تساؤلات مؤلمة بعد مظاهرة حيفا
الشيخ رائد صلاح
كانت مظاهرة حيفا بتاريخ 24/6/2023، وكانت باسم لجنتي المتابعة والقطرية، وهذا يعني أنها كانت بإسم كل مركبات لجنة المتابعة، وبإسم كل رؤساء السلطات المحلية العربية، وهذا يعني أنه كان من الواجب حضور كل مركبات لجنة المتابعة وكل رؤساء السلطات المحلية العربية في هذه المظاهرة، ولو حضر كل هؤلاء بما في ذلك الأعضاء المركزيون في كل مركب من مركبات لجنة المتابعة، وبما في ذلك الموظفون الكبار في كل سلطة محلية عربية، لكان من المفروض أن يتواجد من هؤلاء ألف متظاهر كنواة أساس لهذه المظاهرة، ولكان الذي سينضم إليها من جماهيرنا سيزيد من عدد المشاركين فيها إضافة إلى هؤلاء الألف>
ولكن مع شديد الأسف، فإن كل من كانوا في المظاهرة يعدون بالمئات في أحسن الأحوال، وأنا شخصيا تفحصت وجوه الحضور في هذه المظاهرة، فلم أر إلا أربعة رؤساء سلطات محلية عربية كانوا فيها!! فأين سائر الرؤساء الذين يصل عددهم إلى ما يزيد على خمسين رئيس سلطة محلية عربية؟! لماذا غابوا عن هذه المظاهرة التي أطلقت عليها لجنتا المتابعة والقطرية (مظاهرة الآلاف)؟! أنا أتفهم أنَّ بعض الرؤساء قد شدّوا الرّحال لأداء فريضة الحج، ولهؤلاء أقول تقبل الله منّا ومنكم الطاعات وأنتم معذورون في غيابكم عن هذه المظاهرة، وأنا أتفهم أنَّ بعض الرؤساء كان في حالة مرضية، ولهؤلاء نتمنى الشفاء العاجل وأقول لهم أنتم معذورون في غيابكم عن هذه المظاهرة.
وقد يقول قائل: إنّ سائر الرؤساء قد تلقوا دعوات لحضور أعراس أهل بلدتهم وكان ذلك سبب غيابهم!! فهل هذا عذر للغياب عن هذه المظاهرة؟! الجواب واضح وقاطع: هذا ليس عذرا إطلاقا، فكل من حضر المظاهرة كان قد تلقى دعوة لحضور عرس فلان من بلدته، ولو غاب الجميع عن هذه المظاهرة بسبب دعوات الحضور إلى هذه الأعراس لما ظل أحد في هذه المظاهرة؟!
ثمّ أسأل سؤالا آخر: ألم يكن حريٌّ بكل مرشحي الرئاسة أو العضوية في انتخابات السلطات المحلية العربية القريبة بتاريخ 31/10/2023 حضور هذه المظاهرة؟! ألم يضعوا في مقدمة برامجهم الانتخابية التي باتوا يعرضونها على الجمهور مكافحة العنف والجريمة؟! فلماذا لم يحضروا هذه المظاهرة؟! ثمَّ أين هم الأعضاء المركزيون في مركبات لجنة المتابعة؟! نعم لقد حضر البعض منهم في هذه المظاهرة وغاب الكثير؟! فلماذا غابوا؟! وما هو عذرهم؟! الجواب: غيابهم مرفوض ولا عذر لهم.
وعليه فإنه لا يحق لنا أن نلوم جماهيرنا لغيابها عن هذه المظاهرة في الوقت الذي غاب فيه الغالب من رؤساء السلطات المحلية العربية، ومن الأعضاء المركزيين في مركبات المتابعة.
ثمّ ألم يزل البعض من مركبات لجنة المتابعة يتفاخر أن له رصيدا شعبيا يصل إلى عشرات الآلاف من جماهيرنا؟! وأن لغة الاستطلاعات تضعه في المقام الأول من حيث عدد رصيده الشعبي الذي يلتف حوله؟! وأنه بفضل هذا الرصيد الشعبي فقد حصل بجدارة على ما حصل عليه من مقاعد في انتخابات الكنيست؟! فأين هذا الرصيد الشعبي؟! لماذا لم يحضر 1% منه في مظاهرة حيفا؟! أم أنّه رصيد شعبي يدلي بصوته في انتخابات الكنيست ثمَّ يختفي؟! وهل هذا يعني أنه رصيد شعبي محدود الضمان؟! أم أنه رصيد شعبي لمرة واحدة؟!
