تفاقم معاناة رضع النازحين في إدلب: حرارة لا تطاق وحشرات في خيام مهترئة
يعيش النازحون في مخيمات شمال إدلب ظروفاً معيشية قاسية في ظل موجات الحرّ الشديدة التي تضرب المنطقة في كل عام، والتي من المتوقع أن تتصاعد في الأيام المقبلة لتزيد من معاناة قاطني الخيام، لا سيما الأطفال حديثي الولادة، الفئة الأكثر ضعفاً وتأثراً بارتفاع درجات الحرارة.
عبثاً تحاول روعة الكيال (32 عاماً)، وهي نازحة مقيمة في مخيمات دير حسان، شمال إدلب، تخفيف تأثير ارتفاع درجات الحرارة عن مولودها الذي لم يتجاوز عدة أيام فقط، وقالت إنها جردت الصغير من ملابسه، ومع ذلك لا يزال العرق يتصبب منه بغزارة.
وأضافت، أن خيمتها تفتقر إلى كافة وسائل التبريد وسط الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، إذ لا كهرباء، وبالتالي لا مروحة ولا ثلاجة، “عدا ذلك، فإن قماش النايلون التي صنعت منه الخيمة يضاعف الحرارة المنعكسة، ما يحولها إلى مكان لا يطاق للكبار قبل الصغار”.
وتشكو المتحدثة قلة الدعم المقدم للمخيم الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، وخاصة في ما يتعلق بشح المياه، العنصر الأساسي المتاح لهم للتخفيف من حرارة الطقس عبر رش الخيام بالماء، وكثيراً ما يعمدون لتعبئة خزاناتهم على حسابهم الخاص، إضافة إلى قدم واهتراء الخيم وانتهاء العمر الافتراضي لها، وهو ما يزيد مخاوفها من إصابة طفلها بأي ضربة شمس محتملة.
ودعت النازحة منظمات المجتمع المدني والسلطة القائمة في المنطقة إلى التحرك بدل التفرج على معاناتهم، وتأمين متطلبات النازحين، خاصةً المياه، وتوسيع عمليات الاستجابة الإنسانية، في ظل عجز كافة النازحين عن تأمين المستلزمات الأساسية بسبب ارتفاع أسعارها، وقلة فرص العمل المرافقة لها.
أما النازحة كريمة النجار (29 عاماً) المقيمة في مخيمات قاح شمال إدلب، وهي أم لطفلين أصغرهما لم يتجاوز الشهر من عمره، فلا يقلقها ارتفاع درجات الحرارة والطقس الخانق والمزعج وحسب، وإنما أيضاً انتشار الحشرات بشكل كثيف.
وأضافت: “لمرتين على التوالي أبعدت العقارب والعناكب عن سرير طفلي، لا أدري كيف أتصرف مع سرعة انتشار الحشرات وسط ارتفاع درجات الحرارة، فالأمر أصبح خارج السيطرة وبحاجة لحل سريع برش المبيدات الحشرية بشكل يومي في المخيم، وهو ما لا نجده هنا مطلقاً”.
وتوضح النازحة علياء القيرومي (22 عاماً) أنها تهرب بشكل يومي من خيمتها الواقعة شمال بلدة كللي شمال غرب إدلب حاملة طفلها الرضيع لتقصد منزل إحدى قريباتها، وهو منزل مصنوع من الطوب والإسمنت ما يمنع الحر، عكس الخيمة التي تشعر أنها تلتهب على نحو “لم يعد يطاق”.
وتشير إلى حاجتهم الماسة لعوازل للخيام تقيهم حرارة الصيف التي ارتفعت بشكل ملحوظ هذه الأيام، لا سيما أن معظم الخيام رديئة الصنع ولا تقي حر الصيف، مطالبة الجهات المعنية بتأمين مشاريع كهرباء أو منظومة طاقة شمسية لكل خيمة على الأقل.
الطبيب محمد البكري الأخصائي بطب الأطفال والرضع قال إن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي بشكل طبيعي لارتفاع درجة حرارة الجسم، حيث تتفتح الأوعية الدموية، وهو ما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم ويجعل القلب يعمل بجهد أكبر لدفع الدم في جميع أنحاء الجسم.
وأوضح لـ”العربي الجديد” أن ارتفاع درجات الحرارة يسبب أعراضاً خفيفة مثل الطفح الجلدي الناتج عن الحرارة، أو تورم القدمين نتيجة حدوث تسرب في الأوعية الدموية، كما يؤدي التعرق إلى فقدان السوائل والأملاح وإلى تغير في التوازن بينهما.
ولفت إلى أن كل تلك الأعراض تفضي إلى حالة الإنهاك الحراري، والذي تشمل أعراضه الدوخة، الغثيان، الإغماء، الارتباك، التشنجات العضلية، الصداع، التعرق الشديد والإرهاق.
من جانبه، حذر فريق الدفاع المدني السوري من موجة الحر الشديد وطالب المدنيين باتباع نصائح الحماية عبر شرب كميات وافرة من المياه والسوائل، وعدم التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر ولأوقات طويلة، لا سيما في أوقات الذروة، وخاصة الأطفال وكبار السن، لتجنب ضربة الشمس.
وشدد على ضرورة تجنب المأكولات الدسمة وغير الطازجة، لأنها تسبب مشاكل صحية وتفسد سريعاً بسبب الحرارة، وارتداء الملابس القطنية الخفيفة والفضفاضة واعتمار قبعات للتخفيف من تأثير من أشعة الشمس خلال التعرض المباشر لها أثناء السير في الطرقات.
وشدد على عدم لعب الأطفال بالخارج في الطقس الحار، وتجنب وضع أسطوانات الغاز في الشمس، ومراقبة منظومة شحن الطاقة الشمسية وتفقد البطاريات والتأكد من سلامة الأسلاك وتوصيلات الكهرباء ودارات الفصل بشكل دوري.
وحذّر من إشعال نيران بالقرب من المخيمات والمنازل أو الأشجار المثمرة والمناطق الحرجية، أو حرق الأعشاب الجافة، واتخاذ إجراءات الأمن والسلامة من العقارب والأفاعي التي تنشط مع ارتفاع درجات الحرارة، وطلب المساعدة الطبية العاجلة في حال حصول أي طارئ.