قرية الغجر ومزارع شبعا ضمن 13 بؤرة ملتهبة.. إلى أين يتجه التصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية؟
تزامنا مع إحياء لبنان الذكرى الـ17 للعدوان الإسرائيلي في يوليو/تموز 2006، تشهد حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة وضعا حساسا ودقيقا، حيث استهدفت قوات إسرائيلية 3 أشخاص قالت إنهم عناصر بحزب الله اقتربوا من السياج الحدودي، في سياق اعتداءات وخروق تصاعدت وتيرتها في الشهرين الماضيين.
ولا ينفصل هذا التطور عن التوتر الحدودي بين لبنان وإسرائيل، بعد ضم جيش الاحتلال الإسرائيلي الجزء اللبناني الشمالي من بلدة الغجر جنوب شرقي لبنان، بنصب إنشاءات له هناك، ووضع سياج شائك وجدار إسمنتي حول البلدة. وكان حزب الله قد نصب بدوره خيمتين في منطقة مزارع شبعا المحتلة من إسرائيل.
وقبل أيام، أعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب أن “لبنان سيتقدم بشكوى لمجلس الأمن الدولي لإزالة هذا الخرق، وانسحاب إسرائيل من المنطقة المحتلة تطبيقا للقرار 1701″، بعدما اعتبرت الدولة اللبنانية أن السياج حول الغجر هو محاولة من الاحتلال الإسرائيلي لضمها.
رسائل نصر الله
وفي خطاب لافت بنبرته الهادئة والمحمّلة بالرسائل لإسرائيل، رفض أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر لله منطق الحديث عن “ترسيم حدود برية” بين لبنان وإسرائيل، وطالب “بانسحاب العدو من النقاط اللبنانية المحتلة”، وأكد أن الجزء الشمالي من قرية الغجر “أرض لبنانية أعاد العدو احتلالها”، معتبرا أن مسؤولية إعادتها للبنان بلا قيد وشرط تقع على “الدولة والشعب والمقاومة”.
وأوضح أن الحزب نصب “خيمة على الحدود داخل الأراضي اللبنانية، وخيمة أخرى داخل خط الانسحاب في مزارع شبعا”، وحذر إسرائيل من ردّ المجاهدين إذا تعرّضت للخيمتين، مضيفا أن “الانتصار في تموز أسّس لميزان ردع قوي وكبير لحماية لبنان، ويعمل بقوة منذ 17 عاما”.
ويرى مراقبون أن نصر الله أعطى فرصة لحل أزمة الغجر دبلوماسيا وسلميا، لكنها تحمل تهديدا مباشرا بجهوزية الحزب لتحريرها عسكريا، بقوله إن “الغجر لن تُترك لإسرائيل”.
ويقول الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد أمين حطيط إن الواقع الميداني لبلدة الغجر حاليا هو وقوعها تحت قبضة إسرائيل، انطلاقا من ثلاثة معطيات: احتلالها، وضمها بالقوة لأرض فلسطين المحتلة، واختراق قرار مجلس الأمن رقم 1701.
ويعتبر الخبير العسكري أن خطاب نصر الله حمل رسالتين: الأولى هي إسقاط فكرة ترسيم الحدود البرية الذي ستسعى عبره إسرائيل لقضم ما تريد، لأنها مرسمة أساسا من سنة 1923، والرسالة الثانية هي أن أرض الغجر بالقسم الشمالي للبنان، وعلى إسرائيل الخروج منها سلميا تفاديا لإخراجها عسكريا.
قصة الغجر
تقع بلدة الغجر في موقع إستراتيجي في مثلث بين جبل الشيخ ومزارع شبعا والحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهي قرية سورية مأهولة، وفق ما يقول أمين حطيط الذي سبق أن ترأس اللجنة اللبنانية التي أشرفت على ترسيم الحدود مع إسرائيل، وتحققت من انسحابها من جنوب لبناني سنة 2000.
ويلخص حطيط قصة الغجر بالمحطات الزمنية التالية:
- سنة 1967، وفي حرب الأيام الستة، احتلت إسرائيل الغجر باعتبارها بلدة سورية، وبقيت تحت سيطرتها حتى 1978 مع احتلال جنوب الليطاني اللبناني، وأفسحت المجال لأهالي الغجر السوريين بالتمدد العمراني باتجاه لبنان، واستمرت عملية البناء حتى سنة 2000.
- سنة 2000، ومع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، فوجئت اللجنة اللبنانية -وفق حطيط- بأن ثلثي مساحة الغجر -بعد اتساعها- بات ضمن الأراضي اللبنانية، والثلث الآخر في سوريا. لكن لبنان تمكن بالخرائط من إثبات لبنانية ثلثي أرض الغجر لدى الأمم المتحدة.
