الانقلاب القضائي وعلة المعقولية
المحامي علي أحمد حيدر
لقد أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل عدة أيام عن رغبته بمواصلة تشريع التعديلات القانونية والتي تندرج في إطار ما اصطلح على تسميته، الانقلاب القانوني. وبناء على ذلك، قرر رؤساء الائتلاف الحكومي، الشروع بتعديل قانون القضاء وتقليص علة المعقولية، وإرجاء تعديل إعادة هيكلة لجنة تعيين القضاة إلى الدورة القادمة للكنيست في شهر نوفمبر 2023.
من الجدير بالذكر بأن ياريف لفين، كان قد أعلن على أثر تعيينه وزيرا للقضاء، في شهر كانون الثاني 2023، المرحلة الأولى من التغييرات القضائية التي يبغي تنفيذها والتي تشتمل على الخطوات التالية:
١. تغيير مبنى لجان تعيين القضاة من خلال ضمان أغلبية للائتلاف الحكومي.
٢. تسوية مسألة إلغاء القوانين من قبل المحكمة العليا من خلال منع المحكمة من إبطال قوانين إلا بتوفر أغلبية شبه كاملة من هيئة كبيرة من القضاة، وبواسطة تشريع “فقرة التغلب” التي تتيح للكنيست إعادة تشريع القوانين التي تبطلها المحكمة العليا بأغلبية ٦١ عضوا من أعضاء الكنيست.
٣. إلغاء حجة “عدم المعقولية”، الشيء الذي يقيد صلاحية المحكمة العليا ويمنعها من إلغاء قرارات إدارية وأبطال قوانين.
٤. على المستشارين القانونيين العاملين في الحكومة أن يقدموا المشورة فقط وليس أن يتخذوا القرارات، بمعنى أن يكونوا خاضعين لسلطة الوزير وليس مدافعين عن القانون ولا أن يكونوا خاضعين لتوجيهات المستشارة القانونية للحكومة.
وكانت الكنيست قد صادقت بالقراءة الأولى على قانون تعديل هيئة لجنة تعيين القضاة ولكن على أثر الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات والإضرابات شاركت أحزاب الائتلاف والمعارضة بمحادثات من أجل تقريب وجهات النظر تحت رعاية رئيس الدولة، ولكن هذه المحادثات لم تفض إلى أي نتيجة.
على أثر انتخاب عضوة من المعارضة للجنة تعيين القضاة وانتظارا لما ستؤول إليه نتائج انتخابات نقابة المحامين، (والتي أسفرت الآن عن فوز كبير للمحامي عميت بيخر ، المعارض للتغييرات القانونية) تم إرجاء كل ما يتعلق بالتغييرات في لجنة تعيين القضاة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد شرعت لجنة، الدستور والقانون والقضاء برئاسة عضو الكنيست سمحا روتمان اليوم، بمناقشة مسألة تقليص حجة “عدم المعقولية” ومنع المحكمة العليا والمحاكم الإدارية من استعمالها في كل ما يخص القرارات التي يتخذها أشخاص منتخبون كرئيس الحكومة والوزراء وأعضاء البرلمان ورؤساء السلطات المحلية في مسائل التعيينات والفصل وما إلى ذلك، ولكنها ستبقى سارية المفعول وممكن استخدامها ضد الموظفين الرسميين فقط.
علة المعقولية هي علة مركزية في إطار القانون الإداري التي يستخدمها قضاة المحكمة العليا والمحاكم الإدارية كأداة مركزية للرقابة القضائية على قرارات الحكومة ووزرائها وقرارات السلطات الإدارية الأخرى وكانت المحكمة العليا استعملتها عدة مرات من أجل إلغاء وإبطال قرارات لرؤساء حكومات ووزراء وآخرين والقضية الأشهر والأبرز هي منع الحكومة تعيين كل من بنحاسي ودرعي كوزراء نتيجة لتقديم لوائح اتهام ضدهما.
إن إلغاء وتقليص علة المعقولية سيحد بشكل كبير من إمكانيات تفعيل الرقابة القضائية على الحكومة والوزراء. وفي حال اتخاذ هذه الخطوة سيكون من الصعب على قضاة المحكمة العليا التدخل في المسائل التي يتخذ فيها المسؤولون المنتخبون قرارات من منطلقات اعتباطية، تعسفية، فاسدة أو متطرفة، ومنافية لحقوق الإنسان.
وبالرغم من أن تقليص علة المعقولية يحد من صلاحيات المحكمة العليا وقدرتها على التدخل في قرارات الحكومة والمنتخبين في قضايا التعيينات وتحرير الموظفين وفصلهم إلا أن المحكمة العليا والمحاكم الإدارية الأخرى بإمكانها التدخل من خلال استخدام وسائل وأدوات وعلل قانونية أخرى متوفرة ومتاحة في القانون الإداري، مثل التمييز، الاعتباطية، عدم التناسب، تضارب المصالح، عدم توفر بنية متماسكة من الحقائق، عدم وجود نية حسنة، اعتبارات غريبة وغير موضوعية وعدم منح الحق بالادعاء.
من الجدير بالذكر، بأن المستشارة القانونية للحكومة والمستشار القانوني للجنة الدستور، القانون والقضاء أبديا معارضتهما للتعديل المقترح والذي يهدف إلى تقليص علة المعقولية.
من الأهمية بمكان التأكيد، أنه ورغم أن المحكمة العليا والمحاكم الإدارية وهما ليستا من المحاكم المنصفة والعادلة في كل ما يخص حقوق الشعب الفلسطيني بشكل عام والمجتمع العربي في الداخل بشكل خاص وتعتبران جهاز يعمل في خدمة السياسة والغايات الكبرى للدولة ومنحها الشرعية، إلا أن تقليص علة المعقولية في سياق وجود حكومة من أكثر الحكومات فاشية وتطرفا وعنصرية، وفسادا يقلص إمكانية مراقبة وابطال قرارات المنتخبين الذين توجههم في المقام الأول مصالحهم وتنفيذ برامجهم ولذلك سيكون لهذة الخطوة تبعات واسقاطات سيئة يترتب مواجهتها قانونيا. سياسيا وشعبيا لأنها بمثابة حلقة في سلسلة خطوات قادمة تلغي الهامش الضيق جدا من الديمقراطية في النظام الإثنوقراطي.