أساليب القمع الخشنة والناعمة
الشيخ رائد صلاح
أساليب القمع قد تكون خشنة وقد تكون ناعمة، ومن أساليب القمع الخشنة التحقيق والاعتقال وفرض محكوميات سجن لسنوات بناء على افتعال تهم وهمية وإقامة أدلّة وهمية على هذه التهم الوهمية، وقد نستطيع أن ندرج منع سفر الواحد منّا إلى الخارج من ضمن أساليب القمع الخشنة، وقد يصل الأمر بمن يمارس هذه الأساليب القمعية الخشنة ويطارد بها من يشاء أن يستبيح لنفسه قتل هذا المطارد بأساليب ملتوية تبقيه بعيدا في الظاهر عن دائرة الاتّهام، وهناك الشواهد الكثيرة على كل ما قلت والتي ابتلي بها البعض منا في الداخل الفلسطيني. وإلى جانب ذلك هناك أساليب القمع الناعمة لمحاولة إغراء الواحد منّا بالمال والمنصب والجاه، وإلا إذا أبى واستعصم ورفض ما يدعونه إليه مَن يمسكون بخيوط أساليب القمع الخشنة والناعمة، إذا رفض هذه الأساليب للقمع الناعمة فقد يشنون عليه حرب الإشاعة الإعلامية، وقد يثيرون حوله عبر مواقع التواصل حملة مدفوعة الثمن ومطاردته بالحرب الإعلامية بهدف إعدامه معنويا، وهناك الشواهد الكثيرة على كل ما قلت والتي ابتُلي بها البعض منا في الداخل الفلسطيني.
ويبقى السؤال: لماذا كل هذه الأساليب للقمع الخشنة والناعمة؟! والجواب على ذلك أقول- وفق التجربة التي عشتها وعاشها غيري- إنَّ الذين يمسكون بخيوط كل هذه الأساليب القمعية، والذين كانوا ولا يزالون يستبيحون لأنفسهم اختيار كل مطارد ومواصلة شنّ هجوم عليه لا يتوقف بأساليب قمع خشنة وناعمة، إنَّما يهدفون من وراء ذلك الضغط المتواصل على هذا المطارد، ودفعه للتنازل عن ثوابته الإسلامية العروبية الفلسطينية وإبداء استعداده لتبني ما يملونه عليه من مفاهيم ومواقف وأساليب عمل، وإلا إذا رفض هذا العرض من طرفهم فسيبقى تحت طائلة مطاردتهم بكل أساليب قمعهم الخشنة والناعمة حتى يلقى الله سبحانه وتعالى.
وعلى سبيل المثال قد عرفت من ابتُلي بالملاحقة والمطاردة منذ نعومة أظفاره بهذه الأساليب القمعية الخشنة، ثمَّ لمّا لم ينكسر وظل صابرا كالقابض على الجمر انتقلوا إلى مطاردته بأساليب قمعية ناعمة، ولذلك وجد نفسه منذ نعومة أظفاره أنَّ الذين يمسكون بخيوط كل هذه الأساليب القمعية بدأوا يستدعونه إلى مكاتب تحقيقهم ويلقون عليه أسئلة متشعبة لا حدود لها، ثمَّ فرضوا عليه الإقامة الجبرية لمدة طويلة، وكان بموجب هذه الإقامة الجبرية ملزما ألا يغادر بلده نهارا، وملزما ألا يغادر بيته ليلا، وملزما أن يوقّع اسمه مرة أو مرتين في اليوم في أحد مخافر الشرطة، ثمَّ منعوه من السفر الى الضفة الفلسطينية وغزة المحاصرة، ثمَّ اعتقلوه وأدخلوه السجن للمرة الأولى ثم واصلوا اعتقاله والزّج به في السجن لمرات كثيرة عبر سنوات طويلة، ثمَّ منعوه من الدخول إلى القدس والمسجد الأقصى المباركين لسنوات طويلة، ثمَّ منعوه من السفر إلى الخارج لسنوات طويلة، وخلال كل هذه السنين تعرض لأكثر من محاولة قتل غدرا، وخلال كل هذه السنين عرضوا عليه من أصناف الأغراء ما يسيل له لعاب الكثير، ولمَّا ظلَّ متمسكا بثوابته ومصرًا على خدمة مجتمعنا ونصرة قضاياه، بدأ يتعرض في هذه الأيام لحملة إعلامية مدفوعة الثمن عبر مواقع التواصل تهدف إلى إعدامه معنويا!! وهذا يعني أنه لا يزال مطاردا ولا يزال مبتلى بأساليب القمع الخشنة والناعمة، وقد يظل كذلك حتى يلقى الله تعالى!!
