كيف تحاول شركات الذكاء الاصطناعي اقتحام صناعات الدفاع؟
نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرًا عن الجهود التي تبذلها شركات برامج الذكاء الاصطناعي لاقتحام صناعات الدفاع من أجل زيادة كفاءة الجيوش وتطوير معداتها العسكرية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إنه كان من الممكن أن يستمر أنطوان بوردس في السفر بين باريس ونيويورك، حيث ترأس هذا الخبير الشهير في الذكاء الاصطناعي مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي لفيسبوك التابعة لمجموعة ميتا.
لكن كان لغزو روسيا لأوكرانيا صدى عميق فيه ودفعه لعبور المحيط الأطلسي مرة أخرى؛ حيث أثار تعرض القيم الديمقراطية للخطر، ناهيك عن السيادة التكنولوجية لأوروبا حماسه لخوض غمار هذه الساحة. وأوضح بعد ثلاثة أشهر من تعيينه كنائب لرئيس شركة هيلسينج للأبحاث: “إذا كان ما أعرفه يمكن أن يكون له تأثير على الدفاع الفرنسي والأوروبي، فأنا متحمس لذلك”.
لا تزال هذه الشركة الناشئة محط الأنظار؛ فقد أُسست في برلين سنة 2021، بفضل استثمار بقيمة 100 مليون يورو من صندوق بريما ماتريا لمؤسس سبوتيفاي، السويدي دانيال إيك، وقد رسخت نفسها في المملكة المتحدة وفرنسا. وسمح تموقع هذه الشركة بالعمل في البلدان الثلاثة والقرب من أهم القوات العسكرية في القارة القديمة؛ حيث تريد هيلسينج السماح للجيوش “بتحقيق مكاسب كبيرة في القدرات” من خلال الموارد غير المستغلة للذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الدفاع الألمانية اختارت هذه الشركة لتنمية مشاريعها. وبالشراكة مع شركة ساب الألمانية التي توفر المستشعرات؛ سيعزز برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بها رادارات 15 طائرة يوروفايتر لوفتواف، بهدف استبدال نظام تورنادو المخصصة للقيام بمهام لتحييد الدفاعات الجوية للعدو. واعتبارًا من سنة 2028، سيكون النظام الموجود على متن هذه الطائرات المقاتلة قادرًا على تحليل بيانات الرادار التي تم جمعها “لتوليد ـ في بضعة أجزاء من الثانية ـ واتخاذ إجراءات حماية ذاتية دقيقة ضد رادارات العدو الحديثة”، على حد تعبير مصمميها.
“تضخيم كفاءة الأجهزة الموجودة”
ووفق الصحيفة؛ ستعمل “البرمجيات” هذه أيضًا على تحسين فعالية سلاسل قذائف المدفعية، بما في ذلك بنادق قيصر (155 ملم). ووفقًا لهيلسينج؛ سيؤدي ذلك إلى تقليل مخزون الذخيرة اللازمة وتوفير حماية أفضل ضد حريق البطاريات المضادة. وفي البحر؛ سيؤدي ذلك إلى تحسين حماية الفرقاطات ضد الأسراب المخيفة للطائرات المسلحة المسيرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن تزايد أجهزة الاستشعار والسونارات والرادارات يساعد على تعزيز الجيش “بكم هائل من البيانات”، فيجب أن يتعاملوا معهم بشكل عاجل للقتال، حيث تعتبر سرعة اتخاذ القرار عاملًا حاسمًا، ويعد هدف هذه الشركة هو إضافة برنامج الذكاء الاصطناعي هذا إلى المعدات التي يتم استخدامها في ساحة المعركة.
ونقلت الصحيفة عن أنطوان دي براكيلانج، المدير العام لشركة هيلسينج فرنسا، قوله إن “الذكاء الاصطناعي يجعل من الممكن تضخيم كفاءة المعدات الحالية بشكل كبير، دون انتظار تحديثها وتعزيزها في المستقبل”. وأكد رئيسها، مارك فونتين، الرئيس السابق للتحول الرقمي في شركة إيرباص أن “التكيف يمكن أن يحدث بسرعة كبيرة، نحن لا نضع رؤية لسنة 2040”.