- في عام 2000، عرض الرئيس اللبناني السابق إميل لحود على الأمم المتحدة أن يستضيف لبنان كامل البلدة بشقيها اللبناني والسوري، على اعتبار أن الشق اللبناني محرّر، لكن إسرائيل رفضت.
- مع وضع الأمم المتحدة الخط الأزرق الذي يقع في 13 نقطة حدودية متنازعا عليها، أصبح الجزء الشمالي من الغجر بلبنان والجنوبي في الجولان السوري المحتل.
- وأصبح للبنان الحق بالقيام بعملياته السياسية والإدارية ضمن القسم الخاص فيه، مقابل منع إسرائيل من الدخول إليه، بينما يُسمح لأهل “الغجر” بالقسم اللبناني والسوري التنقل عبر بوابة تُشرف عليها الأمم المتحدة.
- مع حرب تموز سنة 2006، خرقت إسرائيل الاتفاق ودخلت القسم اللبناني للغجر، حتى صدور القرار الأممي رقم 1701 الذي أجبرها على الخروج من القسم اللبناني للغجر.
- في يوليو/تموز 2023، إسرائيل تنصب سياجا شائكا حول الغجر.
اليونيفيل والأبعاد السياسية
بدورها، تعتبر الكاتبة والمحللة السياسية روزانا منصف أن حزب الله لا يغلق باب الحل السياسي والدبلوماسية لقضية الغجر، مع إدراك الطرفين مخاطر الذهاب لحرب واليوم الذي سيليها.
وترى منصف أن توجه لبنان للشكوى لدى مجلس الأمن ضد إسرائيل، لإجراء الاعتيادي والدبلوماسي، لا يعني التصعيد أيضا.
ورغم أن كثيرين ربطوا زيارة مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين لتل أبيب بالتوتر عند الحدود الجنوبية، فإن منصف تعتقد أن مسألة الغجر ثانوية بظل ما تشهده إسرائيل من انقسامات داخلية، ولأن جدول أعمال هوكستين يكتظ بالملفات المتعلقة بالطاقة وبالمنطقة.
وتجد الكاتبة اللبنانية أن اعتداء إسرائيل على الغجر محاولة لتثبيت وجودها والاستحصال عليها تتمة للمساحة المحتلة منها بالجولان.
كما ترجّح أن يكون حل القضية عبر تفاوض غير رسمي وغير مباشر، وعبر وساطات دولية، إذا ما تصاعدت التوترات لاحقا، متوقعة ألا تشهد الغجر أي حسم نهائي حول وضعها بالقريب العاجل.
وأضافت أن أولوية لبنان في الجنوب تتصل باقتراب موعد التمديد لقوات اليونيفيل، والتحرك استباقيا، لحل إشكالية السماح لها منذ العام الماضي، بالقيام بجولات بشكل مستقل عن الجيش اللبناني.
تمديد ولاية اليونيفيل
ويتطلع لبنان نهاية أغسطس/آب المقبل إلى تمديد الأمم المتحدة ولاية اليونيفيل، وسط إشكالية تثير اعتراض حزب الله.
ففي العام الماضي، ولأول مرة منذ حرب تموز2006، أضافت الأمم المتحدة بندا تعديليا على مهام اليونيفيل جنوب لبنان، بالقول إن اليونيفيل “لا تحتاج لإذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها”، و”يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل”، بينما كان من المعتاد أن ترافق آليات الجيش اللبناني آليات اليونيفيل في مناطق عملها جنوبا.
وفي نهاية العام الماضي، ضجّ لبنان بمقتل جندي إيرلندي وإصابة ثلاثة آخرين من قوات اليونيفيل أثناء تجول آليتهم ليلا.
وهنا، يربط الكاتب والمحلل السياسي جورج علم مسألة التوتر جنوبا باقتراب موعد التجديد لقوات اليونيفيل، قائلا “رغم ما تشهده الغجر، هناك نوع من التوازن بالخروقات، وإسرائيل تحاول رفع التوتر بالبلدة لتحقيق مكاسب إضافية بورقة التمديد”.
ويرجح جورج علم أن يتطرق المبعوث الأميركي هوكستين أثناء وجوده في تل أبيب إلى سبل حلّ أزمة الغجر بالقنوات الدبلوماسية، مضيفا “لأن لا أحد يستطيع تحمل وزر الحرب”.
ويتوقع الكاتب اللبناني استجابة إسرائيل لما يصفه بتهديد حزب الله لها، وأن تنسحب تكتيكيا من الغجر بالقسم اللبناني كحل وحيد لتجنب التدحرج إلى اشتباك مسلح.