وقد يقول قائل ما اسمه؟!، وجوابا على ذلك أقول ليس المهم ما هو اسمه؟! لأنَّ هناك أكثر من اسم وأكثر من شخص باتوا مطاردين حتى الآن، ولا تزال تطالهم كل أساليب القمع الخشنة والناعمة! وإلى جانب مطاردة الأشخاص فقد بات واضحا أنَّ هناك مطاردة لبعض لجاننا وفي مقدمتها لجنة المتابعة العليا التي باتت مطاردة على المكشوف، وبات البعض من شخصيات رسمية إسرائيلية يدعون إلى حظرها، وبات واضحا أنَّ لجنة إفشاء السلام القطرية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا وسائر لجان إفشاء السلام المحلية باتت مطاردة كذلك، لدرجة أنَّ بعض الجمعيات السمينة المدعومة من صناديق دعم أمريكية صهيونية اتصلت ببعض لجان إفشاء السلام النسائية وحاولت أن تغريها بدعم مالي لا حدود له بشرط أن تعلن عن انفصالها عن لجنة إفشاء السلام القطرية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، لا بل وصل الأمر بإحدى الجمعيات السمينة المدعومة من صناديق دعم أمريكية صهيونية أن تحاول عبر عضواتها من النساء اليهوديات أن تخترق نشاطا نسائيا إغاثيا إنسانيا، ولما قيل لهذه الجمعية السمينة المدعومة إنَّ عرضكم مرفوض لإنَّ المحيط النسائي الاجتماعي لهذا النشاط لا يمكن أن يستقبل هؤلاء العضوات من النساء اليهوديات، وإذ بهذه الجمعية السمينة المدعومة تقول: لا حرج يمكن أن ترتدي هذه العضوات زيا شرعيا خلال هذا النشاط!! ومع كل هذه الإشكالات الشائكة لا يجوز من الحكيم فينا الانطواء، بل يجب عليه أن يواصل ترسيخ قيمنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وأن يثابر على خدمة مجتمعنا ونصرة كل قضاياه!!
وقد ينظر الحليم منّا إلى ما حوله في حدود مجتمعنا في الداخل الفلسطيني فيجد أنَّ الفتور وخوار الهمم قد تغلغل فينا حتى النخاع، ويجد أنَّ الكثير منّا يتقنون فن الوصف لجائحة العنف، أسبابا وحالا فقط، ويجد أنَّ القليل منّا مَن يتجاوزون فنَ الوصف لهذه الجائحة، ويجتهدون تقديم اقتراح الحلول لهذه الجائحة، إلا أنهم يقفون عند حد الاقتراح فقط، ويجد أنَّ الكثير منّا يتقنون فنّ النقد إلى حد التجريح فقط ويختفون في ميدان العطاء، ويجد أنَّ قليل القليل يتجاوزون كل ذلك ويعملون بإصرار من أجل مناهضة العنف ومسبباته وآثاره. ومع كل هذا الحال المأزوم المختل لا زال فينا هذه القلة القليلة التي عرفت واجبها، والتي لا تزال تواصل أداء هذا الواجب لا يضرها من خالفها أو خذلها.