كيف تأثرت العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والمغرب بالتوترات الدبلوماسية؟
نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن التوترات الدبلوماسية الأخيرة بين فرنسا والمغرب ومدى تأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث ألغيت زيارة رئيس حركة المؤسسات الفرنسية (ميديف) جيفروي رو دي بيزيو، بسبب العلاقات السيئة بين البلدين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن جيفروي رو دي بيزيو، رئيس حركة المؤسسات الفرنسية (ميديف)، لن يسافر إلى المغرب. بينما كان من المقرر أن يستقبله نظراؤه من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الاثنين 26 حزيران/ يونيو الجاري، ولكن تم تأجيل زيارته. وبحسب مصدر من هذه المؤسسة، فإنه يرتبط تأجيل الزيارة بالتوقيت السيئ “بسبب السياق الحالي للعلاقات المغربية الفرنسية، التي لا تفسح المجال لهذه الزيارة”.
لم تتم الدعوة من قبل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كما أكد مصدر مقرب من الملف في المغرب، موضحا أن جيفروي رو دي بيزيو هو الذي أعرب عن رغبته في القدوم قبل نهاية ولايته، في 6 تموز/ يوليو المقبل. وصرح فابريس لو ساشي، المتحدث باسم “ميديف” لوسيلة الإعلام المغربية “لي 360” بأن “هناك بالتأكيد سياقات سياسية، لكننا قادة أعمال، ونحن لا نلعب، وما يهمنا، مثل نظرائنا المغاربة، هو مشاريعنا. ويجب أن نكون قادرين على التمييز بين الأشياء جيدًا. قد يكون للعوامل السياسية تأثير بالطبع، خاصة بالنسبة للعقود العامة. لكن الشركات الخاصة، فيما بينها، تبحث عن أفضل التقنيات وأفضل المستثمرين”.
وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين قوية تاريخيًّا؛ ففي سنة 2022، كانت فرنسا المستثمر الأجنبي الرائد في المغرب، متقدمة على الولايات المتحدة والإمارات. وفي ما يتعلق بالجانب السياحي، فإن المغرب يعدّ أول وجهة للسياح الفرنسيين؛ حيث استقبل أكثر من مليون فرنسي لقضاء العطلات هناك في الربع الأول من سنة 2023. ومن حيث الاستثمار الأجنبي المباشر، فلا تزال فرنسا تحتفظ بالمركز الأول في المغرب. ومن ناحية أخرى، فقد تراجعت باريس إلى المرتبة الثانية بين الشركاء التجاريين للبلاد، بعد إسبانيا منذ سنة 2017.
ووفق الصحيفة، فإن المغرب يظل “البلد الأول في أفريقيا من حيث صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، والأول من حيث فرص العمل المستحدثة والثاني من حيث عدد المشاريع المنفذة (12) في فرنسا سنة 2022” ، وهو ما أكدته السفارة الفرنسية في المغرب في بيان صحفي نشر في أيار/ مايو الماضي. ومن جهته؛ أكد الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي أن “العلاقات الاقتصادية بين الرباط وباريس كانت دائما واضحة. حتى لو كان هناك اليوم تدخل سياسي”.
قضية الصحراء الغربية
وأبرزت الصحيفة أنه لم يعد للمملكة سفيرٌ في باريس منذ 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، وهو اليوم الذي صوت فيه البرلمان الأوروبي على نص غير ملزم يدين مصير الصحفيين المغاربة المسجونين ويؤكد “قلق” أعضاء البرلمان الأوروبي بشأن تورط المغرب في فضيحة فساد. وفي الرباط؛ تمت إدانة حملة الاعتداءات والمضايقات التي دبرها بشكل خاص النائب الأوروبي والأمين العام لحزب النهضة، حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، ستيفان سيغورني.
وهناك قضية أخرى حساسة، وهي منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها. فخلال خطاب ألقاه في آب/أغسطس 2022، اتبع محمد السادس نهجًا متشددًا، موضحًا أن الصحراء اليوم هي “المنظور الذي يرى المغرب من خلاله بيئته الدولية”. لذلك، فإنها ترغب المملكة الآن في توجيه رسالة إلى فرنسا مفادها أنها تنتظر موقفا قويا منها، على غرار واشنطن، التي اعترفت بالسيادة المغربية على المنطقة. علاوة على ذلك، لا يرحب المغرب بمحاولات التقارب بين فرنسا والجزائر، ودعم الانفصاليين الصحراويين بتاتًا.
