هل يؤدي غياب بريغوجين إلى تراجع الدور الروسي في أفريقيا؟
ممتشقا بندقيته ومرتديا زيّه العسكري الكامل ومن خلفه أرض أفريقية جرداء، سجّل زعيم مجموعة فاغنر العسكرية الروسية يفغيني بريغوجين آخر رسائله، ربما ليعزز مزيدا من الحضور في القارة السمراء.
وقال بريغوجين، في تصريحه المصوّر قبل أيام، إنه يقوم بتجنيد رجال أقوياء يقومون بالمهام التي حددتها روسيا، “لنجعل روسيا أعظم في جميع القارات، وأفريقيا أكثر حرية.. لنجعل الحياة كابوسا على داعش والقاعدة والآخرين”.
فما مصير مجموعة فاغنر العسكرية وعملها عامة، خصوصا في عدة دول أفريقية، بعد غياب زعيمها بريغوجين، وما تأثير ذلك على مناطق النفوذ الروسي؟
كيف يؤثر غياب بريغوجين على شركة فاغنر؟
أمضى بريغوجين نحو عقد من الزمن في بناء مجموعة فاغنر شبه الرسمية، وتمكن في وقت وجيز من أن يصبح عنصرا محوريا في جهود روسيا لتوسيع نفوذها في سوريا وأفريقيا على وجه الخصوص.
ويرجح محللون غربيون أن بوتين رتب العملية الانتقالية سرا قبل أن يتخلص من بريغوجين، إذ يقول الصحفي الأميركي بينو برينغر -صاحب سيناريو الفيلم الوثائقي “صعود فاغنر” الذي بثته “بي بي سي”- إن أبرز خلفاء بريغوجين هو الجنرال أندريه أفريانوف، وهو ضابط مخابرات روسي مسؤول عن وحدة الاغتيالات الخارجية التي تنشط في عدد من الدول، وتسمى الوحدة “29155”.
ومنذ إعلان مقتل زعيم فاغنر، انتشرت شائعات بأن العملية وراءها “عمل قذر” استهدف تغييب بريغوجين انتقاما من المحاولة التي وصفت بالانقلابية يونيو/حزيران الماضي، وخشية تكرارها في المستقبل.
ويسود الأوساط الموالية لزعيم فاغنر غضب شديد، وترجح عدد من المصادر بأن بعض القيادات قد تتبنى مسارا خاصا بها، ربما يتعارض مع سياسة بوتين على خلفية اتهامه بالوقوف وراء موت رئيسهم، خاصة إذا تم تعيين قائد جديد من خارج صندوق فاغنر، ولا شك أن هذا سيؤثر على مستوى أداء المجموعة، كمًا ونوعًا.
ما مقاربة بريغوجين لأفريقيا بعد المحاولة الانقلابية؟
بعد المحاولة الانقلابية في روسيا يونيو/حزيران الماضي، أعلن بريغوجين أن مجموعة فاغنر ستوجّه جهودها نحو أفريقيا. وتحدثت تقارير أنه نقل عددا من الجنود الذين قاتلوا في أوكرانيا إلى دول القارة، ولهذا الغرض زارها مؤخرا ونشر تسجيلا من إحدى مناطقها، ويُرجّح أن تكون إحدى دول غرب أفريقيا.
وذهبت كثير من التحليلات إلى أن الرجل كان يسعى للتركيز على القارة الأفريقية في كل الأحوال، ليعوّض بعض خسائره في أوكرانيا على الأرض الأفريقية. وعزز ذلك المسؤولون الروس بقولهم إن المجموعة يجب أن تبقى، لأن حلّها سيكون بمثابة إطلاق النار على الأقدام.
