مهرجان العراقيب كشف عن المكشوف فينا أصلا
الشيخ رائد صلاح
أقيم مهرجان العراقيب الثالث عشر يوم السبت الماضي، بتاريخ 29/7/2023، وكان عدد الحضور مائتين في أحسن الأحوال، وعندما نقول هو المهرجان الثالث عشر فهذا يعني أنَّ أهلنا في العراقيب وفي مقدمتهم الشيخ صياح لا يزالون على مدار الثلاث عشرة سنة الماضية يقيمون هذا المهرجان في كل عام على أرض العراقيب في النقب مطالبين بحقهم في أرضهم ورافضين ترحيلهم عنها غير منكسرين لأساليب القمع التي مارستها ضدهم المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، والجميع منا يعلم أن الشيخ صياح دخل السجن ومكث فيه طويلا لا لسبب إلا لأنه يطالب بحقه في العراقيب، والى جانب ذلك تعرض الكثير من رجال ونساء العراقيب للاعتقال للسبب نفسه، وقامت أذرع المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بهدم العراقيب مئات المرات، وبلغ عدد مرات الهدم رقما خياليا، وبعد كل مشهد هدم للعراقيب كان أهل العراقيب يعيدون بناءها من جديد، سواء كان الهدم صيفا أو شتاء، وتحملوا من حر الصيف اللاهب ومن برد الشتاء القارس ما لا يطيقه إلا قليل القليل منا، وظلوا في العراقيب حتى الآن.
وكان ولا يزال لهم اعتصام احتجاجي ثابت على مدار كل هذه السنوات الثلاث عشرة الماضية، بين الحين والآخر، يرفعون صوتهم في كل اعتصام من على إحدى روابي العراقيب الواقعة على جانب الشارع الرئيس الذي يربط شمال بلادنا بجنوبها مطالبين بحقهم الثابت الأبدي في العراقيب، مع التأكيد أن اليأس والإحباط والفتور والاستسلام لم تنل منهم قيد أنملة، وكانوا ولا يزالون على العهد مع أرض العراقيب ومقبرتها، ولكن الذي لفت انتباهي في مهرجان العراقيب الأخير الشيء الكثير ومن
أهمه ما يلي:
1- لفت انتباهي غياب أهل النقب عن المهرجان إلا العدد القليل جدا جدا، وقلت في نفسي: لقد أصبحت مدينة رهط أكبر مدينة سكانيا في كل الداخل الفلسطيني، والعراقيب هي بمحاذاة رهط فلماذا لم يحضر من رهط إلا العشرات في هذا المهرجان.
2- لفت انتباهي غياب كل القيادات السياسية من أهلنا في النقب سواء كانت من صف أول او صف ثان أو ثالث… وسواء كانت قيادات سياسية رسمية أو شعبية، فعلى صعيد أعضاء كنيست عرب من النقب لم أر أحدا منهم، وعلى صعيد رؤساء سلطات محلية عربية لم أر أحدا منهم إلا عطا أبو مديغيم رئيس بلدية رهط، وعلى صعيد رؤساء جمعيات ومؤسسات ناشطة من أهلنا في النقب لم أر أحدا، وعلى صعيد قيادات سياسية حزبية وشعبية من أهلنا في النقب لم أر إلا القليل الذي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فأين كل هؤلاء ولماذا لم يحضروا.
3- لماذا غابت كل الحراكات الشبابية والجامعية من أهلنا في النقب عن هذا المهرجان، ولم نر منهم أحدا، ويرحم الله تعالى تلك الأعوام الأولى من مسيرة صمود العراقيب التي كنا نرى فيها المئات من هذه الحراكات فأين اختفوا كلهم مرة واحدة؟!
4- لا بل إن الشخصيات النقباوية التي كانت ركنا أساسا في كل النشاطات النضالية في مسيرة صمود العراقيب لم أرها في هذا المهرجان الأخير وأسأل الله تعالى أن يكون غيابها خيرا.