هذا هو السياق الذي يستدعيه الاتحاد العام لمقاولات المغرب لتبرير إلغاء زيارة جيفروي رو دي بيزيو؛ حيث يقول نجيب أقصبي: “من يستطيع أن يتخيل للحظة أن قرار الاتحاد العام لمقاولات المغرب مستقل؟ لا أحد يستطيع تصديق ذلك. إنها دعوة سياسية لأمر من السلطة في الاتحاد العام لمقاولات المغرب”. وبالنسبة للخبير الاقتصادي؛ تتشابك المصالح الاقتصادية الفرنسية والمغربية وتدور حول نُخب البلدين، فيقول: “في فرنسا، هناك جماعات ضغط تراقب وتعمل على الحفاظ على هذه العلاقات. من الضروري الاعتقاد أنهم في الوقت الحالي لا يستطيعون التأثير بشكل كافٍ على الإليزيه. في المغرب، اللعبة أقل دقة؛ حيث يعتبر الاقتصاد والسياسة أمرا واحدا وتعد مصالح النخب المغربية أهم من المخاطرة بفقدانها. لكن اليوم، يبدو أن آليات نفوذ النخب تتعثر”.
وفي السياق ذاته، يتابع نجيب أقصبي قائلًا: “يعد الاقتصاد والأسواق الكبيرة أوراق تفاوض سياسية يستخدمها المغرب وفرنسا”. على سبيل المثال، لتوسيع شبكة القطارات عالية السرعة مع الخط الذي يربط مراكش بأغادير، فقد أعربت المجموعات الفرنسية بالفعل عن رغبتها في دعم المكتب الوطني للسكك الحديدية. من جهتها، ترغب مجموعة الشركة الوطنية للسكك الحديدية في المشاركة في تصميم الخط عالي السرعة وتود شركة “ألستوم” متعددة الجنسيات في تجهيز المشروع بالقاطرات والعربات كما فعلت في القسم الأول من شبكة القطارات عالية السرعة الذي يربط الدار البيضاء بطنجة. لكن السلطات المغربية تفتح الباب أمام دول أخرى مثل الصين وإسبانيا.
اختراق ألمانيا وروسيا
وأوردت الصحيفة أن الصحافة المحلية تنقل بانتظام فكرة أن موقف فرنسا في المغرب لم يعد مؤكدًا وأن دعوات المناقصات يجب أن تسمح للمملكة بدراسة كل إمكانياتها. ويؤكد نجيب أقصبي قائلا: “من الواضح أن نتيجة هذه الدعوات للمناقصات هي فقط تجسيد للتقارب بين الدول”.
وتجدر الإشارة إلى وجود سوق آخر مرغوب فيه من قبل المجموعات الفرنسية الكبرى وهو سوق الهيدروجين الأخضر. لكن في سنة 2020، وجهت المملكة أنظارها إلى ألمانيا، فقد وقع البلدان إعلان نوايا مشتركا حول تطوير هذه الطاقة في المغرب. وفي المقابل، سيقوم بنك التنمية الألماني بتمويل بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر مقابل 300 مليون يورو.
أخيرا، وفي ما يتعلق بالطاقة النووية المدنية ولتحقيق هدف المغرب المتمثل في الوصول إلى طاقة متجددة بنسبة 52 بالمئة بحلول سنة 2030، فإن هناك اتفاقا ثنائيا مع موسكو قيد المناقشة. يوفر الاتفاق، من بين أمور أخرى، إنشاء مفاعلات البحث والطاقة ومسرعات الجسيمات الأولية ونظام إدارة النفايات المشعة.
لكن بالنسبة لنجيب أقصبي، فإنه “لم يتقرر أي شيء”، ووفقا له “فلو مُنحت هذه العقود بسرعة لدول أخرى غير فرنسا، فإنها ستكون علامة فارقة، لكن في الوقت الحالي، لم يحدث شيء. بالتالي، فإن من شأن مثل هذا التغيير الجذري في المسار أن يثير تساؤلات حول الكثير من المسائل”.
وفي الختام، فإن الصحيفة نقلت عن مصدر في الاتحاد العام لمقاولات المغرب تأكيده أن الرئيس الحالي لميديف، “ستتاح له الفرصة للمجيء إلى المغرب في سنة 2024”. وأكد أن الروابط التي توحد أرباب العمل المغاربة والفرنسيين لا تزال قوية.
بالإضافة إلى ذلك فإنه سيعقد اجتماع رواد الأعمال الناطقين بالفرنسية الذي ينظمه تحالف أرباب العمل الفرنكفونيين برئاسة جيفروي رو دي بيزيو، على التراب المغربي السنة المقبلة.