ألم يأن لكل مركبات لجنة المتابعة أن تراجع حقيقة تواصلها مع الجماهير؟! وما هو مدى قوة هذا التواصل؟! وهل هو تواصل وهمي أم حقيقي؟! فإذا كان حقيقيا فلماذا لم يترجم إلى حضور كبير في مظاهرة حيفا؟! وإذا كان وهميا فأين الخلل؟! هل هو في مركبات لجنة المتابعة أم في الجماهير؟! وهل بالإمكان معرفة حيثيات هذا الخلل؟! وتداركه؟!
ثمَّ أواصل تساؤلاتي المؤلمة وأقول: إذا كان رؤساء السلطات المحلية العربية أو مرشحو الرئاسة أو العضوية في انتخابات السطات المحلية العربية قد غابوا عن مظاهرة حيفا، علما أنَّ حضورها هو أضعف الإيمان، فأي دور قد يؤديه هؤلاء على أرض الواقع في محاربة العنف والجريمة؟! الأمر الذي يدفعني أن أطالب مرة بعد مرة كل مرشحي الرئاسة أو العضوية في انتخابات السلطات المحلية العربية القريبة بتاريخ 31/10/2023 أن يعلنوا بصراحة مكتوبة على هيئة بيان أو برنامج عمل انتخابي عن الدور الذي سيقومون به حقيقة لا شعارا من أجل محاربة العنف والجريمة وهل سيدعمون مسيرة لجان إفشاء السلام على صعيدها القطري والمحلي أم لا؟! وهل سيبذلون قصارى جهدهم لدعم مسيرة لجان الإصلاح في بلداتهم وإقامة لجنة إصلاح في البلدة التي لم تقم فيها لجنة إصلاح أم لا؟! وهل سيواصلون عملهم الحثيث لإقامة هيئة حراسة شعبية تحت سقف كل سلطة محلية عربية أم لا؟! وهل سيدعمون كل هذه الخطوات بما تحتاج إليه من ميزانيات وموظفين أم لا؟!
إنَّ من حق جمهورنا أن يعرف هذه الأسئلة!! وأن يعرف إجابة كل مرشح للرئاسة أو للعضوية في انتخابات السلطات المحلية العربية القادمة على هذه الأسئلة!! وأن يحدد موقفه من كل مرشح سواء كان مرشح رئاسة أو عضوية بناء على إجاباته عن هذه الأسئلة!! وأن يطالب سلفا كل هؤلاء المرشحين أن تكون إجاباتهم مكتوبة وواضحة عن هذه الأسئلة!!
ثمَّ إنّ من حق جمهورنا أن يقول لكل هؤلاء المرشحين: إنني لن أدعم أي مرشح رئاسة أو عضوية بناء على برنامجه التقليدي الذي يعد فيه بشق الشوارع وتمديد شبكات الصرف الصحي وإقامة الملاعب والمتنزهات، بل سأدعم أي مرشح يعد صادقا بمكافحة العنف والجريمة ويحدد سلفا برنامج عمل مكتوب وواضح ومحدد الخطوات يبيّن فيه كيف سيكافح العنف والجريمة، وإلا فإن القيل والقال لا يسمن ولا يغني من جوع!!
ثمَّ إنني في مظاهرة حيفا لم أر من كان ولا يزال يتقن فن الانتقاد أو فن الاقتراح فقط!! ولم أر من كان ولا يزال يتقن فن تجريح لجنة المتابعة العليا بادّعاء أنه يريد التصحيح!! وبطبيعة الحال لم أر من أباحوا لأنفسهم شنّ حملات تجريح عبر بعض المواقع المجهولة للنيل مني أو من غيري، وكأن المطلوب هو إسكات أي صوت وإجهاض أية محاولة وإطفاء أية بارقة أمل تسعى لنقل مجتمعنا من ويلات العنف والجريمة إلى برّ الأمن والأمان.
ولكن مع كل هذا الترهل المجتمعي، ومع كل هذا التفكك المعيب، ومع كل هذه اللامبالاة السلبية فلا يزال في مجتمعنا أحرار وحرائر على صعيد الرجال والنساء والشباب والطلاب، ووظيفتنا اليوم هي مواصلة جمع هؤلاء في إطار لجان إفشاء السلام القطرية والمحلية ودمجهم في مشاريعها التي تحتاج إلى الهمّة والعزيمة والنفس الطويل والصبر الجميل وعدم استعجال قطف الثمار عسانا بعد توكلنا على الله تعالى أن نفشي في مجتمعنا السلام والتراحم والتغافر والإصلاح والمعاملة الفاضلة.