وعلى الرغم من الزيادة في الاعتمادات لقانون البرمجة العسكرية 2024-2030، تجعل قيود الميزانية من المستحيل تلبية جميع احتياجات قدرات الجيوش، وهذا يبرر الاستخدام الأمثل للمواد. ويمكن دمج برمجيات إضافية من الذكاء الاصطناعي لتجديد المعدات أو برنامج العقرب لتحديث القدرات القتالية للجيش.
“مجرد مكون في وصفة”
وأوضحت الصحيفة أن هيلسينج تريد دمج الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل في القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية. وتتعاون بشكل خاص مع شركات من العيار الثقيل على غرار داسو للطيران، وإم بي دي إيه، ونيكستر، ونافال غروب، وإيرباص، وتاليس، وما إلى ذلك.
الاستراتيجية الوطنية
وبينت الصحيفة أنه تم تحديد استراتيجية وطنية سنة 2018 ذات أولويات معينة منها: صحة الجنود، والتي تشمل بشكل أساسي مراقبة الوحدات العملياتية والقتال التعاوني والاستخبارات البحرية التعاونية؛ اللوجستيات والدعم والصيانة، حيث تم بذل جهود كبيرة لزيادة توافر المعدات (مثل طائرات الهليكوبتر، وما إلى ذلك)؛ المجال السيبراني والتأثير في حرب المعلومات.
وفيما يتعلق بهذه النقطة؛ تعد الشركة الفرنسية الناشئة بريلجنز خير مثال. وقد أنشئت في سنة 2016 تحت اسم إيرث كيوب، وهي متخصصة في معالجة أنواع مختلفة من البيانات (الموجات الكهرومغناطيسية، والصور من مستشعرات الأشعة تحت الحمراء، والرادارات، والطائرات دون طيار والأقمار الصناعية، والنصوص المأخوذة من المراقبة على الإنترنت، وما إلى ذلك). في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وقعت شركة بريليجنز عقدًا بقيمة 240 مليون يورو مع الإدارة العامة للتسليح لوضع خبرتها في خدمة الاستخبارات الجغرافية المكانية (عبر الأقمار الصناعية) للجيوش. بعد عدة سنوات من البحث والتطوير، يجب دمج هذه اللبنة في مشروع آرتيميس للذكاء الاصطناعي، والذي سيوفر للجيوش، ولا سيما المخابرات العسكرية، حلاً سياديًا وآمنًا لمعالجة البيانات الضخمة.
وأوردت الصحيفة عن بعض الخبراء قولهم إن “الذكاء الاصطناعي سيغير قواعد اللعبة من خلال تغيير ميزان القوى في ساحة المعركة وما بعدها. حتى أن البعض يعتبرها مثيرة للقلق مثل البارود الأسود الذي اخترعه الصينيون. ويؤيد إريك شميدت، المدير التنفيذي السابق لشركة غوغل، والذي كان أول رئيس لمجلس ابتكار الدفاع، الذي تم إنشاؤه في سنة 2016 لبث روح الابتكار داخل البنتاغون، توظيف الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال”.
“دروس الحرب في أوكرانيا”
ونقلت الصحيفة عن أنطوان دي براكيلانجيس، الذي كان حذرًا من تورط هيلسينج في هذه الحرب، قوله: “لقد بدأنا في تعلم الكثير من الدروس من الحرب في أوكرانيا، التي كانت بمثابة ساحة اختبار فريدة من نوعها للتقنيات الرقمية”. وأثبتت مرونة الجيش الأوكراني وقدرته على دمج الابتكارات في القتال، وتعويض نقص جنوده مقارنة بالقوات الروسية؛ أنها حاسمة، فقد أنشأت كييف بوابة مفتوحة للابتكارات المدنية. ومنذ بداية الحرب، نشرت الدولة تطبيق “غي إي إس آرت فور أرتييري”، وربطت المراقبين في الجبهة بالبطاريات، وسعت إلى تحسين عملية تحديد مواقع الأهداف، والتنسيق بين القوات، وزيادة فعالية الضربات.
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن إقبال المستثمرين على تمويل شركات الدفاع تنامى. ففي نهاية سنة 2022؛ جمعت شركة تكنولوجيا الدفاع “أندوريل إندستريز”، 1.5 مليار دولار (1.38 مليار يورو). وفي تقرير بعنوان “إحياء ترسانة الديمقراطية” أشارت الشركة إلى أن “سيارات تسلا تعد أكثر تطورًا مقارنة بمركبات الجيش الأمريكي” ودعت إلى تضمين المزيد من برامج الذكاء الاصطناعي في صلبها.