المطالبة بحظر لجنة المتابعة.. ناقوس خطر يستوجب الانتباه
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
ناقشت لجنة الأمن القومي في الكنيست الأحد الماضي، طلب أعضاء من الكنيست محسوبين على الائتلاف من أحزاب الليكود والصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت، بإخراج لجنة المتابعة العليا عن القانون وحظرها بحجة أنها لجنة تحرض ضد الدولة وتتماثل وتتماهى مع إرهابيين ومنظمات إرهابية، وأنها وقفت خلف هبة الكرامة عام 2021، وطالب الأعضاء الثلاثة الشرطة بالتحقيق الفوري مع رئيس اللجنة السيد محمد بركة بتهمة التماهي مع سجناء أمنيين اتهموا بأعمال إرهابية ووقوفه إلى جانب المنتفضين في هبة الكرامة وإلى جانب الفلسطينيين في الحرب التي عرفت باسم سيف القدس في أدبيات المقاومة الفلسطينية، وحارس الأسوار في أدبيات الاحتلال الإسرائيلي والتي جرت عام 2021.
من نافلة القول الإشارة إلى أن هذه الحكومة متشددة ومتطرفة وتستغل لحظات وجودها لسن أكبر قدر ممكن من القوانين يهيئ الأرضية القانونية لبسط نفوذ اليمين بمدارسه المختلفة على مفاصل الحياة، وتكميم أفواه المعارضين والتنكيل وتشديد الخناق على الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني عبر الأدوات القانونية والتشريعية، وقد طرحت هذه الحكومة إلى هذه اللحظات عشرات القوانين التي تتعمد الوجود الفلسطيني في الداخل الفلسطيني.
التحريض على لجنة المتابعة ليس الأول في تاريخها من الجانب الإسرائيلي، ومعلوم أنه إلى هذه اللحظات لم تعترف المؤسسة الإسرائيلية بلجنة المتابعة كمظلة جامعة وسقف أعلى للفلسطينيين في الداخل، وهو موضوع من الأهمية بمكان الإشارة إليه وتناوله في مقال مستقل لما يحمله من معاني الصراع الخفي وجودًا وعدمًا بين المؤسسة الإسرائيلية والداخل الفلسطيني ماديًا وعمرانيًا وهوياتيًا.
قاد مشروع القانون لإخراج المتابعة وحظرها النائب الليكودي المتدين عامييت هليفي المشهود له بيمينيته وتطرفه، وهو من تناول وطلب بتقسيم فوري للمسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين بحيث يكون للمسلمين المسجد القبلي وبعض الساحات القريبة منه فيما قبة الصخرة وكل ما تبقى من المسجد تحت السيطرة اليهودية، وإنهاء الوصاية الأردنية على المسجد. هليفي يعتبر تصريحات محمد بركة ووجود الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب في اللجنة من الأسباب الداعية لحظرها وإخراجها عن القانون.
مطالبة الأعضاء الثلاثة المعروف عنهم تطرفهم وعنصريتهم بحظر اللجنة، يجب أن لا يمر علينا مرَّ الكرام، فهذه المجموعة ما كان لها أن تتقدم بمثل هذا القانون لولا أنهم حصلوا على الموافقة من المستوى السياسي للتعاطي مع هذا الملف ضمن سياسة مبرمجة تستهدف الوجود الفلسطيني في الداخل وإعادته إلى الحكم العسكري عبر بوابات الضغط النفسي والاجتماعي والقانوني لتحقيق معاني الاستخذاء والتبعية، وقد أشار هاليفي بوضوح إلى أن هدف الإخراج الحفاظ على إسرائيل أمنيًا وقوميًا، وفي المقابل الحيلولة دون توجهات العرب إلى التطرف كما يزعم ومن ثم تأييد الإرهاب وهو ما يتطلب جهودًا سلطوية على حد قوله لتربيتهم على المواطنة التي تعني الولاء للدولة ورموزها.
