسسات وغيرها، وبغير ذلك سيترك المقدسي لوحده”.
وفي ظل هذه الحكومة التي تمثل اليمين الجديد ستحاول فرض تقسيم مكاني في المسجد الأقصى بعد أن تم فرض التقسيم الزماني، لذلك تأتي هذه الخطة الخمسية وبالميزانيات الضخمة لحرف الأنظار أيضا على ما يخطط للمسجد الأقصى.
المخططات قائمة على أرض الواقع
ومع إقرار الخطة التي ترصد لها مئات ملايين الدولارات باتت الصورة أكثر وضوحا، “تهويد شامل كلي يستهدف الهوية قبل الوجود الفعلي”، وربما كان المستهدف الرئيسي من هذه الخطط دوما هو المسجد الأقصى المبارك.
الناشط المقدسي أسامة برهم قال إن “ابن مدينة القدس يشعر ويرى الخطط الدائمة ضد المسجد الأقصى وتهويده إما بإحراقه أو هدمه”.
ويرى أن تداعيات الخطة الخمسية تشبه إلى حد كبير خطة 2020 التي انتهت منذ ثلاث سنوات ولم تنجح، ثم جاءت خطة 2030 وبعدها 2050، مبينا أن الاحتلال برمته منذ عام 1967 يقف على قدم وساق لأجل تهويد هذه المدينة، ولكن قد يكون السبب الأول في تأجيل الخطط التهويدية ضد القدس هو صمود أهل المدينة ورباطهم الحقيقي.
وأكد على صمود المقدسيين أمام الاحتلال ومخططاتعه، مشيرا إلى أنهم “لم يرفعوا الراية البيضاء ولم يستسلموا”، رغم التنكيل بهم، وتسحيل النساء والاعتداء عليهم على أبواب المسجد الأقصى.
الفارق اليوم هو أن الخطة تأتي مع الحكومة اليمينية المتطرفة التي باتت النوايا في قراراتها أكثر وضوحا، وتحاول شرعنتها عبر قوانين متجددة في الكنيست.