ما التداعيات المتوقعة لغياب زعيم فاغنر على النفوذ الروسي في أفريقيا؟
تلعب مجموعة فاغنر دورا مهما في قطاع الأمن بعدد من الدول الأفريقية، وتحقق كذلك المصالح الروسية بتوسيع نفوذها السياسي والأمني والعسكري، إلى جانب كونها رأس الحربة الذي لا يكلف روسيا عناءً كثيرا، ومع ذلك فإن غياب صاحب البصمة الأساسية في المجموعة العسكرية يطرح عددا من الاحتمالات، وخاصة في المناطق الساخنة، حيث ظلت فاغنر تلعب دورا ولا تزال، وسيكون التأثير فيها مباشرا ولو على المدى القريب:
- السودان: تعتبر مجموعة فاغنر أحد الفاعلين في مسرح العمليات القتالية الجارية في السودان، فقد تحدثت تقارير غربية كثيرة عن أنها أحد المزودين الرئيسيين لقوات الدعم السريع بالأسلحة والذخائر عبر مناطق نفوذها في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، ولذلك فإن حدوث ارتباك في قيادة المجموعة سيكون له أثر لمصلحة الجيش السوداني.
- غرب أفريقيا: تمكّنت فاغنر من مساعدة رئيس أفريقيا الوسطى من تثبيت حكمه عبر تعديل الدستور ليمنح الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، حكما مطلقا من دون مدد محددة لولاية حكمه.
كما أن مالي وبوركينا فاسو لا تزالان في حالة حرب مع الجماعات المسلحة، ويعتبر وجود فاغنر وجهودها في مساعدة الحكومات العسكرية مهما، فضلا عن النيجر التي جرى فيها انقلاب يوليو/تموز الماضي، وتقف فاغنر على أبوابها الغربية تنتظر فرصة للتوسع.
هل يفتح موت بريغوجين فرصة أمام فرنسا؟
ظلت فرنسا -منذ مزاحمة الروس لها في منطقة نفوذها التاريخي في القارة السمراء وخروجها من أفريقيا الوسطى- تبذل كل ما في وسعها لاستعادة ما فقدته، وذلك عبر البحث عن حلفاء داخل هذه الدول حتى لو كانت المجموعات التي كانت تقاتلها في السابق.
ولهذا، فإن فرصة فرنسا ستكون كبيرة في حال حدوث خلاف بين فاغنر والحكومة الروسية، خاصة أن البلدان الأفريقية تعاني هشاشة كبيرة وسيولة أمنية تساعد على حدوث اختراقات.
وفي سياق مواجهة فاغنر في أفريقيا، تُتّهم فرنسا في هجوم قُتل فيه 9 من الصينيين في منجم بأفريقيا الوسطى في وقت سابق من هذا العام. وهناك نماذج مماثلة في مالي أيضا.
ما سيناريوهات ما بعد بريغوجين؟
تتسابق التحليلات لتحديد مستقبل مجموعة فاغنر كمؤسسة أولا، وكأداة لتعزيز النفوذ الروسي في أفريقيا، فما السيناريوهات المتوقعة لمستقبلها هناك؟
- السيناريو الأول: يرجح استمرار المؤسسة كما هي من دون تأثر بغياب زعيمها، ويتبنى هذا السيناريو اعتقادا بأن التخلص من بريغوجين أصلا لم يكن ليحدث من دون ترتيب مسبق لأوضاع المؤسسة العسكرية، وهذا السيناريو يفتح أمام روسيا فرصا جديدة في ظل التململ الأفريقي من النفوذ الغربي.
- السيناريو الثاني: في حال توسّع الخلاف مع بعض قيادات فاغنر التي تتهم بوتين بالوقوف خلف حادثة موت بريغوجين، وفي ظل استقلالية نسبية للمجموعات التي تعمل بدول أفريقيا، فإنها ربما تكون مقبلة على فترة نزاع وخلافات تنتهي إلى تراجع المؤسسة وربما إنهاء مهمتها.
- السيناريو الثالث: استبدال فاغنر باسم مختلف مع الإبقاء على الموالين للكرملين، وإعادة تشكيل المؤسسة وفق ترتيبات لا تُكرر ما جرى في يونيو/حزيران الماضي، خاصة أن روسيا تخوض حربا كونية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أبوابها.
وبالنظر لمقاربتها في أفريقيا، فإن روسيا ستعمل جاهدة لتحييد مجموعات فاغنر العاملة في دول هذه القارة عن التصدعات والخلافات التي من شأنها الإضرار بالمصالح الروسية، في ظل التربّص الغربي لتقويض وتقليص وجودها، وهو ما يجعل الدول الغربية تتعاطى مع انقلاب النيجر بشكل لا يسمح بتحول وجهة البلاد إلى حليف آخر حتى لو تمت التضحية بالديمقراطية.