مرة أخرى تتأكد حاجتنا إلى لجنة المتابعة كجسم جامع لكل الأحزاب والحركات السياسية سواء البرلمانية أو غير البرلمانية، إذ الجامع المشترك للجميع أكثر وأوسع من الرؤى الحزبية الضيقة التي بات وضعها الشعبي في مأزق كبير، وما كانت هذه الخطوة لتأتي من مثل هؤلاء المشهود لهم بالتطرف والغلو لولا حالة السيولة الفاسدة التي نعيشها كفلسطينيين مجتمعًا وساسةً، والمطلوب إسرائيليًا وفقًا للنزعة الفاشية القومية على مستوى التعاطي مع الوجود الفلسطيني إنهاء هذا الوجود ماديًا ومعنويًا وفقًا لمعتقداتهم وأيديولوجياتهم، ومن ثم فالطرح المُطالب بحظر المتابعة يأتي ضمن هذه التصورات التي ترى ضرورة إنهاء الوجود السياسي للداخل الفلسطيني أيًا كان، وإن لجنة المتابعة بما تحمله من رمزية فلسطينية وسقف ممثل للكل السياسي الفلسطيني الذي يعمل ضمن لافتات الكنيست وتحت مظلتها أو خارجها ومؤمن بالعمل السياسي من خلال الكنيست، إلا أنه غير ممثل راهنًا فيها أو من لا يؤمنون بالعمل السياسي تحت هذا السقف، وبالتالي فهذه اللجنة بهذه الرمزية المهمة ثمة من يعمل على حظرها لتفتيت الجهد المبذول بحده الأدنى وإلزام من يفكر في العمل السياسي أن يكون سقفه الأعلى الكنيست وقوانينها وأخلاقياتها السياسية.
ثمّة معان ورسائل يحملها مجرد تناول الموضوع في لجنة من لجان الكنيست كلجنة الأمن القومي ذات الصلة بالشرطة وحرس الحدود وما يدور في فلكها، فكأن رسائل تُبعث إلى هذه الأجسام أن يباشروا العمل في تضييق الخناق على لجنة جامعة يمكن توصيفها أنها سقف وطني للكل الفلسطيني سواء من عارض مجرد وجودها أو انتقد نشاطها وتفاعلاتها أو انتقدها لمجرد النقد، فأمثال هؤلاء جميعًا يقرون بشكل أو بآخر بهذا الجسم الذي يسعى اليمين الفاشي لحظره وتفكيك هذا المعقل الجمعي للفلسطينيين على اختلاف مشاربهم السياسية، يحمل في طياته معنى تفكيك ذات الفعل السياسي كما أشرت سابقًا، إلا أن يكون تحت مظلة محددة سلفًا، وهو ما يتطلب رُشدًا سياسيًا من الممثلين للأحزاب الموجودين داخلها يرتقي إلى تحمل المسؤولية في مثل هذه اللحظة الفارقة التي يمر بها مجتمعنا الفلسطيني من جهة والكيان من جهةٍ أخرى.
يمكن توصيف بعض الموجودين فيها بأنهم الحاضر الغائب من حيث التفاعل والحضور والمشاركة في مجمل نشاطاتها التي تُحاسب حاليًا على بعضٍ منها، وهو ما سمح لأمثال هؤلاء المتطرفين المتابعين لكافة نشاطات الداخل الفلسطيني رصدًا وتوثيقًا عبر جمعيات ومؤسسات متخصصة هدفها في النهاية العمل على تفكيك الحالة السياسية من جهة وخلق حالة من الرِهاب والخوف من السلطة، وهو ما يتزامن مع موجة العنف التي تضرب مجتمعنا بدون رحمة تدفعنا إلى نكبة ثانية نعيش بعضًا من معالمها عبر العنف المستشري الذي سيشكل لاحقًا إن استمر، الأرضية الصلبة لتحقيق نكبة ثانية بعد أن تفككت عراه الاجتماعية ومن بعد السياسية ممثلة بقوى خيرة كالحركة الإسلامية والتي حُظِرَ وجودها أواخر عام 2015، وها نحن نشهد حملة على لجنة المُتابعة تذكرنا بالبدايات التي لوحقت بها الحركة الإسلامية ورموزها لتنتهي إلى الحظر القانوني .
الفطين من يتنبه إلى ألا يكون ثورًا أبيضَ ولا أن يُؤكَلْ. وهي دعوة للأحزاب الموجودة داخل اللجنة وإلى كل من ينتقدها صباح مساء أن يتنبه جيدًا إلى ضرورات المرحلة وأن ينظر إلى الكأس من طرفها المملوءة لا الفارغة، وإن كان الفراغ من مخاطره أنه مدعاة للتفاهة والتافهين.