تقرير “صرخات مكتومة”.. هكذا يعيش أطفال قرية أبو غوش
لا يستطيع محمد جبر وصف الآثار النفسية “المرعبة” التي يعيشها أطفاله الثلاثة، فـ”أصواتهم المكتومة” تعكس حجم الخوف الذي عاشوه من جراء الجريمة التي ارتكبها مستوطنون من عصابات “تدفيع الثمن” الاستيطانية قبل أيام.
ففي 17 يوليو/تموز، استيقظ الرجل البالغ من العمر 44 عامًا، في الساعة الثالثة فجرًا، مفزوعًا على وقع أصوات انفجارات قرب منزله في قرية أبو غوش شمال غرب مدينة القدس المحتلة.
تشوشَت أفكار جبر عندما رأى مشهدًا بات مألوفًا لعصابات “تدفيع الثمن”، إذ أضرموا النيران في السيارات المتوقفة أمام منزله، وقد أضاءت النيران التي تصَاعد منها دخان أسود المكان.
لم يتمكن جبر من السيطرة على نفسه بعد رؤية المشهد المروع، “كان منظرًا فظيعًا يعجز اللسان عن وصفه، كان الصراخ هو الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله لطلب المساعدة من الجيران لإخماد النيران، وكانت قوات الاحتلال تقف مكتوفة الأيدي أمام أعمال المستوطنين”.
وهذه الجريمة أضافت إلى محمود جبر عبئًا إضافيًا من الألم والحزن، فقبل سبعة أشهر أحرق المستوطنون سيارتَين له تقدر خسارتهما المالية بـ 200 ألف شيقل.
ويقول جبر: “كنت أعتمد على السيارتين للذهاب والعودة من المستشفى بسبب حالتي الصحية، إذ أجريت عملية زراعة كلية وأحتاج للرعاية المستمرة، لن يتلاشى ذلك المشهد من ذاكرتي، وتكراره يجعلنا نعيش في حالة من الخوف والقلق”.
ويضيف جبر أن أطفاله الثلاثة باتوا يعيشون خوفًا لم يشهده من قبل، “فأصبحوا يرفضون مغادرة المنزل خوفًا من تكرار المأساة، وأحدهم يعاني حالة تبول لا إرادي بسبب الضغط النفسي، والقلق الشديد”.
واضطر جبر إلى طلب المساعدة من المرشدين الاجتماعيين المؤهلين، لمساعدة أطفاله في التغلب على هذا الموقف والعودة إلى الحياة اليومية.
عزلة جغرافية
ويتساءل قريبه محمد جبر عن الأمن والسلامة في الحياة التي يعيشها أهالي القرية؟ “فاليوم يحرقون السيارات، وقد يأتي اليوم الذي ستكون فيه منازلنا هي الهدف دون أن يكترثوا لساكنيها. نحن سكان للقرية، نسأل أنفسنا يوميًا: من سيكون التالي؟”.
ويقول: “الخوف والرعب يسيطران على الجميع، سواءً كانوا كبارًا أم صغارًا، ليس هناك أمن وسلامة للعيش، ولا نعرف كيف نحمي منازلنا ونحرسها، يفترض أن يقوم بهذا الدور شرطة الاحتلال”.
ومن جهته، يقول إحسان عبد الرحمن، من مركز أبوغوش الجماهيري: إن القرية تعيش عزلة جغرافية وسياسية وثقافية عن القرى المجاورة لها.
ويوضح أن إمكانية التوسع الجغرافي والتيبوغرافي محدودة جدًا لكون القرية محاطة بكيبوتسات يهودية، ويعيش أهلها بضائقة سكنية فالمُناقصات والقسائم التي تباع من أراضي الغائبين تعرض بأسعار خيالية لأهالي القرية حتى لا يتمكنوا من شراء الأرض والتوسع فيها، لتُباع لليهود.
ويفيد عبد الرحمن بأن 177 وحدة سكنية تسوق لليهود تحت مسميات عبرية، “وهذه المشكلة على المدى البعيد تكون نتيجتها أقلية عربية في القرية مقابل أغلبية يهودية”.
ويحاول أهل القرية التغلب على المشكلة بالبناء الرأسي بالرغم من حالة الاكتظاظ السكاني الكبير، ولكن شباب أبو غوش يعانون من عدم وجود سكن واستقرار.
ويضيف عبد الرحمن: “عدا عن تلك المشكلة فإن عصابات تدفيع الثمن العنصرية أحرقت قبل أيام أربع مركبات، وهذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة طالما لم يجدوا من يردعهم أو يوقِفهم عند حدهم”.
ويشدد على أن أهل “أبو غوش” يفتقدون للعيش الآمن تحت وقع اعتداءات تكررت ثلاث مرات في الشهر نفسه، لافتًا إلى أن كل مواطن في القرية مستهدف، “ومن المحتمل أن يكون هو الهدف القادم لتلك العصابات”.
ويتابع عبد الرحمن حديثه: “بغض النظر عن البنية التحتية للقرية وشوارعها ومواصلاتها الجيدة إلا أننا نطمح لحياة أفضل فيها، وبشكل عام قرية أبو غوش مسالمة”.
وتبعد قرية أبو غوش عن القدس قرابة 13 كم غربًا وعلى بعد 48 كم عن مدينة يافا، ويبلغ عدد سكانها 9000 نسمة.
وتعرف القرية باسم آخر وهو “قرية العنب” أو “حصن العنب” بسبب كثرة أشجار العنب المنتشرة فيها، التي صمدت في عام 1948م.