5- يرحم الله تعالى تلك السنوات الأولى التي أقيم فيها مهرجان العراقيب كل سنة حيث كنا نرى عشرات الحافلات قد جاءت من الجليل والمثلث والمدن الساحلية، وحيث كانت كل حافلة منها تقل عشرات الناشطين والناشطات الذين كانوا يتوافدون للمشاركة في هذه المهرجانات بهدف دعم صمود العراقيب، ولكن في مهرجان العراقيب الأخير لم نر ولو حافلة، فلا أدري أين غاب كل هؤلاء ولماذا؟ وهل هناك عذر لغيابهم أم لا؟!
6- لفت انتباهي في هذا المهرجان الأخير في العراقيب غياب معظم القيادات السياسية الرسمية والشعبية من الجليل والمثلث والمدن الساحلية، إلا من رحم الله تعالى، حيث كان عدد الحاضرين منهم- رجالا ونساء- لا يتجاوز عدد أصابع اليدين!! فأين غاب المعظم منهم؟! أم أنهم ظنوا أن أهل العراقيب قد حصلوا على حقوقهم في أراض العراقيب ولم تعد هناك حاجة لمثل هذه المهرجانات؟! وإذا كان هناك عذر لغياب البعض منهم، فماذا عن بقية الذين غابوا؟! لماذا غابوا؟! لا سيما الذين كانوا يجلجلون بأصواتهم في جلسات لجنة المتابعة، ويوجهون النقد اللاذع إلى كل المتخلفين عن نشاطاتنا النضالية الجماهيرية، لماذا اختفوا مرة واحدة ولم نعد نراهم إطلاقا؟! أين هم الآن؟! أم أن المنصب الرسمي الذي كانوا يتقلدونه هو الذي كان يدفعهم لحضور النشاطات النضالية القطرية للجنة المتابعة، ثم لما انتهى دورهم الرسمي توقفوا فجأة وبالكلية عن حضورهم هذه النشطات؟! ولا أدري لو كانت انتخابات الكنيست على الأبواب هل سيكون غياب معظم هذه القيادات السياسية الرسمية والشعبية كما كان عليه الحال في مهرجان العراقيب الأخير أم كان الحال سيختلف، وكنا سنرى حضور المئات من هذه القيادات السياسية الرسمية والشعبية؟!
7- ثمَّ لا أدري أين هم الذين كانوا ولا يزالون يسلقون كل نقطة ضوء في مجتمعنا بألسنة حداد، وما عاد يشغلهم إلا الإبداع في إشاعة الإشاعات عبر مواقعهم المعروفة، والخفية، والتي قد تكون بأسمائهم الواضحة أو بأسماء مستعارة؟! ولا يزال ديدنهم النيل من لجنة المتابعة العليا نقدا إلى حد التجريح، إلى جانب صناعة الافتراء وبثه ضد الأسماء النظيفة التي لا تزال تجسد أملا في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وإلى جانب حرصهم على إطفاء بصيص التفاؤل في مسيرة بعض المشاريع الأهلية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا والتي ترعاها بعض اللجان المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا!! أين هؤلاء؟! لماذا لم نر منهم ولو واحدا في مهرجان العراقيب الأخير؟!
8- إنَّ مما لا شك فيه أن مسيرة مجتمعنا قد تمر في حالة مد أو جزر، فإذا كان في حالة مد سنراه جادا وعاملا ومعطاء ومتفائلا ومناضلا، وإذا كان في حالة جزر- كما هو عليه الآن- سنراه يائسا وفاترا ومحبطا ولا مباليا وثرثارا، ولا يتقن إلا فن النقد لأجل النقد، وفن الاقتراح لأجل الاقتراح، وفنّ الأنانية الشخصية المفرطة عند بعض منه أو فن الأنانية الحزبية الكيدية عند بعض آخر، أو فن الهرولة إلى صناديق دعم أمريكية صهيونية عند بعض ثالث، أو فن التغطي بلعبة الكنيست وما رشح عنها من صدام مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، عند بعض رابع، أو فن الوهم وصناعة البطولات الوهمية والمنجزات السرابية عند بعض خامس!! ومع ذلك فلا عذر لنا إن تخلفنا عن واجبنا، فستبقى بذور الخير في مجتمعنا، ولو كانت مدفونة، فستنمو في يوم من الأيام ثم سيتغير حاله وسينتقل من الجزر الذي هو فيه الآن إلى المد المفقود مؤقتا والمنشود دائما.